صراع أميركي أوروبي حول التحكم في الإنترنت يهدد بانهيار الشبكة الدولية

الدول العربية والإسلامية تؤيد الموقف الأوروبي وسط توجس من هذا التأييد

TT

من المقرر أن يُعقد اجتماعٌ في تونس بين 16 و18 من شهر نوفمبر (تشرين الاول) المقبل لحسم صراع دولي طفح على السطح في الآونة الأخيرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من دول العالم الثالث، ويهدد مستقبل «بقاء الإنترنت كشبكة موّحدة في العالم».

وكان الصراع قد ظهر بشكل واضح في اجتماع عُقد في جنيف الشهر الماضي حول من يحكم أو يتحكم في الإنترنت. وبينما تصر الولايات المتحدة على الاحتفاظ بسيطرتها على الشبكة الدولية، التي كان لها دورٌ كبير في انشائها، تطالب بقية دول العالم، خصوصا الاتحاد الأوروبي بمشاركة المسؤولية في إدارة الإنترنت. وفي هذا الاطار حذرت المفوضية الأوروبية من انقسام الشبكة الى عدة شبكات في حال فشل الاجتماع الذي سيعقد في تونس الشهر المقبل. ومن المواضيع الهامة التي سيبحثها الاجتماع دور الحكومة الأميركية في الاشراف على ما يُعرف باسم domain name system (DNS) وهو بمثابة البنية التحتية للإنترنت التي تنظم عناوين المواقع على الشبكة وأيضا تسمح لأجهزة الكومبيوتر حول العالم بالاتصال ببعضها البعض. وتدير حاليا هذه البنية التحتية هيئةٌ حكومية أميركية تدعى Internet Corporation for Assigned Names and Numbers (Icann) (أي هيئة الإنترنت لتحديد الأسماء والأرقام) وهي تابعة لوزارة التجارة الأميركية ولا تهدف لتحقيق الربح.

ويساند الاتحاد الأوروبي طموحات عدد من دول العالم النامي، مثل الصين والهند والبرازيل، في رغبتهم المشاركة في حكم الإنترنت، لكن المساعي الأوروبية في اجتماع جنيف فشلت في وجه المعارضة الأميركية.

ونقلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن مسؤولة «تقنية المعلومات» في المفوضية الأوروبية، فيفيان ريدين، قولها إن فشل المشاركة في ادارة الشبكة الدولية قد تدفع دولاً مثل الصين والهند والبرازيل وبعض الدول العربية الى انشاء شبكتهم الخاصة للإنترنت، الأمر الذي سيفقد الشبكة الدولية جاذبيتها ونجاحها الكبير. وأضافت أنه لا بد من ايجاد منبر يستطيع من خلاله قادة العالم المشاركة في تطور الإنترنت. أما اذا شعروا بأن الشبكة حكرٌ على دولة واحدة، فغالبا ما ستتداعى هذه الشبكة تدريجيا حتى تنهار.

ومن جانبها تقول الولايات المتحدة إن عددا كبيرا من الدول التي تطالب بالاشراف على الإنترنت لا تُعتبر هي نفسها من الدول المشجعة لحرية الرأي. وقال مستشار الرئيس بوش لشؤون الإنترنت والاتصالات القومية، ميشيال جالاغار، إن هذه الدول تعتقد أن الـ DNS هو الجزء الجوهري الوحيد في الإنترنت الذي يسمح بالتحكم وأنه يعني الحياة بذاتها، لكنهم لا يدركون أن معنى الحياة يقع داخل حدودهم وسياساتهم التي يخلقونها بأنفسهم. وكانت الحكومة الأميركية، التي موّلت تطوير الإنترنت منذ الستينات، قد أكدت في يونيو (حزيران) الماضي أنها تعتزم الاحتفاظ بسيطرتها على الـ Icann «هيئة الإنترنت لتحديد الأسماء والأرقام»، وهو ما يُعد تراجعا عن تعهد قدمته ادراة الرئيس بيل كلينتون بالسماح للهيئة بالاستقلالية بدءا من سبتمبر عام 2006.

ويؤكد المسؤولون الأميركيون أنه منذ تأسيس الهيئة لم تتدخل وزارة التجارة في شؤونها أو في قراراتها. وكان ديفيد جروس، رئيس الوفد الأميركي في مفاوضات اجتماع جنيف، قد أوضح في الاجتماع أنه لو حاولنا استخدام نماذج جديدة للتحكم في الإنترنت من دون اختبار هذه النماذج مسبقا، فقد يؤدي ذلك الى اضطراب كبير في الخدمة التي تقدمها الشبكة لأكثر من مليار شخص يستخدمون الإنترنت حول العالم ويقومون بـ 27 مليار جلسة في اليوم الواحد. وأضاف أن هناك حاليا أكثر من 250 ألف جهة تقدم خدمة المواقع على الإنترنت، وهي جميعها تستخدم نظاما تقنيا موحداً هو TCP/IP، لكن كل ذلك قد يضطرب اذا تغير الوضع الحالي. وأوضح أن نجاح الإنترنت ليس له مثيل في تاريخ البشرية، لذا فإن المطلوب الآن هو تطويرها تكنولوجياً وليس سياسيا عبر تشتيت الانجازات التكنولوجية من أجل خلق كيانات إدارية متعددة الجنسيات. لكن بعض البلدان التي تسيطر فيها الدولة تماما على أدوات الإعلام، ترغب في تشكل مجلس دولي يشرف على Icann، ويتمتع أيضا بسلطة مناقشة محتويات المواضيع التي تُنشر على الإنترنت، وهذا ما يخيف أنصار الحرية الكاملة على الشبكة الدولية.

أما الأوروبيون فيبدو أنهم توصلوا الى حل قد يرضي الجميع. فقد اقترحوا أخيرا ما أسموه «نموذج المؤسسة» وهو هيئة تتعامل مع Icann وتكون في الوقت ذاته بمثابة منبر أو منتدى يسمح للحكومات والمنظمات الدولية والجهات الصناعية التي لها علاقة بالإنترنت بمناقشة القضايا المختلفة حول الشبكة الدولية وكذلك تبادل المعلومات والخبرات بشأنها.

وأوضح أحد المفاوضين الأوروبيين أن الهيئة المقترحة لن تستطيع اتخاذ قرارات لكنها ستقدم المشورة والاقتراحات حول القضايا الرئيسية... وبدورها يُتوقع من Icann أن تأخذ هذه المقترحات بعين الاعتبار. وقد أيدت دولٌ مثل السعودية وايران الاقتراح الأوروبي، الأمر الذي أخاف بعض الغربيين من أن تستغل هذه الدول الاقتراح الأوروبي وتحوله أقرب الى فكرتها هي بالسيطرة على الإنترنت.

وقد عبر عن هذه المخاوف بشكل متطرف رئيس الوزراء السويدي السابق الذي قال على موقعه على الإنترنت «يبدو أن بعض المسؤولين في الدول النامية الذين لهم مصالح غير مصالحنا، قد يختطف المبادرة الأوروبية لتحقيق أغراضه. فلا يمكن لنا أن نخلق أوروبا تؤيدها دول مثل الصين وايران والسعودية فيما يتعلق بالسيطرة على الإنترنت. فحتى هؤلاء الذين ينتقدون الموقف الأميركي عليهم أن يروا المخاطر التي يمكن أن يقودنا اليها الموقف الأوروبي».

غير أن المفاوضين الأوروبيين يؤكدون أنهم عازمون على عدم السماح لأي دولة بالتحكم في محتويات الإنترنت عبر مشاركتها في النظام الجديد، مشيرين الى أن الموقف الأوروبي يختلف كثيرا عن مواقف دول مثل الصين والبرازيل، بل أن المقترحات التي جاءت من البرازيل ودول أخرى «لتعديل موقفنا في اتجاه موقفهم رُفضت جميعها». وأضافوا أن بعض الدول بالفعل حاولت جر الموقف الأوروبي تدريجيا نحو مواقف تلك الدول، لكن الأوروبيين منتبهون لذلك.

فالأوروبيون بشكل عام، ويؤيدهم الكنديون واليابانيون، غير سعداء بانفراد الولايات المتحدة بالتحكم في الإنترنت، لكنهم في الوقت نفسه لا يرغبون في فتح الشبكة لجميع دول العالم للمشاركة في السيطرة عليها. وبينما لا يتوقع الأوروبيون أن تغير الولايات المتحدة من موقفها في اجتماع تونس المقبل، الا أنهم يؤكدون أنها لا بد من أن تجد أرضية مشتركة مع الآخرين والا انهارت الشبكة الدولية تماما. لذا فقد تقرر أن يجتمع البيروقراطيون والفنيون قبل ثلاثة ايام من الاجتماع الرسمي في محاولة لحل العقبات الأساسية في التفاوض. ورغم أن اي قرارات قد يخرج بها اجتماع تونس لن تكون ملزمة قانونيا لأي طرف، الا أن الجميع يأملون في التوصل الى اتفاق يمكن تطبيقه عندما تنتهي في سبتمبر (ايلول) المقبل فترة الوصاية الحالية التي تربط Icann بالحكومة الأميركية.

من جهة أخرى، أوضح ايملي تايلور، رئيس القسم القانوني في مؤسسة «نومينت» التي تشرف على تصنيف العناوين الكبرى مثل.co أو.org أو.uk، أن الجدل الذي دار في جنيف كان في الأساس حول السلطة لتحديد هذه العناوين الكبرى. فحاليا تنفرد Icann بقرار تحديد العناوين الكبرى الجديدة، وكذلك تحديد من المسؤول عن العناوين الموجودة. وتتولى حاليا Icann هذه المسؤولية بالتشاور مع «اللجنة الاستشارية الحكومية» Governmental Advisory Committee التي في واقع الأمر لها سلطة على Icann أكثر من سلطة وزارة التجارة الأميركية رغم أن الوزارة هي الجهة التي تجيز قرارات Icann. ويتفق بول تومي، رئيس الـ Icann، مع الحكومة الأميركية في مخاوفها من تغيير الوضع الحالي، مؤكدا أنه ينبغي أن يُسمح لهيئته بالتطور بدلا من إلغائها لمصلحة هيئات أخرى تتحكم فيها الحكومات المختلفة. غير أن حكومات عدد من الدول حول العالم ترغب في تحقيق عكس ما يتمنى الأميركيون.