رئيس فريق التفاوض السعودي للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية: لن تلغى الوكالات التجارية

فواز العلمي لـ"الشرق الأوسط" تمسكنا بحق أنشطة النقل البري .. والصوتيات والمرئيات ودور السينما للمستثمرين السعوديين

TT

نفى الدكتور فواز الحسني العلمي، رئيس فريق التفاوض السعودي للانضمام لمنظمة التجارة العالمية، إلغاء بلاده الوكالات التجارية فور انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، مشيراً إلى أنه تم الالتزام بفتح هذا القطاع ضمن شروط وضوابط أهمها ألا تزيد المساهمة في رأس المال الأجنبي المستثمر عن 51 في المائة فور الانضمام و75 في المائة بعد 3 سنوات من الانضمام، مع سعودة 75 في المائة من الموظفين في أول يوم للعمل، كما أكد العلمي في حوار مع «الشرق الأوسط» أن بلاده التزمت بتطبيق 58 التزاما وحصلت على 59 استثناء، ومن أهم هذه الالتزامات تطبيق اتفاقيات المنظمة متعددة الأطراف تحت مبدأ الالتزام الشامل الموحد.

وتحدث العلمي في مكتبه بالرياض حول الفوائد التي سيجنيها المواطن السعودي من الانضمام للمنظمة وعن الجانب المتعلق بالإغراق وإمكانية توفير حقوق الإنسان وإنشاء نقابات العمال. > ما هي أهم الالتزامات والاستثناءات التي تعهدت بها السعودية للانضمام لمنظمة التجارة العالمية؟

ـ التزمت السعودية بتطبيق (58) التزاما، وحصلت على(59) استثناء، ومن أهم هذه الالتزامات تطبيق اتفاقيات المنظمة متعددة الأطراف تحت مبدأ الالتزام الشامل الموحد. فلا يحق لنا أن نختار تطبيق اتفاقية ونمتنع عن تطبيق اتفاقية أخرى، والإبقاء على السياسات النقدية والمالية والضريبية وأسعار صرف العملات والتحويلات، فلا يحق لنا أن نرفع الضرائب على أرباح الشركات الأجنبية فوق ما هو معتمد حاليا، ونسبته (20 في المائه) إلا بعد اللجوء مجددا إلى المفاوضات مع جميع الدول، والالتزام بإلغاء الحصص الكمية المفروضة على الواردات والدعم المحظور للصادرات وتخفيض الدعم الزراعي المحلي المباشر بحدود (13.3 في المائة) على مدى عشر سنوات من تاريخ الانضمام.

ومن أمثلة الاستثناءات التي حصلنا عليها هي استخدام مبدأ النفاذ التدريجي للأسواق في زيادة رأس المال الأجنبي المستثمر في نشاط الخدمات. فعندما فتحنا قطـاع الاتصالات التزمـنا بأن تكون نسبة رأس المال الأجنبي المستثمر (49 في المائة) عند الانضمام، ترتفع إلى (51 في المائة) بعد عام من الانضمام وإلى (70 في المائة) بعد ثلاثة أعوام من الانضمام، واستثناء المملكة من تطبيق اتفاقية المشتريات الحكومية لكونها اتفاقية عديدة الأطراف (محدودة العضوية) وليست متعددة الأطراف. أي أن للدولة الحق في شراء المنتجات الوطنية من سلع وخدمات واستثنائها من مبدأ المعاملة الوطنية، الابقاء على توفير قروض البنوك الصناعية والزراعية، وكذلك الابقاء على إعفاء مدخلات الإنتاج المستوردة من التعرفة الجمركية.

> لكن ما هي الفوائد التي سيجنيها المواطن السعودي من الانضمام للمنظمة؟ ـ هنالك عدة فوائد أهمها حرية اختيار السلع والخدمات المتوفرة في السوق المحلي الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من السوق العالمي، ويتمتع هذا المستهلك باختيار أفضل السلع والمنتجات وأكثرها كفاءة وجودة نوعية وأقلها سعراً، وثقة المستهلك المواطن في السلع المتوفرة التي سينحسر عنها الغش التجاري والتقليد والتلاعب بالأسعار، حيث تخضع هذه السلع المحلية والأجنبية إلى قواعد وشروط وضوابط قاسية مثل اعتمادها للمواصفات والمقاييس العالمية والتدابير الصحية والصحة النباتية وحماية حقوق الملكية الفكرية. وجميعها من الاتفاقات الأساسية للمنظمة التي التزمت المملكة بتطبيقها وصدرت الأنظمة السعودية الخاصة بها، وزيادة فرص دخول جميع المنتجات السعودية من سلع وخدمات إلى أسواق (148) دولة في المنظمة تتمتع بسقوف جمركية منخفضة وسياسات تجارية واقتصادية مميزة بانفتاحها. ولا تخضع الصادرات السعودية ـ كما كانت تخضع قبل انضمامها للمنظمة ـ إلى الإجراءات التعسفية الأحادية من قبل دولة ما، والاحتكام لدى هيئة حسم المنازعات التجارية في المنظمة والتي تتميز بسرعة اتخاذ القرار وإنفاذ الإجراءات الرامية لإنصاف الدول الأعضاء بالمنظمة، والدليل على هذه الفوائد أن الدول التي انضمت للمنظمة أخيراً مثل الصين ارتفعت صادراتها بمقدار (20 في المائه) سنوياً وسلطنة عُمان (15 في المائه) والأردن (10 في المائه). كما ارتفعت القيمة المضافة محلياً في أسواقها من جراء تدفق الاستثمار الأجنبي إليها بحدود وصلت في الصين إلى (22 في المائه) والأردن (17 في المائه)، وذلك بسبب استخدام الميزة النسبية المتوفرة لديها وتوفر العمالة الوطنية التي سيكون لها ـ في نهاية المطاف ـ الشأن الأكبر والحظ الأوفر من انضمام المملكة للمنظمة. ويكفي أن نقارن الفوائد التي جنتها السعودة في البنوك المحلية والتي كانت أصلاً مفتوحة للاستثمار الأجنبي، حيث ارتفعت نسبة السعودة فيها إلى أكثر من (80 في المائة)، بينما ما زالت السعودة في قطاع التوزيع المقفل بالمملكة تتراوح بحدود (10 في المائة).

> هل يخضع النفط ومشتقاته لاتفاقيات المنظمة؟ وما هو تفاهم الكيماويات المنسقة؟

ـ من الأخطاء الشائعة لدى التحدث عن المنظمة وقواعدها هو تناقل المعلومات الخاطئة عن اتفاقاتها وأحكامها وشروطها. فالنفط ومشتقاته، مثله كمثل السلع الأخرى الزراعية والصناعية، مدرج في جداول السلع ويخضع لاتفاقات النفاذ للأسواق في المنظمة. إلا أن هنالك مجموعة من الدول الأعضاء في اتفاقية الجات، لا يزيد عددها عن (12) دولة، استثنت سلع النفط ومشتقاته من جداول عروض السلع الخاصة بها لقناعتها بأن هذا حق مكتسب للدول التي ساهمت في تأسيس اتفاقية الجات قبل تحولها إلى منظمة التجارة العالمية. ولا شك أن انضمام المملكة للمنظمة سيضمن لها إمكانية التفاوض المباشر مع هذه الدول لإلغاء هذا الاستثناء والاستعاضة عنه بربط السقوف الجمركية على النفط ومشتقاته. أما بالنسبة لتفاهم الكيماويات المنسقة، فهي إحدى اتفاقيات المنظمة، التي ربطت السقوف الجمركية لهذه السلع بحد أقصى (6.5 في المائة). وتشارك حالياً (22) دولة عضو في هذه الاتفاقية التي هي في غاية الأهمية للمملكة لما تؤمنه من قدره فائقة للنفاذ للأسواق العالمية بسقوف جمركية منخفضة. وسوف تسعى المملكة لدى انضمامها للمنظمة إلى توسيع مشاركة الدول في هذه الاتفاقية وتحويلها إلى اتفاقية إلزامية تضمن خلالها التزام جميع الدول الأعضاء وتلك الساعية للانضمام بخفض سقوفها الجمركية على البتروكيماويات لتصبح (6.5 في المائة) فقط كأقصى حد، كما تم تحديدها في تفاهم الكيماويات المنسقة.

> من الواضح أن قطاع الخدمات سيكون الأكثر تأثرا من انضمام المملكة للمنظمة. ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه هذا القطاع لدى تحقيق العضوية؟

ـ تبلغ نسبة مساهمة قطاع الخدمات السعودي في الناتج المحلي الإجمالي (40 في المائة) فقط، وهي نسبة متواضعة إذا قورنت بمثيلتها في الدول المتقدمة والتي تصل إلى (85 في المائة). ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة في المملكة خلال العقدين القادمين وبعد الانضمام للمنظمة إلى (70 في المائة)، حيث يشكل الانضمام رافداً حقيقياً لكافة الخدمات القطاعية الراغبة في زيادة مردودها الاقتصادي وتأمين الحد الأدنى لتهيئة الظروف المواتية لإحراز أهدافها ومواجهة التحديات الرئيسية التالية، التحدي الأول: توطين العمالة: حيث تشير بيانات مصلحة الإحصاءات العامة إلى أن أعداد العاملين في الأنشطة الاقتصادية المختلفة لقطاع الخدمات في تزايد مضطرد، حيث بلغت نسبة نموه في المتوسط أكثر من (2.5 في المائة) سنويا ليرتفع عدد العمالة الإجمالي في عام 1424هـ إلى حوالي (4.5) مليون عامل منهم (611) ألف سعودي فقط. وتؤكد هذه الإحصائيات على أن القوى العاملة السعودية ستنمو بمعدل سنوي مقداره (4.7 في المائة) في المتوسط خلال العقدين القادمين ليصل عددها إلى أكثر من (5) مليون سعودي في عام 2020، مما يشكل تحديا كبيرا يتمثل في ضرورة إحلال العمالة السعودية محل الوافدة في الأنشطة الاقتصادية لقطاع الخدمات.

التحدي الثاني: تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر حيث تؤكد الحقائق التاريخية أن النمو المتصاعد للتجارة الدولية هو بحد ذاته المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي العالمي. فالدول التي عزلت نفسها عن المبادلات الدولية تخلفت عن الركب، في حين تمكنت الدول التي تبنت استراتيجية للتكامل في الإطار العالمي من تحقيق نتائج إيجابية. وتؤدي الإستثمارات الأجنبية المباشرة دورا هاما في تعزيز النشاط الاقتصادي وتبادل المنافع عن طريق استخدام القـدرة التنافسية وتنمية الصادرات وتوفير فرص العمل للمواطنين تحت مظلة الارتباط القوي بين الميزات النسبية والكفاءة الإنتاجية. ولقد أكدت المملكة استمرارها ـ في إطار المنظور بعيد المدى ـ على مواصلة الجهود الرامية لتحسين مناخ الاستثمار والاهتمام بتوسيع خدمات التجهيزات الأساسية وتحسينها فأصدرت نظام الاستثمار الأجنبي الجديد وتوجته بإنشاء الهيئة العامة للاستثمار لتُسَخِرْ مفهوم الخدمة الشاملة للمستثمرين السعوديين والأجانب على حد سواء.

التحدي الثالث: تشجيع عمليات التخصيص والإسراع في تنفيذ برامجها: حيث اعتمدت المملكة منهجية التخطيط الاستراتيجي للتخصيص على المدى البعيد بالاستناد إلى الدراسات والتحاليل المستقبلية التي تمت بمشاركات محلية ودولية ساهم فيها القطاع الخاص وهدفت إلى وضع سلسلة من التصورات حول مسارات النمو على صعيد الاقتصاد الكلي والقطاعي، مما سوف ينتج عنه تحقيق معدلات نمو إيجابية في الناتج المحلي الإجمالي على الرغم من التحديات المصاحبة لتقلبات أسعار النفط العالمية.

> هل اضطرت السعودية لتقديم العديد من التنازلات للانضمام؟

ـ أولا السعودية لم تقدم تنازلات. وإنما قدمت التزامات تفي لضمان استحقاقات العضوية. ولقد حصلت المملكة على العديد من الاستثناءات التي تساوي المكاسب، ومنها اعتماد مبدأ السعودة في الوظائف بحيث لا يقل عدد السعوديين العاملين في المنشآت عن (75 في المائة)، وحجب السلع المحرمة والخدمات التي تتعارض مع مبادئ ديننا وتتنافى مع القيم والمجتمع والبيئة والصحة والأمن، وفتح القطاعات الخدمية للاستثمار الأجنبي تدريجيا وتطبيق الأنظمة السعودية على الخدمات الأجنبية مثل التأمين التعاوني وفرض القيود على التوزيع بالجملة والتجزئة وتحديد نوع الشركات في الاتصالات والبنوك والتأمين التعاوني بحيث تكون مساهمة عامة، وفرض سقوف جمركية مرتفعة في المتوسط عما هو مطبق حاليا، حجب العديد من الأنشطة الخدمية عن المستثمر الأجنبي مثل الوكالات التجارية والنقل البري والصوتيات والمرئيات ودور السينما، وعدم الالتزام باتفاقية المشتريات الحكومية التي تعطي الأولوية للمنتجات الوطنية في هذه المشتريات، وتطبيق المواصفات والمقاييس المعتمدة على جميع السلع المستوردة والمنتجة محلياً.

> ماذا عن الجانب المتعلق بالإغراق، خاصة أن التجار والمستثمرين لا يجدون فرقا بين الوضع في السابق قبل إصدار النظام وبعد صدوره؟

ـ صدر نظام مكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والحماية الوقائية الخليجي بداية 2004 ويتم حالياً الانتهاء من لوائحه التنفيذية لعرضها على لجنة التعاون التجاري والصناعي في دول المجلس وإقرارها. وهذا النظام من أهم الأنظمة ذات العلاقة بالاتفاقيات الأساسية الثلاث للمنظمة، وهي اتفاقية مكافحة الإغراق، واتفاقية الزيادة غير المسوغة في الواردات والحماية الوقائية، واتفاقية الدعم والتدابير التعويضية، ولقد صدر مرسوم ملكي بتكوين لجنة من الخبراء في مختلف الجهات برئاسة وزارة التجارة والصناعة للنظر في شكاوى الإغراق والدعم، والدفاع عن مصالح الشركات السعودية في الخارج ضد دعاوى الإغراق والدعم، وهناك أسس شفافة وواضحة في طرق معالجة هذه السياسات التجارية غير العادلة تشترط وجود مهمش الإغراق والضرر الناتج عنه وتطبيق العقوبات على الشركات العالمية طبقا للنظام ولوائحه التنفيذية. كما للدولة الحق في حسم هذه النزاعات عن طريق هيئة حسم المنازعات التجارية في المنظمة للاستفادة منه وحماية منتجاتهم الوطنية من المنافسات الضارة بأحكام التجارة الدولية.

> هل ستتأثر العمالة المنزلية والكفالات بعد الانضمام؟

ـ لا لن تتأثر. لأن العمالة المنزلية والكفالات لا تخضع حالياً لأنظمة واتفاقيات المنظمة.

> هل سيسمح للديانات الأخرى غير الإسلام بتوفير أماكن عامة لشعائرهم و ممارسة دياناتهم بالمملكة؟

ـ لا. لأن حرية الأديان لا علاقة لها بمنظمة التجارة العالمية.