مصر: خفض الفائدة يثير جدلا اقتصاديا حول المكاسب المنتظرة والتداعيات المحتملة

الخبراء يتوقعون انتعاش الاستثمار ويستبعدون عودة الدولرة ويحذرون من تراجع الادخار

TT

أثار قرار لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري خفض أسعار الفائدة على الودائع التي يقبلها من البنوك لمدة ليلة واحدة إلى 9 في المائة الشهر الماضي، وكذلك خفض الإقراض للبنوك لمدة ليلة واحدة إلى 11.5 في المائة بانخفاض مقداره 1 في المائة إلى جانب تدخل المركزي المدروس في السوق عبر عمليات السوق المفتوح، أثار كل ذلك ردود أفعال متفاوتة حيث أكد المصرفيون أن تفعيل أدوات جديدة لأول مرة في السوق المصرية كمؤشر لأسعار الفائدة على الجنيه كبديل لسعر الخصم والإقراض المعمول به حاليا بشكل مؤقت علاوة على الانخفاض المتدرج في سعر الانتربنك وأيضا المؤشرات التي ترجح إجراء تخفيض آخر على عائد الشهادات البلاتينية والمميزة لتصل إلى نحو 10 في المائة بل نهاية العام الحالي (بدلا عن 11 في المائة حاليا وبعد 12 في المائة من قبل) يعزز اتجاه البنوك المصرية نحو مزيد من خفض أسعار الفائدة على الجنيه باعتبار أن قرار لجنة السياسات النقدية على الفائدة يعد سعرا استرشاديا لأسعار الفائدة على الجنيه بالبنوك.

وفيما وصف بعض الخبراء إجراء البنك المركزي بأنه غير توسعي وحذره بأكثر مما يتطلبه تحريك السوق، يرى آخرون أن بقاء سعر الفائدة مرتفعا يخالف المنطق في ظل انخفاض معدل التضخم حسبما تشير التقارير الرسمية لنحو 4.5 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، كما انه يتناقض مع اتجاه الحكومة نحو توسيع دور القطاع الخاص في استثمارات الموازنة البالغة 110 مليارات جنيه 19.91 مليار دولار، وقد حذر رئيس مجلس إدارة البنك التجاري المصري السابق المهندس محمد عبد الوهاب من الإفراط في خفض الفائدة بدعوى أن ذلك يعرض أصحاب الدخول المنخفضة الذين يعتمدون على ما يحصلون عليه من فائدة على مدخراتهم في البنوك للخطورة. وأشار إلى أن وجود سعر فائدة 12 في المائة مسألة غير منطقية في وقت تشير فيه التقارير الرسمية إلى هبوط في معدلات التضخم بدرجة كبيرة. وأوضح ان الاتجاه المتوازن والمدروس نحو سعر فائدة مناسب يعزز الاستثمار ويتسق مع سياسة استهداف التضخم التي أعلنتها الحكومة لا يؤثر على معدلات الادخار المحلية، مؤكدا أن الاستثمار يتناسب عكسيا مع أسعار الفائدة.

ويرى عبد الوهاب أن بنكي مصر والأهلي المصري اللذين يستحوذا على حوالي 30 في المائة من السوق المصرفي وإصدار شهادات بـ 12 في المائة ثم خفضها إلى 11 في المائة ينبغي أن يلعب الدور ذاته، في قيادة القاطرة إلى سعر متوازن وعبر التنسيق من خلال اتحاد البنوك، غير ان عبد الوهاب يرى أن الانخفاض لن يكون دافعا للبنوك لاتخاذ نفس الخطوة خاصة أن الفائدة في معظم البنوك المصرية منخفضة بالفعل وتتراوح بين 7.5 في المائة و9.5 في المائة.

ومن جهته يرجح مدير البنك المصري المتحد طارق الدفراوي استقرار سعر الفائدة خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أن السياسات النقدية التي يتبعها البنك المركزي لن تتسرع في اتخاذ إجراءات أخرى رغم أنها تسعى نحو خفض الفائدة وذلك حتى لا تعرض السوق لأية مفاجآت غير متوقعة تفقد العملة المحلية مكاسبها التي حققتها الفترة الماضية على حساب العملات الأجنبية الأخرى لاسيما الدولار واليورو والريال السعودي.

وذكر أن تجنب أية تداعيات سلبية من جراء مزيد من خفض أسعار الفائدة يتطلب الإبقاء على معدلات الاستيراد كما هي وزيادة الصادرات السلعية والخدمية من دون زيادة والتزام البنوك بضبط أسعار صرف الدولار وكذلك الحرص على تفعيل واع لآلية الانتربنك الدولاري تشجع حائزي الدولار على التخلص منه لضمان عدم بروز ظاهرة الدولرة مجددا.

واستبعد رئيس غرفة المعاملات الدولية والخزانة ببنك المشرق ـ مصر ـ ايهاب الليثي تأثر معدلات الادخار بالعملة المحلية بانخفاض أسعار الفائدة أو الاتجاه مجددا للادخار بالعملات الأجنبية على حساب الجنيه، موضحا أن انخفاض معدلات التضخم والفارق الذي مازال كبيرا بين الفائدة على الجنيه ونظيرها على الدولار علاوة على نجاح السياسات النقدية في سحب كميات ضخمة من السيولة المحلية وامتصاص معظم المدخرات الفردية خارج نطاق البنوك يحول دون حدوث نتائج سلبية.

ويرى مساعد مدير بنك سوستيه جنرال يحيي البطراوي أن قرار لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي يخفض سعر الكوديدور للإيداع والإقراض كان متوقعا حيث سبقته عدة مؤشرات أبرزها تراجع العائد على أذون الخزانة التي تطرحها وزارة المالية والصكوك التي يطرحها البنك المركزي، وتوقع البطراوي ان تشهد السوق المصرفية المصرية الأيام المقبلة انخفاضات لاسعار الفائدة المحلية على ودائع العملاء بالبنوك، موضحا أن هذه النسبة سوف تتفاوت حسب معدل توظيف الودائع لدى كل بنك، وعلل البطراوي توقعه بأن أسعار الفائدة التي تقدمها البنوك حاليا لاصحاب الودائع ذات الأجل المتوسط لا تعبر عن حقيقة التوظيف، مؤكدا أهمية ان يتم تحريك الفائدة لتعبر عن السياسات المالية والنقدية والاقتصادية السائدة بالأسواق وعن حقيقة توظيف الأموال وتكلفة عملية التوظيف.

وأضاف البطراوي أن الأمر يتطلب مزيدا من الوعي لدى العميل حتى يتفهم كيفية التعامل مع العائد على الودائع بالأسلوب الذي يتواءم مع طبيعة المتغيرات التي تحدث بالأسواق وسياسة العرض والطلب التي تحكم العملية الاقتصادية وتحدد السعر الفعلي للعائد على الأموال نظير عملية التشغيل. وذكر محافظ البنك المركزي الأسبق إسماعيل حسن أن الفائدة الحقيقية التي تتناسب ومستوى التوظيف الحالي للودائع تتراوح بين 7 في المائة و7.5 في المائة، وأضاف أن خفض الفائدة لا يتم بشكل عشوائي فهي مسألة تحددها اتجاهات السياسة النقدية في مصر ولابد من حدوث توازن ما بين سعر الفائدة على الأرض ونظيره على الودائع، فالاتجاه الآن إلى تخفيض تكلفة الاستثمار وهو ما يدفع بالتالي سعر الفائدة إلى الانخفاض. وتابع أن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي تحدد تلك النسبة التي تعد مؤشرا للبنوك العاملة في القطاع المصرفي المصري بناء على نسبة السيولة الموجودة داخل السوق المصرية، موضحا أن النقود مثلها مثل أية سلعة أخرى تحدد الفائدة عليها بالعرض والطلب ويقوم البنك المركزي بوسائله المعروفة بسحب السيولة من السوق أو بضخها.

وأشار حسن إلى أن السياسة النقدية الجديدة تمر حاليا بمرحلتها الثانية التي تركز على زيادة الاستثمار بعد أن نجحت في المرحلة الأولى في كبح جماح الدولار وتحسين قيمة الجنيه، موضحا أن زيادة حجم الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي إلى نحو تجاوز 20.2 مليار دولار بارتفاع 4.5 مليار دولار عن العام المالي 2004/2005 والفائض في الحساب الجاري لميزان المدفوعات وزيادة النمو في الناتج المحلي إلى حوالي 5 في المائة خلال العام المالي الماضي، كلها عوامل ترجع الاستمرار في خفض الفائدة من أجل جذب مزيد من الاستثمارات وتشجيع القطاع الخاص المصري على تنشيط رأس المال في مشروعات جديدة تستوعب نسبة من العمالة العاطلة.

من جهته أعرب المحاسب ناصر فاروق عن استيائه من الخفض المستمر للفائدة على الودائع، وأضاف أن خفض الفائدة وتراجع العائد على الادخار من دون مراعاة للأسعار المرتفعة في معظم الأسواق المصرية أمران لا يشجعان على مزيد من الادخار في البنوك.

وتابع أن هذه السياسة التي تجامل بها الحكومة رجال الأعمال لا يجب أن تكون على حساب صغار المدخرين، وأعرب عن أمله في أن تعيد لجنة السياسات النقدية في البنك المركزي النظر قبل اتخاذ إجراء مماثل في المستقبل، لاسيما أن الاستثمار لا يأتي فقط لمجرد خفض الفائدة وإنما بتوافر عناصر كثيرة أخرى مازالت غائبة عن مناخ الاستثمار في مصر.