الأوساط الاقتصادية في السعودية تترقب انضمام الرياض إلى «التجارة العالمية» قريبا

بعد توقيعها اتفاقا ثنائيا مع أميركا

TT

يتردد في الاوساط الاقتصادية تصريح الدكتور هاشم يماني، وزير التجارة والصناعة السعودي، أخيرا بأن المملكة على وشك ان توقع اتفاقية ثنائية مع الولايات المتحدة، والتي كانت تمثل أكبر العقبات قبل انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية. واكد يماني ان السعودية أكملت جميع مباحثاتها مع أميركا في هذا الخصوص ولم يبق إلا التوقيع.

ويقول الدكتور فهد يوسف العيتاني، أستاذ ادارة الاعمال الدولية والادارة في كلية الاقتصاد والادارة في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، والذي كان عضوا سابقا في الفريق السعودي المفاوض للانضمام، ان الاتفاق الثنائي مع اميركا يهيئ المملكة للانضمام الى منظمة التجارة العالمية. وستكون بعد ذلك المفاوضات الثنائية مع الدول الأعضاء. ومن بين تلك الدول من يريد ان تتوافق انظمة المملكة الداخلية فيما يتعلق بحل المنازعات التجارية مع انظمة المنظمة، مضيفا ان موضوع انضمام السعودية لم يكن فقط هو من الاولويات بل هو كذلك لدى ادارة الرئيس الاميركي بوش. فواشنطن تدرك اهمية السعودية وثقلها الاقتصادي، وهي تمتلك اكبر احتياطي نفط في العالم.

وكان لزيارة الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي لواشنطن أخيرا الأثر الكبير في تقارب وجهات النظر السعودية ـ الاميركية في إتمام عملية الاتفاق التجاري بين البلدين. وكان مراقبون يتوقعون ان تطول مدة التفاوض بين البلدين حيث مارس بعض صانعي القرار في الادارة الاميركية ضغوطا على الرئيس الاميركي كي لا يسهل عملية الاتفاق التجاري بين البلدين لأبعاد متعددة، إلا ان السعودية احتوتها بالكامل وبدون اي تراجع عن مواقفها الثابتة.

وكان الفريق السعودي المفاوض، والذي يرأسه الدكتور فواز العلمي قد اعلن ان السعودية قادرة على الانضمام الى التجارة العالمية، ولكن خصوصيات المملكة وحرصها وتمسكها بمبادئ ثمينة لديها، جعلتها تدخل في حوارات متعددة مع اعضاء المنظمة، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، كل ذلك ادى الى تأخر انضمامها عشر سنوات وهي تمثل عمر المنظمة منذ أن شكلت.

وعملت السعودية العديد من الإجراءات والإصلاحات الاقتصادية نحو الإيفاء بمتطلبات المنظمة. كما قامت بسن العديد من التشريعات، منها ما هو متعلق بالاستثمار الأجنبي وحقوق الملكية الفكرية.

ويوضح الدكتور العيتاني ان الانضمام لم يكن معقدا في الاعوام الاولى التي تلت انشاءها حيث استحدثت بعد ذلك نظما وشروطا اكثر صعوبة و تعقيدا وتشكل ثقلا على الدول النامية. واتفقت السعودية للنفاذ الى الاسواق في مجالي السلع والخدمات مع 36 دولة، كل على حدة من مجموع الدول الاعضاء البالغ عددهم 148 دولة; ومن ضمن تلك الدول وأهمها الاتحاد الأوروبي.

وعلى مستوى التطورات الاقتصادية، فان واشنطن ترغب من السعودية في خصخصة الشركات الحكومية، وأن تفتح ابوابها للمستثمرين من خارج المملكة، وفي مقدمتهم اميركا واوروبا.

ومن النقاط التي ادت الى تأخير انضمام السعودية، نظم التأمين الذي حققت فيه المملكة انجازات واعدة تقترب والمقاييس التي وضعتها المنظمة، اضافة الى ما يتعلق ببند فتح اسواق السعودية لخدمات السوق المالية. ويوضح الدكتور العيتاني في حديثه ان انشاء منظمة التجارة العالمية يهدف الى اعادة صياغة العلاقات الدولية وتحرير التجارة الدولية وتخفيض الحواجز التي كانت تقف في وجه التدفقات السلعية والمالية. وقال انه من فوائد انضمام السعودية هو الارتقاء بالجودة والنوعية للصناعات والخدمات السعودية، وتمكينها من المشاركة في المحافل الدولية وانعكاس ذلك على مكانتها الدولية، وتحسين القدرة على التفاوض على قدم المساواة مع الدول والتكتلات في قضايا الإغراق وتحفيز وتشجيع الاستثمارات الأجنبية داخل السعودية. ويعزز لديها القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية في الأسواق الدولية، تنمية الصادرات لضمان عدم التمييز ضدها، تهيئة الظروف المناسبة للاستثمارات الجديدة والتوسع الاستثماري، ورفاهية المواطن السعودي من خلال تحسين الجودة وانخفاض تكلفة الإنتاج بسبب توفر بدائل عديدة من السلع والخدمات. وإن هناك خيارات مفتوحة للمملكة للتبادل التجاري العالمي خارج إطار منظمة التجارة العالمية، وإنها لن تكون بمعزل اقتصادي عن بوتقة النظام الاقتصادي العالمي إلا انه سيكون هناك بعض التأثير على السعودية عند انضمامها كما يرى الدكتور العيتاني فالسعودية ستتعرض لزيادة نسبة البطالة مع ايجاد التضخم، رفع معدلات الدين العام في المملكة، وإغراق السوق بسلع رخيصة ومقلدة، مضيفا ان الدول النامية تفتقر للخبرات والامكانات. وتوقع العيتاني زيادة أسعار المنتجات الغذائية بمعدل 20 في المائة سنويا، زيادة أسعار بعض السلع الصناعية التي يتم استيرادها من الخارج بسبب حجب التصنيع المقلد وملاحقته دوليا، في حين سيتم تقليص دعم واردات المملكة من بعض الدول مما سيزيد سعر السلع على المستهلك، وبالتالي تلاشي الأفضلية الممنوحة للمقاولين والموردين السعوديين داخل السوق السعودية، حسب قوانين منظمة التجارة العالمية.

يضاف الى كل ذلك، ما سيكون من تأثير شركات عالمية على معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة. فالشركات العملاقة العابرة ذات مراكز مالية قوية ومتطورة تكنولوجياً، والتي لا تقف امامها صناعات شركات ذات قدرات مالية و صناعية اقل بل واقل تجربة، فعمر الصناعة في المملكة لا يكاد يتجاوز العقود الثلاثة وبالتالي فسوف يعرض صناعاتها الى منافسة السلع الاجنبية. ولدى تلك الشركات القدرة على اغراق السوق بمنتجات وبأحجام تسويقية عريضة وواسعة لا تستطيع معها الشركات المحلية المنافسة، الأمر الذي قد يؤدي الى دمج الشركات والمصانع او ربما خروج بعض الشركات والمصانع وإعلان عدم قدرتها على المنافسة. أما التحديات التي يمكن ان يطرحها تطبيق اتفاقية منظمة التجارة العالمية على الاقتصادات الاسلامية هو عدم قدرة قطاعاتها المختلفة على المنافسة وعدم استفادة البلدان الاسلامية المصدرة للبترول من الاتفاقية والعوائق غير الجمركية التي توضع امام صادرات الدول الاسلامية من الصناعات التحويلية وخصوصا البتروكيماويات والصناعات المعدنية الاساسية.

وتحرير التجارة العالمية الذي هو شعار المنظمة وأهدافها، اذ تقوم انظمتها على الاستثمارات المفتوحة بين الدول وخصخصة القطاعات العامة لديها و تحجيم دور الدول الاقتصادي وادارتها اقتصاديا وهذا الذي لا تتحمله الدول النامية، وكل ذلك يؤدي الى كساد الدول النامية اقتصاديا. فالمملكة تخشى نقص الايرادات العامة والذي تفقد معه المملكة القدرة على الإنفاق على مرافقها العامة مثل الصحة، التعليم، الأمن، الزراعة، صناديق القروض والاعانة، اضافة الى سيطرة المنظمة على اسواق الخدمات المالية والصناعية. ودعت 15 دولة اسلامية وعربية الى تكتل اقتصادي وتجاري لتكييف اقتصادها بما يتلاءم ومصالحها واهدافها ويمكنها على مواجهة آثار العولمة والذي يتمثل في الانضمام الى منظمة التجارة العالمية، وعولمة الاقتصاد، باعادة صياغة العلاقات الاقتصادية الدولية، وتنامي الشركات الدولية العملاقة، واندماج الشركات متعددة الجنسيات.