جولة الدوحة .. ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

TT

تمر جولة الدوحة الخاصة بمحادثات التجارة العالمية بمرحلة بالغة الأهمية، فالاجتماع الوزاري المُقرر عقده في هونغ كونغ، لم يتبق عليه سوى شهر واحد تقريباً، بيد أنّ الطريق لا يزال طويلاً للتوصل إلى اتفاق. ويحمل نجاح نتائج جولة الدوحة في طياته، الأمل بإحداث تخفيض كبير في أعداد الفقراء في البلدان النامية. ومن بين الدروس الأساسية التي استخلصناها من العقود الأربعة الماضية أن التجارة، وليست المعونات، تمثل مفتاح النجاح في عملية التنمية. وعلى كل من يساوره الشك في ذلك أن ينظر إلى تجربة منطقة شرق آسيا، لا سيما إلى الصين، حيث ساعدت التجارة على انتشال 400 مليون شخص من براثن الفقر على مدى العشرين عاماً الماضية.

وتُعتبر المكاسب المحتملة نتيجة لتحرير التجارة تحريراً كاملاً مكاسب هائلة على مستوى العالم، إذ ستتراوح ما بين 290 ـ 460 بليون دولار أميركي سنوياً بحلول عام 2015. وحتى هذه التقديرات قد لا تعكس المكاسب الحقيقية، حيث لا تشمل المكاسب الهائلة، التي يصعب قياسها، الناتجة عن تحرير قطاع الخدمات وتيسير التجارة. ولا شك أن مباحثات التجارة الحالية في إطار جولة الدوحة تشكّل فرصة كبيرة لإحراز تقدّم على مستوى العالم صوب تحقيق هذا الهدف.

إن هذه الفرصة حاسمة الأهمية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. فتحرير التجارة المتعدد الأطراف، في إطار جولة تجارية تحمل اسم مدينة من مدن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، يمثل أفضل أمل لهذه المنطقة لتحقيق معدلات أعلى من النمو المستدام، وإحداث تأثير حقيقي في مشكلة البطالة التي تعاني منها. وتشكّل البطالة، التي تقترب معدلاتها حالياً من 13 في المائة من إجمالي قوة العمل ـ قضية اجتماعية واقتصادية رئيسية للكثير من بلدان هذه المنطقة. وفي حين يكمن مفتاح تخفيض معدلات البطالة في تحقيق نمو كثيف الاستخدام للأيدي العاملة، فإن مفتاح تحقيق ذلك النمو يكمن في وضع استراتيجية تشجع التجارة يضطلع فيها القطاع الخاص بلعب دور رائد. وبدون زيادة درجة تكاملها في الاقتصاد العالمي، فإن هذه المنطقة تخاطر باستمرار حالة الركود على الأمد المتوسط ـ على الرغم من الطفرة الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط. وسيقتضي هذا التكامل إجراء إصلاحات داخلية وزيادة درجة النفاذ إلى الأسواق العالمية، وتمثل جولة الدوحة فرصة لتحقيق الهدفين معاً.

ومما لا شك فيه أن لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا مصالح أساسية في جدول أعمال هذه الجولة من المباحثات. فالزراعة، على الرغم من انخفاض دورها، لا تزال تمثل قطاعاً مهماً في توفير فرص العمل، وإدارة شؤون المياه، والحد من الفقر في العديد من البلدان. ويتأتّى تسعون في المائة من مكاسب تحرير التجارة في المنتجات الزراعية على مستوى العالم من النفاذ إلى الأسواق، وأمام منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا فرصة للاستفادة من قربها الجغرافي من أوروبا إذا ما نجحت جولة الدوحة في فتح هذا السوق الهائل. وفي الوقت الحالي، تؤدي التعريفات الجمركية المرتفعة، ونظام الحصص، وشروط التفتيش المُرهقة، والقيود الأخرى أمام التجارة إلى الحدّ من النفاذ إلى سوق الاتحاد الأوروبي. ويمكن للعديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، مع ذلك، أن تزيد صادراتها من الفاكهة والخضراوات والمنتجات البستانية الطازجة إلى الاتحاد الأوروبي زيادة كبيرة إذا ما تم تخفيض هذه الحواجز في جولة الدوحة. تعني جولة الدوحة، بالنسبة لبعض بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، معالجة مسألة الحماية على منتجاتها الزراعية. وفي حين يعني ذلك زيادة درجة الكفاءة والقدرة الكلية على المنافسة في الأمد الأطول، فإنه يفرض تحديات في الأمد القصير تتعلق بكيفية التكيّف مع ذلك الوضع. وتُعتبر «المعونة من أجل التجارة» التي تستهدف معالجة قيود جانب العرض، والمساعدة في هذه القضايا المتعلقة بالتكيف مع التحوّل، بما في ذلك البلدان المستوردة الصافية للمواد الغذائية، عنصراً مُكملاً أساسياً للنتائج الطموحة المتوخاة من جولة الدوحة. تشكّل الخدمات أكبر نسبة من إجمالي الناتج المحلي في جميع بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقريباً. وجولة الدوحة هي بمثابة فرصة لإدخال المنافسة في قطاعات الخدمات «الأساسية» كالتمويل والنقل والاتصالات السلكية واللاسلكية. ومن شأن تدني نوعية هذه الخدمات وارتفاع تكاليفها، في الوقت الحالي، أن يضع الكثير من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وضع تنافسي سيئ، ويمنعها من أن تصبح جزءاً من سلسلة الإنتاج العالمي ـ التي أصبحت أحد العوامل الدافعة المهمة لتحقيق النمو في مناطق أخرى من العالم، كما هو الحال في منطقة شرق آسيا. ويعني تحرير قطاع الخدمات، كذلك، الانفتاح أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، الأمر الذي من شأنه خلق فرص عمل جديدة، وتدعيم صادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات، كمراكز الاتصال والخدمات الإدارية المساندة. بيد أن هذه المنطقة تخاطر بتعريض تلك الفرص للضياع إذا لم تكن مستعدة لاتخاذ خطوات جريئة لفتح أسواقها في قطاع الخدمات.

وأكثر من ذلك، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ستكون، حال قيامها بفتح أسواقها، في وضع أفضل لمطالبة البلدان الغنية بفتح أسواقها في مجالات أساسية تهمها، كإتاحة سبل الدخول المؤقت إلى أسواق البلدان الغنية أمام مواطنيها من المشتغلين في قطاع الخدمات. وسيربح الجميع عندما تقوم قوة العمل الشابة والآخذة في الازدياد في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بسد الشواغر والفجوات التي تخلفها قوة العمل المتقدّمة في السنّ والمتناقصة في بلدان الاتحاد الأوروبي. وتواجه هذه التجارة الكثير من الحواجز في الوقت الحالي، لكن الحلول ممكنة، وتتيح جولة الدوحة الفرصة لزيادة سبل النفاذ أمام العمالة المؤقتة لتقديم الخدمات على أساس عقود محددة المدة الزمنية. إن تحرير قطاع التجارة ليس لعبة لا بد أن يتعرض فيها طرف للخسارة بسبب فوز طرف آخر. فجوهر تحرير قطاع التجارة يكمن في زيادة النواتج من خلال زيادة الإنتاجية، مع إتاحة المكاسب الناتجة عن زيادة النواتج للجميع للمشاركة فيها. لكن، لكي يتم ذلك، فمن الضروري أن تنحي الأطراف الفاعلة الأساسية مصالحها الضيقة جانباً، وتتعاون معاً للوصول إلى نتيجة، هي ولا شك، تلائم الجميع.

* كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي