خبير اقتصادي يدعو لتأسيس صندوق إيرادات نفطية في السعودية لتجنيبها ديونا مستقبلية

أكد أن المرحلة الحالية فرصة لإعادة هيكلة الميزانية

TT

زادت المطالبات الاقتصادية في السعودية وسط الانتعاشة البيعية للنفط مدعومة بالمحفزات العالمية التي ساهمت في رفع أسعار البرميل في الأسواق الدولية، من اتخاذ الحكومة السعودية جملة من الخطوات التي تضمن عدم تكرار تكبدها لمئات المليارات من الريالات كديون مستحقة عليها خاصة وسط إلمحات أبدتها الأوساط الاقتصادية والمالية الرسمية في السعودية أشارت إلى أن ميزانية البلاد شارفت على التحرر التام من الدين العام في غضون السنوات المقبلة. وتأتي هذه المطالبة مع تنامي استهلاك النفط عالميا، مقرونا بصعود دراماتيكي سجلته الأسعار لامست خلاله مستويات لم تسجلها منذ سنوات طويلة، وهو الأمر الذي يجعل السعودية في قائمة البلدان المستفيدة خاصة أنها انطلقت أخيرا في دعم حركة تصنيع بتروكيماوية قوية عبر التصريح بتأسيس شركات جديدة بجانب زيادة الشركات القائمة حاليا لأنشطتها وحقول تخصصها مما يضمن بثورة بتروكيماوية وسيطرة جزئية على الإنتاج العالمي في بعض المواد.

وقال الدكتور إحسان أبو حليقة (مستشار اقتصادي ويدير مكتب جواثا للاستشارات) بأن أبرز التوصيات في هذه المرحلة تتمركز على ضرورة تأسيس الحكومة لصندوق إيرادات نفطية، تصب فيه جميع العوائد التي تحصلها الحكومة من بيعها للنفط وتكون لها آلية عمل معينة ومقننة لا يمكن المساس بها على الإطلاق وذلك بهدف تفعيل دور هذا الصندوق والحصول على الفائدة المرجوة منه حيث يفترض ألا تقوم الحكومة باللجوء إليه إلا في حالة سد العجز السنوي المتوقع في ميزانية الدخل العام غير النفطي.

وأشار أبو حليقة في حديث لـ«الشرق الأوسط» بأن الحكومة لا بد أن تسعى حاليا مع الفوائض الجارية والمتوقع أن تصل إلى 300 مليار ريال إلى أولوية وضع نواة لإنشاء الصندوق المقترح الذي يضمن المساهمة في استقرار الخزانة العامة للبلاد والاستفادة من التجربة المريرة التي مرت خلال العشرين سنة الماضية موضحا بأن الصندوق المقترح يمكن البحث في آليات عمله بشكل دقيق يضمن للبلاد والمواطن ثبات الأوضاع الاقتصادية ويحد من خطورة تذبذب الأسعار النفطية.

وقال الخبير الاقتصادي انه ليس بالضرورة تسمية الصندوق المقترح بهذا الاسم وإنما يمكن البحث عن أي اسم آخر كصندوق استقرار الخزانة العامة وغيرها، المهم أن تفعل هذه الفكرة أو يتم البحث جديا عن أفكار ومقترحات أخرى جديدة تقوم فقط على سد عجز الميزانية من الإيرادات غير النفطية عبر تعميد شفاف وواضح المهام لوزير المالية.

وأضاف أبو حليقة إلى أن هناك مزيدا من الملاحظات يمكن أن يقترحها المخططون والاقتصاديون ولكن عبر تجمع كبير يضمهم جنبا لجنب مع التنفيذيين في القطاعات الحكومية ذات العلاقة بهدف جمع أكبر قدر ممكن من التوصيات والمقترحات والأفكار القابلة للتنفيذ وتتسم بالوضوح والسهولة للاستفادة من هذه المرحلة.

واقترح أبو حليقة بأن يتم خصخصة إحدى دورات الحوار الوطني التي كشفت عن نجاح جيد في الموضوعات التي عالجتها، لتحديد إحداها للكلام عن مقترحات ضبط أداء الميزان العام وتجنيبها مخاطر تقلبات أسعار النفط مع تحديد الكلام عن مقترحات ارتفاع استهلاك وأسعار النفط عالميا، وكيف يمكن للسعودية الاستفادة منه وسط ملاحظة تنامي أعداد السكان وزيادة حجم المتطلبات العامة للبلاد والمواطنين، مشيرا إلى أنها خصخصة جلسة الحوار الوطني مناسبة جدا للنظر في إعادة هيكلة الميزانية العامة ويمكن من خلالها خلق تصور عام وشامل لمتطلبات المرحلة الحالية. من جانبه، يلفت علي بن يحيى الغامدي، الباحث في قطاع الاقتصاد والميزانية بمعهد الإدارة العامة في السعودية، الى أن التركيز الكبير من الحكومة للاستفادة من الظرف السعري القائم في النفط هو التركيز على تشجيع الإيرادات المحلية والاعتماد عليها من أبرزها تصنيع مواد النفط احترافيا وتحويل المواد لجعلها قابلة للاستخدام النهائي خاصة أنها صناعة بدأت الدول حول العالم التنافس عليها أخيرا ما يفرض على الحكومة الاندفاع إليه وتجنب الاعتماد الكلي على الصناعات التحويلية من الخارج.

وأبان الغامدي أن نشاط التصنيع التحويلي يمثل فرصة ذهبية للحكومة بالدخول فيها خاصة مع وجود ميزة نسبية تتمتع بها السعودية عن جميع الدول التي تحاول الانخراط في التصنيع التحويلي النهائي، عبر وجود مدن صناعية عالمية ومتخصصة يضاف إلى توفر النفط وقرب مصادره من مناطق التصنيع، مفيدا أن ذلك سيدعم موقف الحكومة عبر تقليص الاعتماد على النفط كمادة خام تباع للخارج ثم تعاد مصنعة، وسيدفع الاعتماد على الإيراد الداخلي.

وأشار الغامدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الاعتماد على النفط فقط في ظل المنافسة العالمية لا يخدم استقرار الأوضاع المالية في البلاد ويحمس إلى إيجاد فرص أكثر دفئا وراحة للبلاد فيمكن الإشارة إلى أن من بين تنويع الإيرادات غير النفطية هي فرض ضرائب رمزية على بعض المنتجات الكمالية عبر آلية استقطاع مقننة ومنظمة وغير مرهقة للأعمال والتي تضمن عدم انعكاس بعض السلبيات على النشاط أو الاقتصاد بشكل عام.

وأوضح الباحث الاقتصادي أن الميزانية العام لهذا العام ستشهد تغييرا شبه كلي في أداء أعمالها تمثل نقلة نوعية في تقدير الإيرادات والمصروفات، فبعد أن كانت القطاعات المشرفة على الميزانية محافظة خلال السنوات الماضية، يحصل الآن انتعاش بيّن وجلي وهو ما يبعث الاطمئنان نتيجة تتبع الحكومة لجميع التطورات الاقتصادية المحيطة وقراءتها منطقيا في الواقع وهو ما يدل عليه تنامي القطاع الخاص وزيادة الاستثمارات الأجنبية وهو ما يدعو إلى التفاؤل بحرص حكومي لإيجاد آليات تضمن استقرار الميزانية العامة على المدى الطويل.