200 مليون نسمة يعملون خارج أوطانهم و 200 مليار دولار حجم تحويلاتهم إلى بلدانهم الأصلية

تقرير للبنك الدولي يرصد تحولات الهجرة إلى أوروبا

TT

تشكل تحويلات المهاجرين المالية إلى أوطانهم إحدى أهم ركائز الاقتصادات المحلية. ورغم أن تلك الأموال مهمة للتنمية ومحاربة الفقر، إلا أنها تعني خسارة فادحة للعقول والخبرات. معادلة صعبة للموازنة بين الربح والخسارة. فهناك أكثر من 20 ألف طبيب عربي في اوروبا منهم 2000 طبيب عراقي يعملون في مستشفيات بريطانيا وحدها. وقد شهدت العقود الماضية نزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص إلى خارج العراق بحثا عن ملاذ أمن ولقمة عيش كريمة. ويشكل المهاجرون ثلثي عدد السكان في العديد من الدول مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر.

كما أن جالية كبيرة جدا من المغاربة والجزائريين والتونسيين كما يقول تقرير على موقع غذاعة دوتشيفيله على الإنترنت تقدر بالملايين تعيش اليوم في فرنسا وألمانيا وايطاليا. وفي دراسة أجريت في وقت سابق من قبل المفوضية الأوروبية تبين أن 8 من كل عشرة أشخاص في البلدان النامية يرغبون بترك أوطانهم والهجرة إلى الدول الصناعية المتقدمة والغنية. ومع أن ترك أصحاب الكفاءات لأوطانهم يشكل خسارة للبلدان النامية، إلا أن ذلك يجلب ميزات اقتصادية للدول المعنية. وهذا ما خلص إليه تقرير للبنك الدولي صدر أخيرا وورد فيه أن المبالغ المالية التي يقوم المهاجرون بتحويلها إلى أوطانهم هي ضرورة اقتصادية واجتماعية على قدر كبير من الأهمية.

وقال موريس شيف، أحد المشاركين في صياغة تقرير البنك الدولي آنف الذكر: «لا شك أن تحويلات المهاجرين النقدية إلى بلدانهم ساهمت بشكل كبير في التخفيف من حدة الفقر. وهذا يكتسب أهمية كبيرة جدا، لا سيما إذا ما عرفنا أن حوالي 200 مليون شخص يعيشون ويعملون في دول هي ليست مسقط رأسهم».

وأشار شيف أيضا إلى أن حجم المبالغ المحولة هذا العام إلى مواطن المهاجرين الأصلية يبلغ 200 مليار دولار، وهذا يشكل ضعفي المبالغ المقدمة من الدول الصناعية الغنية إلى النامية على شكل مساعدات تنموية. وأضاف شيف «معظم هذه الأموال يتم استثمارها في قضايا التعليم والصحة والبناء وإنشاء مصانع أو شركات جديدة». وكانت المكسيك قد تصدرت في عام 2004 قائمة الدول التي يرسل إليها المهاجرون أموالا، حيث بلغت نحو 16 مليار دولار سنويا، تلتها الهند بنحو 9.9 مليار دولار سنوياً والفلبين بنحو 8.5 مليار دولار سنوياً. واحتلت الولايات المتحدة مركز الصدارة في قائمة الدول التي يرسل المهاجرون منها أموالا إلى بلدانهم، بنحو 28 مليار دولار سنويا، تلتها السعودية بنحو 15 مليار دولار سنويا. ويرسل المهاجرون في بلجيكا وألمانيا وسويسرا إلى أوطانهم نحو 8 مليارات دولار سنوياً. وبالرغم من ان هناك ميزات اقتصادية كبيرة تترتب على تحويلات المهاجرين النقدية إلى بلدانهم، فإن السؤال الذي يثير اهتمام دول العالم هو عن الضرر الذي يلحقه فقدان الكفاءات ببرامجها التنموية. هجرة الكفاءات أو ما يعرف أحيانا بـ «هجرة العقول» أو «هجرة الأدمغة»، وهو مصطلح أطلق أول مرة في الخمسينات على الكفاءات المهاجرة من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأميركية، تعني انتقال أهم رأسمال اقتصادي للبلد ألا وهو الرأسمال البشري المثقف. ونظرا لاستقرار الغالبية العظمى من هذه الكفاءات في مجتمعاتها الجديدة، تصبح الهجرة بذلك خسارة وكارثة اقتصادية وتقنية واجتماعية فادحة على الدول النامية. وتشير الإحصاءات المأخوذة من الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية ومنظمة اليونسكو وبعض المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بهذه الظاهرة إلى أن الوطن العربي يساهم بثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية، حيث يشكل الأطباء 50 بالمائة منهم، والمهندسون 23 بالمائة والعلماء 15 بالمائة. كما أشارات الدراسات أيضا الى أن 54 بالمائة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم. وقد بلغت الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة العقول في عقد السبعينات حوالي 11 مليار دولار. ضرورة الاستثمار في الاجيال القادمة. وخلاصة القول فإن هجرة الأدمغة تؤدي إلى تأمين مليارات من العملة الصعبة في البلدان الأصلية للمهاجرين وتساهم في تحسين الوضع الاجتماعي للعائلات الفقيرة بالذات، إلا أن بعد هذه الكفاءات عن مواطنها الأصلية يعني أيضا توسيع الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة. والخطورة التي تشكلها هجرة الكفاءات العربية على المخططات التنموية العربية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تتطلب إيجاد حلول للحد من هذه الظاهرة تمهيدا لوقفها.