خبراء يحذرون من اعتماد استراتيجية تطوير الصناعة المغربية على الاستثمار الأجنبي والطلب الأوروبي

قالوا إنها تحاول استنساخ التجربة المكسيكية

TT

دافع جمال الدين جمالي، مدير السياسة الصناعية بوزارة الصناعة والتجارة وتأهيل الاقتصاد، بحماس عن الاستراتيجية الجديدة للنهوض بالصناعة المغربية، التي أعدتها الحكومة اخيرا استنادا إلى دراسة قام بها مكتب «ماكنزي» الدولي للاستشارة. وركز جمالي على جوانب الواقعية والمرونة في خيارات الحكومة الاستراتيجية، في رده على سيل الانتقادات التي وجهها المشاركون في ندوة نظمها اخيرا في الدار البيضاء «مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث» المقرب من حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا) المشارك في الحكومة الحالية، والتي استمرت حتى ساعة متأخرة.

وتقوم هذه الاستراتيجية الجديدة على اختيار 12 مجالا للنشاط، من بينها قطاع الخدمات (أوفشورينج) والصيد البحري والصناعات الزراعية والصناعة التقليدية وصناعة السيارات وصناعة الطائرات، باعتبارها قطاعات نمو، ووضع ترسانة من التدابير تضم 700 إجراء للنهوض بهذه القطاعات. ويرتقب أن تساهم هذه الخطة في حال تنفيدها في زيادة نسبة النمو الاقتصادي بنحو 1.6 نقطة وخلق 440 ألف منصب شغل في أفق 2013 . وأوضح جمالي أن اختيار قطاعات النشاط تم بعد دراسات دقيقة ومفصلة لإمكانيات المغرب وقدراته. ففي مجال صناعة السيارات تم تحليل 3000 قطعة غيار تستعمل في هذه الصناعة، واختيار القطع التي يتوفر فيها المغرب على ميزات تنافسية واستغلال حركات إعادة توطين الصناعات. وقال إن هذه الصناعة التي كانت متمركزة تاريخيا في فرنسا وإيطاليا انتقلت خلال الثمانينات جنوبا نحو إسبانيا والبرتغال، ومع إدماج إسبانيا والبرتغال في الاتحاد الأوروبي رحلت هذه الصناعات في بداية التسعينات إلى بلدان أوروبا الشرقية التي يجري إدماجها بدورها في الاتحاد الأوروبي وبالتالي بدأت تفقد ميزتها التنافسية بالنسبة لهذه الصناعات.

وأشاد الوزير السابق محمد سعيد السعدي، رئيس «مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث»، بالمقاربة التي اعتمدتها الحكومة في تطوير الصناعة من خلال وضع سياسة إرادية، معتبرا أن ذلك يشكل قطيعة مع المقاربة التي سادت منذ الثمانينات والمتمثلة في تخلي الحكومة عن التخطيط الاستراتيجي، ووضع مصير الصناعة بين كفي آليات السوق، والتي كانت نتيجتها تراجع حصة الصناعة في الناتج الداخلي للمغرب إلى 17%، وهروب الرساميل من الصناعة نحو الزراعة والخدمات. وانتقد السعدي مبالغة الاستراتيجية في الاعتماد على الطلب الأوروبي وحركة إعادة توطين الإنتاج وأشغال المناولة الصناعية والاستثمارات الأجنبية، بدل الاعتماد على تنمية السوق الداخلية، وتكثيف النسيج الصناعي المحلي. وأشار إلى أن الاستراتيجية اعتمدت في اختياراتها القطاعية على الميزات الطبيعية للمغرب والمتمثلة في الموقع الجغرافي القريب من أوروبا والموارد الطبيعية وضعف كلفة اليد العاملة، وذلك بدل الإنطلاق من بناء ميزات جديدة على أساس القدرات المتاحة وتوجهات الاقتصاد والإنتاج. وقال السعدي إن الاستراتيجية تحاول استنساخ تجربة المكسيك مع الولايات المتحدة والتي أظهرت قصورها بعد 10 سنوات من تنفيدها.

واضاف أن المكسيك فقدت اكثر من 1.5 مليون وظيفة في المجال الزراعي بين عامي 1994 و 2004 بسبب التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، مقابل خلق نحو 500 ألف منصب شغل بارتباط مع نشاطها الصناعي الموجه نحو الولايات المتحدة، بالإضافة إلى انخفاض الأجور وتراجع مستوى الدخل الفردي خلال نفس الفترة.

أما عبد اللطيف بلمدني، رئيس الجمعية المغربية للمصدرين، فقد أبدى قلقه من كون 700 من الاجراءات التي تضمنتها الاستراتيجية لا تتحدث عن تأهيل وتحديث الصناعات المغربية الموجودة. وأشار في هذا السياق إلى أن أبرز نقاط ضعف الاستراتيجية المقترحة هي إغفالها للجانب المتعلق بالنقدية وأسعار الصرف التي اعتبرها مكتب «ماكنزي» في دراسته بأنها ذات طابع سياسي محظ، بالإضافة إلى عامل الزمن، إذ توصي الدراسة بإطلاق بعض الأنشطة الجديدة مثل «الأوفشورينج» في ظرف 3 أشهر في حين أن تكوين اليد العاملة اللازمة يتطلب عدة سنوات، ثم الوسائل الضرورية لتنفيد الاستراتيجية، مشيرا إلى أن المغرب لا يتوفر على خطة ترويجية بالخارج ولا يتوفر على تمثيليات تجارية في الخارج.

ومن جهته، تساءل حماد قسال، رئيس فيدرالية المقاولات الصغرى والمتوسطة عن الجهة التي ستقود هذه الاستراتيجية، وعبر عن قلقه من أن تشكل مسألة تضارب الاختصاصات بين مختلف الوزارات عامل عرقلة أمام تنفيذها. وتساءل ايضا عن دور التجديد والابتكار ونقل التكنولوجيا، وعن الحوافز التي ستحول دون هروب المهندسين المغاربة إلى الخارج.

وانتقد ممثلو النقابات اعتماد الاستراتيجية على الأجور الهزيلة واليد العاملة غير المؤهلة، وأشاروا إلى أن التجارب الأولى في بعض المجالات التي بدأ تطويرها في المغرب كصناعة الطائرات والخدمات تشير إلى أن الكفاءات والقيادات يتم جلبها من طرف الشركات الأجنبية من الخارج بأجور باهضة، تعادل 5 مرات الأجرة التي تلقاها المغاربة مقابل نفس العمل.