خبراء: سلحفائية الإجراءات القضائية في السعودية تشجع على تحرير الشيكات بدون رصيد

TT

كشفت مصادر مطلعة في مجال المحامات والحقوق بتزايد تفشي ظاهرة الشيكات بدون رصيد داخل السعودية بشكل يدعو إلى تدخل الجهات العليا للحد منها، وارجعوا تنامي مديونيات الشيكات بدون رصيد نتيجة لازدياد حجم التعاملات التجارية في الأسواق والأنشطة السعودية المختلفة. وأوضحت المصادر بأن أرقام وزارة التجارة والصناعة السعودية كشفت ازدياد عدد قضايا الشيكات بدون رصيد بنسبة 5 في المائة سنويا، مع تواصل ضعف تطبيق الأنظمة من الجهات الرقابية والقضائية وعدم قيامها بدور فاعل للحد من الظاهرة.

يأتي ذلك وسط تواصل الاحتجاجات من قبل الغرف التجارية المختلفة والدعوة لإيجاد شبكة معلومات عن المتعاملين بالشيكات المرتجعة تساعد أصحاب الشأن على اتخاذ قراراتهم قبل الدخول في أي مشروعات أو مشاركة أو علاقات مالية مع المشبوهين، وشطب السجلات والتراخيص المهنية والتجارية لمن تثبت مخالفتهم لنظام الأوراق التجارية. وتوقعت جهات أن تضع الشبكة المعلوماتية إجراءات لملاحقة المخالفين ومحاصرتهم من قبل الجهات الحكومية المختصة مثل وزارة الداخلية من خلال الإدارات التابعة لها لوضع إجراءات إدارية تتمثل في صور عدة احداها المنع من السفر. كما تضمنت المقترحات وضع وزارة التجارة السعودية إجراءات إدارية عدة منها عدم تجديد تراخيص ممارسة الأنشطة الاقتصادية للمخالفين.

واثارت التقارير الواردة سابقا القلق بسبب صعوبة تضاؤل حجم ظاهرة التعامل بالشيكات بدون رصيد وذلك لأسباب واقعية منها أن حجم التعاملات التجارية في تنامٍ مستمر، خاصة ان السعودية مقدمة على عصر جديد ستتبين فيه ملامح تعاملات كبيرة، يفرضها الانفتاح على العالم الخارجي بصورة أكبر عند الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بعد أن أزالت أكبر عقبة في سبيل قبولها عضواً في المنظمة، وتوقيعها لعدة اتفاقيات مع الولايات المتحدة الأميركية.

وتعتبر مسألة الشيكات المؤجلة رأس الرمح في تفاقم مشكلة الشيكات بدون رصيد، والتي غالباً ما تستخدم في عمليات البيع بالتقسيط، حيث يحرر المشتري عدداً من الشيكات بتواريخ مختلفة حسب الأقساط المفروضة عليه، وكذلك تلجأ البنوك في عمليات الاقتراض إلى قبول عدد من الشيكات بتواريخ مختلفة من المقترض ضماناً لتسديد القرض، وهذا ما يقود إلى ضرورة القيام بتكثيف حملات إعلامية شاملة لتحذير المجتمع من الآثار السلبية الناجمة عن هذه الظاهرة مع توعيتهم بالوظيفة الأساسية التي من المفترض أن تؤديها الشيكات. وبحسب دوائر اقتصادية ومكاتب الاحتجاج في الغرف التجارية السعودية فإن حجم الشيكات المرتجعة (بدون رصيد) في السعودية يتجاوز 530 مليون دولار (1.4 مليار ريال).

وكانت غرفة الرياض قد أعلنت العام الماضي بأنها تلقت أكثر من 4 آلاف قضية تتعلق بشيكات مرتجعة بدون رصيد، من إجمالي 5800 قضية تكومت في وزارة التجارة والصناعة السعودية التي تنظر حاليا في تنظيم جديد للحد من اتساع انتشار هذه الإشكالية. في حين لمَّحت مصادر عاملة في المرافعات القانونية إلى أن هذه الأرقام لا تمثل واقع الحال، مؤكدة أن أعداد الشكاوى أكثر من تلك الأرقام بكثير، وأن مدينة جدة لوحدها تستحوذ على نصيب كبير جدا، حيث لا تقل عن 20 ألف شكوى سنويا، فيما تتجاوز الرياض العاصمة هذا الرقم، ثم بقية المدن الكبرى التي تستقبل فروع الغرف التجارية والصناعية وكذلك مديريات وزارة التجارة والصناعية ارتالا من الشكاوي سنويا. وترى بعض التقارير الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة في السعودية أن أهم الأسباب التي ساهمت في تفشي ظاهرة الشيكات بدون رصيد، تعود لاسباب اجتماعية متمثلة في قلة جهل اعداد كبيرة من أفراد المجتمع للمفهوم الفعلي للشيك، الذي يأتي تعريفه بأنه أداة وفاء يقوم مقام النقود في التعامل، بجانب أنها تعتبر إضافة إلى أن البنوك تصدر شيكات بأسماء مؤسسات ومعارض وجمعيات وصناديق بدون ذكر أسماء أصحابها. واقترحت دراسات عدة تنظيما جديدا يتعلق بعقوبات صارمة بحق المخالفين مغايرة لما هو معمول به في السابق، أهمها حرمان مرتكب جريمة إصدار شيك بدون رصيد للمرة الأولى من الحصول على دفاتر شيكات وبطاقات صرف الكتروني لمدة 5 سنوات على ترتفع مدة الحرمان إلى 10 سنوات إذا كرر الشخص جرمه مرة ثانية.

وكان مجلس الشورى السعودي قد عدل في 21 سبتمبر (أيلول) الجاري بعض المواد المتعلقة بالشيكات الواردة في نظام الأوراق التجارية أثناء مناقشته لظاهرة الشيكات المرتجعة، حيث لفت أعضاء في المجلس على ضرورة أن يأخذ في الاعتبار وضع آليات تكفل حقوق الدائنين أو بعضها مثل منح مراكز الشرطة صلاحيات مباشرة في قضايا الشيكات دون رصيد واستحداث قائمة سوداء بأسماء الأشخاص الذين يتكرر عنهم تحرير شيكات بدون رصيد ويتم تبادلها بين البنوك المحلية وبموجبها يحظر المصرف جميع التعاملات المصرفية مع المخالفين بما في ذلك التعامل معهم من خلال الحسابات الجارية. وطالب الأعضاء السماح للبنوك المحلية باستيفاء قيمة الشيكات المحررة بدون رصيد من خلال إجراء عمليات مقاصة بين أرصدة جميع أنواع الحسابات التي يحتفظ بها العميل لدى البنوك المحلية المختلفة إلى جانب السماح للمصرف المحلي بالتسوية الجزئية لقيمة الشيك بقدر الرصيد المتوافر لديه أو لدى المصارف الأخرى.

المحامي عبد الله بن عبد العزيز الفلاّج، صاحب مكتب الفلاج للمحاماة والاستشارات القانونية، أوضح في تعليقه على الظاهرة بقوله: «أصحبت ظاهرة اصدار شيك بدون رصيد من الظواهر المستفحلة في السعودية والتي تزيد سنةً بعد اخرى نسبةً لازدياد حجم التعاملات التجارية في السوق المحلية، ورغم تجريم هذا الفعل نظامياً والتشدد فيه إلى حدٍ ما، إلا أن المراقب لهذا المجال يكتشف عدم انقراض هذه الظاهرة بل عدم انخفاض معدلاتها».

وأعاد الفلاج الظاهرة إلى جملة من الأسباب حيث أشار إلى استبعاد القصد الجنائي المباشر من صاحب الشيك الذي يعلم تمام العلم عدم توفر الرصيد المعني في حسابه لحظة إصدار الشيك للمسحوب له، فالكثير من الذين يقعون في هذه الجريمة يحررون شيكات على افتراض أنه في التاريخ المدون في الشيك سيكون في حسابه الرصيد الكافي الذي يغطي مبلغ الشيك، وهو الذي يكشف عن عدم الوعي أوعدم التقيد بوظيفة هذه الورقة التجارية والتي تتميز بأنها أداة وفاء وليست أداة ضمان حيث أنها مستحقة الدفع بمجرد الإطلاع. وزاد الفلاج بأن التقارير التي تصدر من وزارة التجارة والصناعة توضح ازدياد عدد قضايا الشيكات بدون رصيد بنسبة 5 في المائة سنويا، وهو ما يدل على ضعف تطبيق الأنظمة من الجهات الرقابية والقضائية وعدم قيامها بدور فاعل للحد من هذه الظاهرة.

وتتصاعد مخاوف المراقبين الاقتصاديين السعوديين من الانعكاس المباشر على موثوقية البيئة القانونية التي تحمي الاستثمار بشكل عام لا سيما أن السعودية تبحث عن زيادة حجم الاستثمار خاصة الاستثمارات الأجنبية التي تجد في بلدانها قوانين صارمة حيال ما يتعلق بالشيكات إذ تنص القوانين على السجن بما لا يقل عن ثلاث سنوات.

ولفت الفلاج الى استحواذ هذه الظاهرة مساحةً واسعة من النقاشات على مستوى اللجان الرسمية، التي اصدرت جملة من التوصيات كان آخرها ما صدر عن لجنة الشؤون المالية التي اقترحت وضع إجراءات مشددة بحق المخالفين.

على طرف آخر يحصر المحامي مطلق الفغم الذي يدير مكتبا للمحاماة في العاصمة السعودية الرياض، أبرز الصعوبات في عامل إحضار الخصم الذي تلزم به وزارة التجارة والصناعة المشتكين أو موكليهم، مشيرا بأن هذه النقطة الفنية تمثل عقبة كبيرة أمام المتضررين من الشيكات المرجعة إذ هم مطالبون بالقيام بتحضير المشتكي عليهم أمام الوزارة لتتم باقي الإجراءات.

وأضاف الفغم في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن التحضير يمثل هاجسا بشعا للموكلين والقائمين على الإجراءات بأنفسهم، فلو كان يملك المشتكي التحكم في المدعى عليهم فمن الممكن عدم لجوئه من الأساس إلى المحاكم أو دوائر الإدعاءات المختصة في الوزارات، مفيدا بأن معظم الحالات التي يتم رفع شكاوى عليهم تكون خارج الحدود أو هاربة عن الأنظار مما يعني صعوبة تحضيره في الأساس.

واقترح الفغم لحل هذه المشكلة توصية سهلة التنفيذ وعملية جدا وهي الاعتماد على عنوان البريد، حيث أن لكل شيك مسترجع بدون رصيد بريدا إلكترونيا لدى البنوك كأحد الشروط المفروضة لفتح حساب بنكي، مضيفا أنه يمكن تحديد توقيت معين بعد وصول بريد المتضمن لتحضير الخصم، بعدها يتم الحكم في الموضوع وتوجيها إلى مسارها الإجرائي السليم. وأضاف المحامي الفغم بأن جميع الإجراءات الحكومية والأنظمة والتشريعات تتميز بالقوة والمتانة، بل يلحظ الاستفادة من التجارب الأخرى إلا أن آلية التنفيذ تشكل عقبة من بينها تحضير المدعى عليهم، يضاف إليها عدم الجدية في تطبيق الأنظمة بشكل صارم لتعريف الناس بخطورة الظاهرة.

وأفصح عبد الله الفلاج عن وجود خلل قانوني في الأنظمة المتعلقة بالأوراق التجارية بصورة مباشرة بقوله: «هناك خلل واضح في بند العقوبات حيث أن عقوبة هذه الجريمة ليست بالقدر الكافي من الحزم المتناسب مع هذا النوع من الجرائم، فلا بد من وضع العقوبة المناسبة بعد دراسة الظاهرة عبر دراسة مستفيضة».