خبراء: تكاليف «كاترينا» الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة وربما تدفع الاقتصاد نحو الركود

آثاره بدأ يعاني منها معظم الأميركيين

TT

قال محللون اقتصاديون ان ازمة اسعار البنزين ما هي الا «قمة جبل الجليد»، حيث ان آثار اعصار كاترينا ستمتد الى العقارات مرورا بالتجارة ووقود التدفئة والزراعة والمواشي ومخزونات الاغذية وصولا الى سعر صرف الدولار. ولعل التكاليف البشرية اصبحت واضحة للعيان، لكن الاثار الاقتصادية رغم انها مركزة على الاضرار المباشرة وارتفاع تكاليف الوقود، الا ان اثارها العميقة ستصيب الاقتصاد الاميركي برمته..

وفي هذا السياق اعلن وزير الخزانة الاميركي جون سنو ان اعصار كاترينا الذي اجتاح لويزيانا وميسيسيبي وجمد العمل في اقسام رئيسية من البنى التحتية النفطية والمرافئ في الولايات المتحدة، سيشكل ضربة قاسية للاقتصاد الذي «ينعم بحالة جيدة لحسن الحظ»، كما قال.

وقال سنو خلال مؤتمر صحافي «بكل وضوح، سيكون ذلك بمثابة ضربة قاسية للاقتصاد، لكنه (الاقتصاد) في حالة جيدة لحسن الحظ». واضاف «ان النمو سيتباطأ قليلا» و«سيكون لاعصار كاترينا تاثير سلبي لفترة من الزمن طالما لم يعد الوضع الى طبيعته».

وتابع سنو «هناك تداعيات على قطاع الطاقة»، معتبرا انه بات على الولايات المتحدة ان تواجه اسعارا مرتفعة جدا تعيق اداء الاقتصاد. وقال «ان ذلك سيضاف الى هذه الظاهرة».

واكد سنو «لكني على ثقة اننا سننهض بشكل جيد واننا لن نحيد كثيرا عن الطريق الذي نسلكه». ورأى ان حجم الاضرار «يصعب تصوره».

واوضح «من الواضح لديه ايضا ان النظام المالي يتعامل مع الوضع بصورة جيدة». وقال سنو ايضا ان الاحتياطي الفدرالي الاميركي سيسهر على ان يبقى مستوى السيولة المتوافرة كافيا عبر «مستوى مناسب من التسليف».

وقال سنو ايضا ان الحكومة لا تعتزم تطبيق تخفيضات جديدة على الرسوم لكن «جعل تخفيضات الرسوم» التي قررها الرئيس جورج بوش «دائمة سيكون خطوة اضافية في وضع مماثل».

واضاف «نحن بحاجة الى الثقة» وان جعل هذه التخفيضات في الرسوم دائمة، وهي التي ينتهي العمل بها من الان وحتى العام 2010، سيشكل «ردا مناسبا».

ورغم هذه النظرة المتفائلة لجون سنو فان معظم البيانات الأميركية الصادرة هذا الاسبوع جاءت أسوأ من المتوقع مما أثار قلق المستثمرين بشأن اتجاهات الاقتصاد بسبب ارتفاع أسعار النفط والدمار الكبير الذي أحدثه الإعصار. وأسهمت أنباء عن أن آلان جرينسبان رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي تناول طعام الغداء مع الرئيس جورج بوش اول من أمس الخميس في اثارة التكهنات بأن البنك المركزي قد يبقي على سعر الفائدة مستقرا في اجتماعه المقرر يوم 20 سبتمبر (ايلول) الحالي لتقييم التداعيات الاقتصادية للاعصار.

وهناك الان مخاوف لدى الاقتصاديين من تركيبة تتمثل في ارتفاع اسعار الطاقة مع حصول بعض الاضطراب في المواصلات وتراجع في اسعار العقارات تترافق مع تراجع الحركة الاقتصادية في المناطق التي تأثرت من الاعصار ربما تكون كافية لدفع الاقتصاد الاميركي نحو الركود.

ولم يعد سرا ان ارتفاع اسعار الوقود اصبح يؤثر سلبا على العديد من القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة خصوصا في قطاع النقل الجوي حيث يتوقع المراقبون ان تشهر العديد من شركات الطيران الاميركة افلاسها.

صحيح ان ارتفاع اسعار الطاقة بحد ذاتها لم يمثل صدمة للاقتصاد الاميركي مثلما حدث في بداية السبعينات والثمانينات من الالفية الماضية. لكن ارتفاع اسعار الوقود ربما يستنزف جزءا معتبرا من إنفاق المستهلكين ويزعزع ثقتهم، خصوصا اذا علمنا ان ثلثي الناتج المحلي الاجمالي في اميركا يعتمد على الاستهلاك.

إلا ان جون سنو وزير الخزانة الأميركي أكد ان الاعصار كاترينا لن تكون له اثار دائمة على النمو الاقتصادي الأميركي، مشيرا الى ان الان جرينسبان رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) يتفق معه في هذا التقييم.

وقال سنو الذي قطع زيارته الى بريطانيا كي يعود الى واشنطن يوم اول من امس الجمعة في مؤتمر صحافي انه بحث اثار الاعصار مع جرينسبان.

وقال «فيما تحدثنا كان من الواضح ان رايه ايضا هو ان النظام المالي يستجيب بشكل جيد للظروف التي نجد انفسنا فيها وسيتم توفير المستويات المناسبة من الائتمان». لكنه قال انه من البديهي انه سيكون هناك تاثير اقتصادي يمكن ان يؤثر على نمو الناتج المحلي الاجمالي خلال فترة فصل الى فصل ونصف الفصل.

واحد الميادين الرئيسية هو مجال انتاج النفط والغاز، لكن سنو قال ان هناك علامات مشجعة على ان ادارة الرئيس الأميركي جورج بوش تتخذ اجراءات لزيادة المعروض وان القدرة الانتاجية ستعود تدريجيا.

وبين ان قوة الاقتصاد الأميركي الضمنية ستضمن ان البلاد ستتعافى من كاترينا ولن تشهد «تغيرا كبيرا في المسار الذي نسلكه.. المسار طويل الاجل». واضاف «سيتعطل مسار النمو على مدى فصل او نحو ذلك. سنشهد نموا ابطأ الى حد ما من الذي كان يمكن ان نشهده». وردا على سؤال حول ما اذا كان الاقتصاد الأميركي يحتاج الى تدابير حفز اضافية قال سنو انه يعتقد ان تحويل تخفيضات بوش الضريبية الى تخفيضات دائمة سيكون ردا مناسبا لتعزيز ثقة انفاق المستهلكين.

توقعت شركة «ريسك مانجمنت سولوشنز» الاميركية المتخصصة، ومقرها كاليفورنيا، في ادارة الكوارث ان تتجاوز قيمة الاضرار الناتجة عن الاعصار كاترينا الذي اجتاح لويزيانا واغرق نيو اورلينز ودمر اجزاء من ميسيسبي، مائة مليار دولار وان تكلف شركات التأمين اكثر من ثلاثين مليارا.

وذكرت مؤسسة «ريسك مانيجمنت سوليوشنز» التي تساعد الشركات في التعامل مع مخاطر التأمين المرتبطة بالكوارث الطبيعية أن هذه الخسائر ناتجة عن حدثين أولهما هبوب الاعصار يوم الاثنين الماضي على جنوب شرق ولاية لويزيانا وولاية المسيسبي مما أثار رياحا شديدة وتيارات ساحلية مدمرة.

وثانيهما انهيار شبكات الحواجز والسدود التي كانت تحمي نيو أورليانز جراء الاعصار. وذكرت مؤسسة «ريسك مانيجمنت سوليوشنز» أن 50 بالمائة على الاقل من الخسائر الاقتصادية نتجت عن فيضانات نيو أورليانز. وتأتي باقي الخسائر الاقتصادية من الرياح والتيارات الساحلية وتدمير البنية الاساسية والتداعيات الاقتصادية غير المباشرة.

وأشارت المؤسسة إلى أن هذا الفيضان هو الاشد في تاريخ الولايات المتحدة. وأوضحت أن المياه أغرقت 150 ألف مبنى مما يزيد عن الرقم القياسي الذي سجله فيضان عام 1927 الذي أغرق دلتا المسيسبي عندما انهارت السدود مما أسفر عن تدمير 137 ألف عقار.

وقال لوري جونسون نائب رئيس التسويق الفني بالمؤسسة إن التبعات الاقتصادية والتأمينية للفيضان تعتمد على مدى سرعة تجاوب السلطات مع الحدث. وأشارت إلى أن المياه التي أغرقت المساكن الخشبية ستؤدي إلى التدهور السريع للممتلكات. وذكرت المؤسسة إلى أن تطهير المباني والاراضي سيتكلف مبالغ طائلة.

وقارنت المؤسسة بين فيضانات نيو أورليانز والفيضانات التي اجتاحت هولندا عام 1953 وكانت ناتجة أيضا عن إعصار قوي. وأودى الاعصار الهولندي بحياة أكثر من 1800 شخص وأغرق 47 ألف مبنى. واستغرق الامر ستة أشهر لتصريف جميع المياه.

واكدت لوري جونسون المكلفة تقييم الخسائر ان توقف النشاطات الاقتصادية في المنطقة المنكوبة التي تبلغ مساحتها نصف مساحة فرنسا، يتسبب بربح فائت يبلغ حوالي مائة مليون دولار يوميا، موضحة ان القيمة النهائية للخسائر ستتوقف خصوصا على «سرعة تصدي السلطات للحدث».

وفي الواقع، غمرت مياه دافئة وملوثة بمواد كيميائية جزءا كبيرا من المدينة مما يؤدي الى تضرر البنى تحتها بسرعة. ويحتاج تصريف المياه الى الوقت لذلك سيكون عدد المباني التي يجب تدميرها واعادة بنائها كبيرا.

وتقدر القيمة الاجمالية للعقارات في المدينة بمائة مليار دولار. وقالت الشركة ان الفيضانات التي حصلت هي الاخطر التي تضرب الولايات المتحدة وقد تجاوزت في مداها تلك التي اغلقت في 1927 احد مصبات نهر الميسيسبي.

ورأت ان الكارثة التي ضربت نيو اورليانز تشبه تلك التي ضربت هولندا في بداية 1953 عندما انهارت سدود لتغطي المياه الاراضي الواقعة تحت مستوى البحر مما اسفر عن مقتل 1800 شخص. واحتاج تجفيف المنطقة المنكوبة ستة اشهر.

اما التقديرات المتعلقة بشركات التأمين، فيفترض ان ترتفع مع كشف حجم الاضرار تدريجيا.

وتقدر شركة «فيتش» المالية كلفة هذه الخسائر على شركات التأمين بحوالى 25 مليار دولار ان لم يكن اكثر.

وهذا يجعل منها اكبر فاتورة للتأمين في تاريخ الولايات المتحدة متقدمة على خسائر التأمين في اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001 واعصار اندرو في 1992 التي قدرت بما بين عشرين و25 مليار دولار.

وكانت «ميونيخ ري» شركة التأمين الاولى في العالم قدرت الجمعة الخسائر على شركات التأمين بما بين 15 وعشرين مليار دولار قابلة للزيادة. وهذا المبلغ اقل بكثير من الكلفة الاجمالية لان معظم الممتلكات غير مغطاة بالتأمين في هذه المنطقة التي تعد من الافقر في الولايات المتحدة.

اما شركة «ريسك مانجمنت سولوشنز» فقد قدرت الكلفة على شركات التأمين بما بين عشرين و35 مليار دولار بعد ان تحدثت الاثنين عن مبلغ يتراوح بين عشرة مليارات و25 مليار دولار.

وقال رئيس جمعية اعضاء شركة «لويدز» العالمية للتامين مايكل ديني «انها كارثة كبيرة جدا وهناك هامش واسع لتقديرات التأمين يتراوح بين تسعة مليارات وثلاثين مليار دولار».

واضاف «برأيي ان خسائر شركات التأمين ستكون بين عشرين وثلاثين مليار دولار».

قال دينيس هاستيرت رئيس مجلس النواب الأميركي ان اللجنة التجارية الاتحادية الأميركية ووزارة الطاقة حذرتا شركات الطاقة من التربح في ظل ازمة الطاقة الحالية بعد الاعصار كاترينا.

واشار هاستيرت في مؤتمر صحافي «ارسلنا اشعارات الى شركات الطاقة تقول انه لن يتم التسامح مع هذا». واضاف انه تحدث مع سام بودمان وزير الطاقة الأميركي في هذا الشان في وقت سابق من الاسبوع الماضي. واضاف «كثير من تلك الشركات لا تريد القاء اللوم عليها في شيء كهذا. سنبذل قصارى جهدنا للتاكد من عدم حدوث رفع (للاسعار)». هذا واعلن وزير العدل في ولاية ميشيغان مايك كوكس ان وزراء العدل في ثلاثين من اصل خمسين ولاية اميركية قرروا فتح تحقيق واسع حول الزيادة الاخيرة في اسعار البنزين في كافة انحاء البلاد.

وقد اطلق الوزراء تحقيقا يركز على تطور اسعار البنزين وينطلق من فترة تبدأ قبل ثلاثين يوما من السابع والعشرين من اغسطس (اب) 2005 تاريخ وصول الاعصار كاترينا الى جنوب الولايات المتحدة، كما قال كوكس في بيان.

وقد قفزت اسعار البنزين في كافة انحاء البلاد منذ الاثنين عندما ضربت العاصفة ولاية لويزيانا، متجاوزة ثلاثة دولارات للغالون الواحد (3.78 ليترات) في عدد كبير من محطات توزيع الوقود.

وكان عدد من هذه المحطات توقف عن العمل الجمعة بسبب شح الامدادات.

وفي اتلانتا (جورجيا، جنوب)، وصل الامر ببعض مديري محطات توزيع الوقود الى تحديد سعر الغالون الواحد باكثر من خمسة دولارات.

وسيقوم فريق من المحامين باجراء التحقيق الذي اطلقه وزراء العدل في ثلاثين ولاية والذي سيركز على اسعار النفط الخام لدى دخوله الى الاراضي الاميركية وتكاليف التكرير بحسب بيان الوزير مايك كوكس. وقد بلغ معدل سعر الغالون من البنزين «الخالي من الرصاص» في محطات التوزيع رقما قياسيا جديدا من 2.867 دولار الجمعة عبر الولايات المتحدة.

وحذر الرئيس جورج بوش من ان السلطات «لن تتساهل» مع الذين يستغلون الوضع الحالي الناجم عن توقف انتاج وتوزيع المحروقات لجمع ثروات غير مشروعة.

وقد انشأت الحكومة الاميركية دائرة لتلقي كل المعلومات حول الزيادة المفرطة في اسعار البنزين في البلاد.