عدنان القصار: جئت الى الغرفة في الزمن الصعب وحافظت على وحدتها في الزمن الاصعب

رئيس اتحاد الغرف اللبنانية يروي لـ «الشرق الاوسط» قصة عزوفه عن خوض انتخابات غرفة بيروت بعد 33 سنة

TT

كشف رئيس اتحاد الغرف اللبنانية، رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت لمدة 33 سنة متواصلة عدنان القصار، لـ «الشرق الاوسط» انه اطلع رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري قبل سنتين على رغبته في عدم خوض انتخابات الغرفة (التي ستجري بمن حضر في 27 أغسطس (آب) المقبل)، لذلك رأى انه لا داعي لاعطاء عزوفه عن الترشح أي تفسير سياسي.

وقال انه لم يحب السياسة، ولن يكرر تجربته الوزارية «لانني لم اتعود ان اكون مرؤوساً، بل ان اكون حر الضمير، حر الحركة، وحر القرار».

واكد انه جاء الى الغرفة في الزمن الصعب وحافظ على وحدتها ووجودها في الزمن الاصعب، لافتاً الى انه اول عربي ذهب الى الصين بقصد التجارة، ومؤكداً صرف معظم وقته للنشاطات العربية «من دون ان اغيب عن الشأن اللبناني».

«الشرق الاوسط» التقت القصار في بيروت وكان معه الحوار التالي:

* «ما هي حقيقة عزوفك عن خوض انتخابات غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان بعد ان امضيت 33 عاماً متواصلة على رأس الغرفة؟ وهل هو عزوف سياسي ام شخصي ام تكتيكي؟

ـ لا اعرف لماذا تسعى وسائل الاعلام للتفتيش عن سبب سياسي وراء عزوفي عن الترشح مرة جديدة لرئاسة الغرفة، وليس انسحابي.

لقد اعتبرت منذ فترة ضرورة معدل تغيير في هرم ومجلس اتحاد الغرف، وابلغت ذلك، العام الماضي، الى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة آنذاك الشهيد رفيق الحريري، الذي قلت له بالحرف انني غير راغب بعد سنتين في البقاء على رأس الغرفة، فأجابني: كم يكون قد امضيت في هذا المنصب؟ فقلت له: 34 سنة، فأجاب: «انا افهمك».

اذن القرار ليس وليد الساعة وانا اتخذته بملء ارادتي، ولو شيءت ان استمر لحظيت بالاكثرية على الاقل التي رافقتني طوال عقود. ثم يجب ان يعلم الجميع انني لست على خلاف البتة مع عائلة الشهيد رفيق الحريري، اكثر من ذلك فان عائلة الشهيد لم تطالب باستقالتي من الحكومة بعد الاغتيال المشؤوم، وانما طالبت باستقالة الحكومة وهذا موضوع يمكن ان نتحدث عنه مستقبلاً. فانا على تواصل مستمر وممتاز مع النائب سعد الحريري والسيدة نازك والنائبة بهية الحريري ولذلك لا داعي لاعطاء عزوفي عن الترشح اي تفسير سياسي او غيره.

* كيف تقيّم تجربتك في الغرفة خلال نيف وثلاثة عقود؟

ـ استطيع ان اقول ان تجربتي كانت غنية، لي اولاً لانها اتاحت لي ان اخدم بلدي في الظروف الصعبة، فانا كما تعلم، انتخبت على رأس الغرفة في عام 1971، وتسلمت مهامي في عام 1972، ولم يكن مبنى الغرفة الحالي قد اكتمل بعد. وعند اكتماله في عهد حكومة الرئيس تقي الدين الصلح ـ رحمه الله ـ انتقلنا اليه في عام 1974 لتواجهنا في العام التالي الحرب المشؤومة.

* كيف استطعتم ان تتجاوزوا حواجز الحرب؟

ـ انا فخور جداً بأنني استطعت ان اتجاوز كل حواجز الحرب وابقي على الغرفة ملتقى للجميع، وموقع خدمة لجميع اللبنانيين. فالذين يعرفون عدنان القصار يعرفون انه على مسافة واحدة من الجميع. لبنانيتي فوق كل اعتبار وكذلك عروبتي. وكنت اتنقل عبر خطوط التماس بكل ترحيب ومودة، وعملت على فتح فرع للغرفة في منطقة الاشرفية (الجزء الشرقي من العاصمة). وبقيت، انا والغرفة، بعيدين عن اي انقسام طائفي او سياسي. ففي الوقت الذي كان الانقسام سيد الساحات لم يطالب اي اقتصادي سواء كان عضواً في الغرفة او غير عضو بقسمة هذا المرفق. ولعل اهمية الغرفة انها وجدت في الزمن الصعب وحافظت على وحدتها ووجودها في الزمن الاصعب.

* كيف تنظرون الى مرحلة اعادة الاعمار التي تلت الحرب الداخلية؟

ـ لقد واكبنا هذه المرحلة عن قرب، وكنا الى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا انكر اننا اختلفنا معه بعض الاحيان، ولكن هذا الخلاف او التباين في الرأي اذا صح التعبير، لم يتحول مرة الى خلاف شخصي.

* هل يمكن القول انك استطعت التوفيق بين عملك في القطاع العام وعملك في القطاع الخاص؟

ـ استطيع القول انني نجحت في مد جسور مع القطاع العام مبنية على الثقة والاحترام. ولا يجوز ان يكون هناك تناقض او تعارض بين القطاعين.

ووظيفة القطاع العام ان يكون في خدمة القطاع الخاص الذي يتولى هو دفع الضرائب وتمويل خزينة الدولة، وتحريك عجلة الاقتصاد.

* اي قطاع كان الاحب اليك ان تعمل فيه؟ أهو القطاع التجاري ام القطاع المصرفي ام القطاع الصناعي ام غيره؟

ـ انا فخور بأنني اول عربي ذهب الى الصين وكان لي من العمر واحد وعشرون عاماً. وكانت هذه الرحلة بقصد التجارة. فالتجارة في دمنا كما يقول المثل اللبناني. والفينيقيون الذين انطلقوا من هذه الشواطىء كانوا من اوائل التجار وماخري البحار.

وقبل وصولي الى الغرفة انتقلت الى القطاع المصرفي من دون التخلي عن النشاط التجاري، باعتبار ان القطاع المصرفي هو خير داعم للنشاط التجاري خصوصاً، والاقتصادي بشكل عام. ومن خلال تجربتي في الغرفة استطعت ان اكوّن فكرة شاملة عن كل القطاعات الممثلة في الغرفة.

* نعرف عنك انك كنت تبتعد دوماً عن اشواك السياسة، فكيف تقيّم تجربتك الوزارية الاخيرة في حكومة الرئيس عمر كرامي (وزيراً للاقتصاد والتجارة)؟

ـ كانت تجربة غنية لو لم يتخللها الحادث المفجع الذي تمثل باغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي هز اركان لبنان بأسره. انا جئت الى السياسة بقصد الخدمة، وليس لافتح طريقاً لنفسي الى هذا الميدان. فأنا لا احب السياسة، وقد رفضت اكثر من مرة ولوج هذا الباب. اذ طلب مني بعد اتفاق الطائف عام 1992 ان اكون بين النواب المعينين آنذاك فكان جوابي الرفض.

واريد ان اشير هنا الى انني قمت بجهد كبير في وزارة الاقتصاد والتجارة ولكن الظروف لم تسمح بانجاز ما خططنا له، وقد جاء الخلف لينجز قسماً كبيراً مما طمحنا اليه.

* هل انت مستعد لتكرار التجربة؟

ـ المسألة ليست في ان اكرر التجربة ام لا. المهم هو انني وجدت الوزارة او الوزير محدود الصلاحيات، وانا لم اتعود في حياتي الا ان اكون صاحب قراري. لم اتعود ان اكون مرؤوساً على الاطلاق. لقد بدأت العمل في سن السابعة عشرة لحسابي الخاص ولم اعمل طوال حياتي لحساب اي شخص آخر. فأنا اريد ان ابقى حر الضمير، حر الحركة، وحر القرار.

* لا بد من انك اطلعت على البيان الوزاري للحكومة الجديدة فهل تعتبر ان الشق الاقتصادي منه يلبي طموح الهيئات الاقتصادية؟

ـ انا اعتبر ان البيان الوزاري هو بيان جيد. واكثر من ذلك نحن كهيئات اقتصادية نعتبر ان الرئيس فؤاد السنيورة هو الشخص المؤهل لتولي رئاسة الحكومة في هذا الظرف بالذات.

وهناك عدة نقاط التقاء معه، وسوف نطلب منه تحقيق ما يمكن تحقيقه. ولا نستطيع ان نطلب منه اعطاءنا ما لا يستطيع في مثل هذه الظروف.

* نلاحظ ان ازمة العلاقات بين لبنان وسورية آخذة في التفاقم، فما هي افضل السبل، بنظرك، لاعادة ارساء هذه العلاقات على قاعدة سليمة من التعاون الاخوي البناء؟

ـ هذه الازمة هي في رأس اولوياتنا في المرحلة الراهنة، ولعل ابرز اسباب هذه الازمة هو انقطاع الحوار بين الطرفين.

واستمرار الخطاب اللبناني الانتقادي لسورية حتى بعد انسحابها من لبنان، وهذا الخطاب يجب ان يتوقف لانه لا يتوجه الى القوى الأمنية فحسب، بل يطاول سورية بالذات، كما يجب العودة، وفي اسرع وقت، الى العلاقات الاخوية بين الدولتين والشعبين، ونحن في انتظار زيارة رئيس الحكومة اللبنانية الى سورية لنضم جهودنا الى جهوده في سبيل اعادة وصل ما انقطع وتبديد الغيوم في سماء العلاقات الثنائية.

* ما هي ابرز التحديات التي سيواجهها لبنان في المرحلة المقبلة؟

ـ بالطبع، هناك الوضع الاقليمي المتأزم، وكيفية التعاطي مع قرار مجلس الأمن الدولي 1559. وانا ارى ضرورة التعاطي مع هذا القرار في حوار سياسي تفاهمي، وفي جو من الحوار والوحدة الوطنية حتى اذا تجاوزنا هذه الامور عندها ننكب على الازمة الاقتصادية التي ينبغي الاسراع ايضاً في التصدي لها.

* هل ترى النور في نهاية النفق ام اننا لا نزال في العتمة؟

ـ انا ارى النور على الدوام. حتى في احلك الظروف. وها هو النور اطل فعلاً. والمهم الا نبقى طويلاً للوصول اليه.

* بعد الغرفة، الى اين ستنصرف للشأن العام ام الخاص ام للراحة؟

ـ عندي مهمات عديدة، فانا لن اغيب عن الشأن اللبناني قط من خلال المتابعة وتقديم النصح والارشاد.

ولكنني سأصرف معظم وقتي على النشاط على المستوى العربي، ولا سيما من خلال اتحاد الغرف العربية الذي يفترض ان يواكب المتغيرات والتحولات العالمية بدعم قوي من القطاع الخاص العربي، ومن خلال التواصل مع غرفة التجارة الدولية التي انا عضو في مجلس ادارتها.