حقول النفط في بحر الشمال تحتضر

تقنيات الحفر العميق وضخ المياه تزيد العمر الافتراضي لإنتاج النفط حتى عام 2020

TT

لم يتردد مالكولم ويب، رئيس هيئة شركات التنقيب في بحر الشمال، في التعبير عن تفاؤله بالمستقبل فيما يتعلق بعمليات التنقيب الجارية حاليا، وذلك على الرغم من تناقص إنتاج بريطانيا من النفط سنويا الى درجة تحولت معها سابع أكبر منتج للنفط والغاز في العالم الى مستورد خلال العام الجارى. فللمرة الاولى منذ اكتشاف النفط في بحر الشمال، وبلوغه ذروة الانتاج في عام 1985، تراجعت الكميات المنتجة من بحر الشمال عن حاجة الاستهلاك المحلي البريطاني، وان كان الدخل الاضافي من الانتاج قد زاد بفضل ارتفاع الاسعار من ناحية وتفوق نوعية نفط برنت عن النفوط الرخيصة المستوردة، ومعظمها منطقة الشرق الاوسط. ويعني هذا تقنيا ان بحر الشمال ما زال يتكفل بحاجة بريطانيا النفطية سواء بالانتاج الفعلي اوبتغطية تكاليف الواردات، وسوف يستمر هذا الحال حتى عام 2009. بعدها سوف تحتاج بريطانيا لكشف نفطي كبير حتى تدبر حاجاتها الاستهلاكية، والا فسوف تنضم لطابور متزايد من الدول المستوردة للنفط.

ويقول ويب ان بريطانيا انتجت في العام الماضي ما يعادل 1.4مليار برميل نفطي، وما زالت منطقة بحر الشمال مزدحمة بالشركات المنقبة عن المزيد من النفط او المستغلة لابار قديمة عادت اليها الجدوى الاقتصادية بعد ارتفاع الاسعار هذا العام. وهو يقدر حجم الاستثمار الحالي في بحر الشمالي بحوالي 13مليار يورو، فيما يعد أكبر قطاع صناعي في بريطانيا يعمل فيه 260 الف عامل ويدفع ضرائب للحكومة حجمها 7.7 مليار يورو سنويا.

ويعرض ويب رسما بيانيا لمؤشرات الانتاج في المستقبل وكلها تتجه الى هبوط بنسبة 50% تقريبا بين الانتاج الحالي وانتاج عام 2010، ولكنه يأمل ان يعوض الاستثمار الاضافي الجديد تناقص حجم الانتاج بحيث تتأجل النهاية المحتومة بضع سنوات اخرى. وعلى رغم تأكيده ارتفاع نشاط التنقيب هذا العام عما كان عليه منذ بداية الالفية، الا انه لا ينفي صعوبات الانتاج من بحر الشمال من حيث الصعوبة الفنية لاستخراج المزيد من النفط من أعماق أبعد ومن آبار أفقية تمتد المسافة بينها لعشرات الكيلومترات مما يحتم بناء شبكة انابيب نقل على قاع البحر. وقد اضافت تقنيات الحفر العميق وضخ المياه الى الابار القديمة لزيادة ضغطها من العمر الافتراضي لحقول بحر الشمال ومدتها حتى عام 2020 على الاقل.

وضمن خريطة عالمية لتكاليف استخراج النفط الخام، تقع بريطانيا وكندا في الفئات عالية التكلفة، بالمقارنة مع مواقع اخرى رخيصة مثل السعودية ودول الخليج، وان كانت منطقة الخليج ليست الارخص في العالم، حيث تحتل هذا الموقع جزر ترينداد وتوباجو. وتعتمد التكلفة على العمق والكميات ووسائل توصيل الانتاج الى مناطق الاستهلاك.

تقنيات الانتاج الحالية خفضت معدل تدهور الانتاج في بحر الشمال الى النصف، وتعمل كل الشركات في بحر الشمال بأقصى طاقاتها الانتاجية حتى تستعيد رأسمالها وارباحها في اقصر فترة ممكنة، ترحل بعدها الى مناطق اخرى. ومن المقرر ان يتم احالة عدد كبير منصات الانتاج البحرية الى التقاعد في عام 2020 الا اذا دعت الحاجة الى مد خدمتها او استبدالها، اذا كانت هناك مبررات اقتصادية بكشوفات جديدة.

وبنظرة الى خريطة مواقع الانتاج الحالية في بحر الشمال نجد ان هناك 983 منطقة استكشاف اشترت حقوقها شركات عالمية، ولكن 532 منها لم يتم العمل فيها بعد منذ عام 2002. وتقوم هيئة شركات التنقيب بمبادرة لتحديد المناطق الخاملة واعادة طرحها للتنقيب مرة اخرى، مع توقيع اتفاق تفاهم بين كل شركات بحر الشمال للمشاركة في البنية التحتية والاستفادة الجماعية من التسهيلات المتاحة. وتأمل الصناعة في الا تفرض عليها الحكومة البريطانية ضرائب جديدة في الميزانية الجديدة بعد ارتفاع اسعار الخام، بحيث يتحقق هدف العودة بالانتاج الى افاق ثلاثة ملايين برميل يوميا في عام 2010 ارتفاعا من حوالي 2.6 مليون برميل يوميا هذا العام. وبإضافة الغاز الطبيعي، يصل انتاج بريطانيا الاجمالي من المعادل النفطي حوالي 3.6 مليون برميل يوميا، ولكنها مع ذلك تحولت الى مستورد للغاز الطبيعي هذا العام بعد هبوط كميات الانتاج عن معدلات الاستهلاك المحلي، خصوصا في فصل الشتاء. وفيما يتعلق بالنفط فان فوارق الاسعار الحالية التي تجعل من بريطانيا مصدرة للنفط من حيث القيمة، سوف تتراجع تدريجيا بحيث تتحول الى مستورد نفطي بكل المقاييس في عام 2009.

من ناحيته يشرح جون سكريمجور، المدير الاقليمي في شركة بتروكندا، عمليات الشركة في منطقة أوروبا وبحر الشمال، فيقول انها تشمل بريطانيا وهولندا والدنمارك وتنتج الشركة من مواقع انتاجها ما يعادل 55 ألف برميل يوميا، مما يضع هذه المنطقة في المركز الثاني بعد منطقة شمال افريقيا وسوريا التي تنتج منها الشركة نحو 130الف برميل يوميا. وللشركة نشاط كبير في كل من ليبيا وتونس والجزائر.

ومن بحر الشمال تنتج الشركة من سبعة حقول بحرية، ويصف سكريمجور عمليات الشركة في الحقول البحرية بأنها مربحة وتتمتع بدرجة امان عالية. وتتكون بعض هذه الحقول من ابار متصلة بشبكة انابيب بحرية تصل في ابعادها احيانا الى 15كيلومترا تتصل بسطح البحر بأنابيب مرنة لضخ الغاز والنفط الى ناقلات مجهزة لحمل الانتاج الى الشاطئ. وهو يعتقد ان منطقة بحر الشمال تعد الاكثر خبرة في العالم من حيث الانتاج البحري، وهي خبرة أفادت الشركة. كما انها تمثل فرصة استثمارية هائلة للشركات التي تعمل على قمة الحرفة التقنية في صناعة النفط. وتستثمر الشركة من خبرتها في بحر الشمال في بعض الدول العربية التي تمثل لها مصادر انتاج اعلى بتكلفة اقل.اما الفرع البريطاني لشركة توتال الفرنسية (شركة توتال يو كي) فهي تعمل في تشغيل المنصات البحرية لاستخراج النفط والغاز من بحر الشمال ضمن عمليات المجموعة في 100دولة. وتملك الشركة البريطانية، وهي أكبر فروع الشركة الام، مخزون وخطوط انتاج وانابيب ومنصات الاستخراج في العديد من حقول النفط الرئيسية في المنطقة، وتتخذ من مدينة أبردين، التي تسمى عاصمة النفط الاسكتلندية، موقعا اقليميا لها. وهي رابع اكبر الشركات العاملة في بحر الشمال.

من أهم المناطق البحرية التي تعمل بها شركة توتال منطقة ألوين التي تقع على بعد 160كيلومترا من الساحل الشمالي الشرقي لاسكتلندا. ويعتبر حقل ألوين من اقدم حقول بحر الشمال حيث تم اكتشافه في عام 1975ولكنه لم يدخل الانتاج الا في عام 1987. وتمتد حول ألوين العديد من الحقول الصغيرة الاخرى التي لم تكن اقتصادية عند اكتشافها في السبعينات، ولكنها مع مرور الوقت وتقدم تقنيات الانتاج دخلت مجال الانتاج في السنوات القليلة الماضية. ويمتد العمر الافتراضي لهذه الحقول حتى عام 2020 وهو ابعد من التقديرات الاولية لها بحوالي 20 عاما.

وتمد الشركة خطوط انابيب من بعض هذه الحقول الى الساحل الاسكتلندي لنقل الغاز الطبيعي، ولكنها تشحن بعض الانتاج مباشرة من المنصات العائمة.

من الحقول الاخرى التي تساهم بنسبة كبيرة من انتاج الشركة حقل إلغن-فرانكلين المزدوج، الذي يقع على بعد 240 كيلومترا من مدينة ابردين. ويعتبر هذا الحقل هو الاكبر في العالم من حيث الضغط العالي والحرارة العالية التي ينتج فيها النفط والغاز. وتم اكتشاف فرانكلين في عام 1986، ثم إلغن الذي يقع على مسافة خمسة كيلومترات الى الشمال من فرانكلين في عام 1991. وتم تطوير الحقلين معا بتكلفة بلغت 1.7مليار استرليني (حوالي ثلاثة مليارات دولار). وبدأ الانتاج من الحقلين في عام 2001، وهما ينتجان الان حوالي ربع مليون برميل معادل من النفط والغاز يوميا.

وتعتبر منصة ألغن البحرية من اكبر المنصات في العالم واحدثها تقنية، ويجري العمل عليها 24 يوميا على ورديتين. وفي لفتة نادرة من الشركة وافقت على زيارة وفد صحافي صغير الى المنصة يضم عشرة صحافيين فقط بينهم واحد من الشرق الاوسط. قضوا يوما كاملا على المنصة.