تركيا توقع البروتوكول الجمركي الأوروبي وسط تشكيك يوناني قبرصي في عدم صلاحيته

TT

بهدف فتح مفاوضات انضمامها في الثالث من اكتوبر (تشرين الاول)، وقعت انقرة مساء اول من امس في بروكسل بروتوكولا يوسع الاتفاق الجمركي بين تركيا والاتحاد الاوروبي ليشمل الدول العشر التي انضمت الى الاتحاد الاوروبي في مايو (ايار) 2004 وبينها جمهورية قبرص التي لا تعترف بها انقرة. لتنجز أنقره بذلك كل الالتزامات التي تعهدت بها في ديسمبر ( كانون الأول) الماضي نحو الاتحاد الأوروبي. ولكن ثمة بيانا وزعته تركيا ملحقا بالبروتوكول، يفيد بأن عملية التوقيع مع قبرص لا يعني الاعتراف بها من قبل الحكومة التركية، أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية في كل من أثينا ونيقوسيا. وأكدت وزارة الخارجية التركية في بيان نشر مباشرة بعد توقيع الاتفاق ان «توقيع هذا البروتوكول والمصادقة عليه وتطبيقه لا يعني بأي شكل من الاشكال اعترافا بجمهورية قبرص التي يشير اليها البروتوكول». وقبرص مقسومة منذ 1974 حين تدخل الجيش التركي في شمال الجزيرة اثر انقلاب قام به القوميون القبارصة اليونانيون بهدف إلحاق الجزيرة باليونان.

وعبرت الجمهورية القبرصية عن «أسفها الشديد» امس السبت لإصرار تركيا على عدم الاعتراف بها رغم قيام انقرة بتوقيع بروتوكول يوسع اتفاقها الجمركي مع الاتحاد الاوروبي ليشمل الدول العشر الاعضاء الجدد.

وقال الناطق باسم الحكومة القبرصية كيبروس كريسوستوميدس في بيان ان «جمهورية قبرص تعبر عن اسفها الشديد لأن تركيا اعتبرت انه من الضروري ان تدلي بإعلان احادي الجانب حول قبرص لحظة توقيع البروتوكول».واضاف «من المؤسف ان تعلن دولة مرشحة انها لا تعترف باحدى الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي الذي ترغب في الانضمام اليه».

ولا تعترف المجموعة الدولية بـ«جمهورية شمال قبرص التركية» المعلنة من جانب واحد عام 1983 والتي تعترف بها تركيا فقط.

وأعرب الناطق الحكومي القبرصي كيبروس خرسوستوميديس في بيان مكتوب عن « الأسف العميق» من قبل قبرص تجاه ما أعلنته أنقرة، وذكر أن قبرص سوف تفحص و تدرس الإعلان جديا ثم تعيد تقييمه وتعلن مدى شرعية وصلاحية توقيع البروتوكول، مشيرا إلى أنه من المؤسف ألا تعترف دولة مرشحة للانضمام إلى دول الاتحاد الأوروبي بأحد الدول الأعضاء في المجموعة. ودعا خرسوستوميديس تركيا إلى الالتزام بالمبادئ المؤسساتيه للاتحاد الأوروبي، والبدء السريع بعمليات التطبيع في العلاقات مع قبرص.

من جهتها، عبرت اليونان عن رضاها تجاه إنجاز تركيا الالتزامات المفروضة عليها من الاتحاد الأوروبي، ولكن في بيان رسمي للناطق باسم الخارجية اليوناني يورغوس كومتساكوس ذكر أنه يؤخذ على تركيا الإعلان الأحادي الجانب بعدم الاعتراف بقبرص والذي يظهر بوضوح إصرار تركيا على الإبقاء في غرابتها السياسية والقانونية. ودعا كومتساكوس أنقره إلى التوقف عن الغرابة في تعاملاتها، وأن تنتهز توقيع البروتوكول الذي تم مساء اول من امس وتتجه نحو سرعة تطبيع علاقاتها مع قبرص، مضيفا أن اليونان تفحص الإعلان بدقة شديدة وسوف تدعى إلى اجتماع على مستوى الممثلين الدائمين الأوروبيين نهاية أغسطس (آب) المقبل لمناقشة المسألة واتخاذ القرارات.

تجدر الإشارة إلى أن تركيا كانت ترفض في البداية التوقيع على هذا البروتوكول مع قبرص والمفروض عليها من قبل الاتحاد الأوروبي كشرط أساسي لبدء مفاوضات الانضمام إلى المجموعة الأوروبية، حيث تخشى تركيا أن التوقيع على البروتوكول مع قبرص يعني الاعتراف الرسمي بجمهورية قبرص، وهو الشيء الذي لا تقبله أنقرة منذ التدخل العسكري التركي في شمال الجزيرة عام 1974 واحتلال 37 في المائة من مساحة الجزيرة.

يذكر أن قبرص تعتبر حاليا كيانا اقتصاديا كبيرا يعتمد على الأسس والمقومات الاقتصادية الحديثة تتوفر فيه خدمات متطورة تقوم على بنية اقتصادية حديثة وقوى بشرية مؤهلة تماما لتولي تلك المهمة، وقد احتلت قبرص المرتبة الخامسة والعشرين في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية الصادر عام 2003 .

ويعتبر أن هذا التحول الاقتصادي والاجتماعي لقبرص كان نتاجا للاستغلال الأمثل للثروات البشرية والاقتصادية والجغرافية التي تنعم بها الجزيرة القبرصية والتي تشمل ضمن عوامل أخرى كثيرة النسبة العالية من الأفراد ذوى التعليم العالي وارتفاع مستوى المعيشة والموقع الجغرافي الاستراتيجي والظروف الجوية الملائمة على مدار العام وكذلك البنية التحتية الضخمة بما فيها المطارات والموانئ وأجهزة الاتصالات الحديثة.

و قد برز في قبرص خلال الأعوام القليلة الماضية نشاط اقتصادي هام تمثل في قطاع التجارة العابرة كما أصبحت البلاد مركزا تجاريا دوليا عبر البحار، وقد ساعدت عوامل النجاح هذه على إعطاء قبرص مكانة تليق بها بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فعلى سبيل المثال بلغ معدل الدخل السنوي للفرد 20.600 دولار أميركي عام 2004 مقابل 500 دولار أميركي فقط عام 1961، كما لم يتجاوز معدل البطالة 3.6 في المائة من بين القوى العاملة عام 2004، وهذا يعني تسكين معظم هذه القوى العاملة في وظائف منتجة في نفس الوقت انخفض معدل التضخم إلى أقل من 2.3 في المائة. هذا فضلا على أن اعتماد الاقتصاد القبرصي على التقنية الحديثة والتنمية المستدامة للبنية التحتية وارتفاع معدلات الإنتاج بمواصفات عالية للقوى العاملة في الجزيرة ساهم إلى حد كبير إلى تحول البلاد إلى مركز ضخم للتجارة الدولية العابرة وعمليات الشحن والتفريغ للسفن والعبارات الضخمة، وهو الأمر الذي انعكس بصورة ملحوظة على النمو الاقتصادي في المنطقة المحيطة بأسرها. ومنذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي اتخذت قبرص عددا من الإجراءات الاقتصادية الإصلاحية الهامة التي نجحت إلى حد كبير في تحويل المشهد الاقتصادي في البلاد، فقد تمت إزالة كافة العوائق التي تحد من الانطلاقة الاقتصادية ومنها التعريفة الجمركية المفروضة على كافة المنتجات الزراعية والسلع المصنعة في بلد المنشأ ونقصد بها قبرص وبقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

كذلك تم تحرير التجارة ومعدل الفائدة في نفس الوقت تم تحرير سعر السوق وإزالة كافة موانع الاستثمار، بل أكثر من ذلك تم تشجيع القطاع الخاص لتمويل مشروعات التنمية والبنية التحتية، كذلك تم منع الاحتكار في قطاع الاتصالات، ونتيجة لكل تلك الإصلاحات الاقتصادية والجمركية برزت قبرص كمركز هام في شرق المتوسط، وأصبحت بمثابة جسر يربط بين دول الاتحاد الأوروبي من ناحية والأسواق الواعدة في الشرق الأوسط من ناحية أخرى.