احتمال رفع جديد لسعر الفوائد الأميركية وبقاء الاسترليني على وضعه الحالي

تقرير بنك الكويت الوطني بشأن أسواق النقد

TT

يبدو أن مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي كان يطير من دون طيار خلال السنة والنصف سنة الماضية ولم تثني التقلبات المختلفة التي حصلت خلال هذه الفترة سواء منها المتعلقة بإعصار كاترينا أو بارتفاع أسعار النفط أعضاء المجلس العشرة التابعين للجنة التي تقرر أسعار الفوائد، عن رفع أسعار الفوائد بمقدار ربع نقطة مئوية في كل من الاجتماعات الاثني عشر الماضية، إلا أن محاضر اجتماع اللجنة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي والتي تم الإفصاح عنها الأسبوع الماضي احتوت على مفاجئات أكبر مما تعود عليها مراقبو سياسة مجلس الاحتياط الفيدرالي، وقد جاء في محضر الاجتماع بلغة واضحة أن المجلس سيحتاج إلى رؤية أرقام اقتصادية في العام 2006 تبرر الاستمرار في نفس السياسة النقدية المتبعة. وأظهر المحضر بشكل مفاجئ أن بعض أعضاء اللجنة قد حذر من مخاطر المبالغة في عملية تقييد السياسة النقدية. إذاً ماذا يعني هذا الأمر بالنسبة للأسواق المالية؟ يعتقد كثير من الاقتصاديين أن المجلس سيقوم برفع أسعار الفوائد بنسبة 4.5% في الاجتماعين المتبقيين تحت رئاسة غريسبان، لكن أسواق العقود الآجلة راجعت من توقعاتها بالنسبة لمسار أسعـار الفـائدة في شـهر مـارس (آذار) من 4.75% سابقاً إلى 4.5% حالياً. هذا وقد يكون لهذا الأمر تأثيره على الدولار الأميركي إذ أن فروقات أسعار الفوائد كانت العامل الأساسي وراء تحرك العملات في الآونة الأخيرة. ومع تزامن هذا الأمر مع وجود دلائل على نية رفع أسعار الفائدة في كل من أوروبا واليابان، فقد يعني هذا تحولاً في الرهان على الدولار مما قد يضغط على العملة الأميركية في الأسابيع القادمة. أما أسواق الأسهم الأميركية فقد تتفاعل بشكل مختلف وتقضي الحكمة أن ترتفع هذه الأسواق إذا ما توقف رفع أسعار الفوائد، لكن أسواق الأسهم كانت ترتفع في الآونة الأخيرة رغم ارتفاع أسعار الفوائد المستمر، ويبقى أن نرى كيفية تفاعل هذه الأسواق مع تغير السياسة النقدية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي الأرقام الاقتصادية المهمة بالنسبة لمجلس الإحتياط الفيدرالي؟ والأرجح أن تكون أرقام الأسعار الاستهلاكية الأساسية التي تستثني السلع الغذائية والطاقة المتقلبة هي الأهم. ويبدو أن برنانكي من أنصار استخدام الأوراق المالية الحكومية المحمية من التضخم كمؤشر لقياس معدلات التضخم، كما يمكن أن يبقي المجلس تركيزه على توقعات الأسعار في مؤشر جامعة ميشيغان الاستطلاعي للثقة. وعلى صعيد آخر أشار برنانكي في رد مكتوب على أحد أعضاء مجلس الشيوخ الى أن أكبر التهديدات بالنسبة للاقتصاد الأميركي تبقي احتمال ارتفاع أسعار الطاقة وتأثيرها على معدلات التضخم العام واحتمال تباطؤ سوق العقار الأميركي. وكان مجلس المؤتمرين وهو مؤسسة أبحاث خاصة قد أعلن أن مؤشره الطليعي الذي يحاول أن يقرأ الأوضاع الاقتصادية المستقبلية قد ارتفع للمرة الأولى منذ شهر يوليو (تموز) إلى 0.9% في شهر أكتوبر (تشرين الاول) مقارنة مع هبوطه بنسبة 0.8% في شهر سبتمبر (ايلول) والذي نجم في معظمه من تأثيرات الأعاصير التي ضربت ولايات الخليج الأميركي. وكانت أرقام ثقة المستهلك الجيدة وانخفاض أسعار النفط عوامل مطمئنة الأسبوع الماضي لكن ارتفاع عدد طلبات إعانات البطالة التي ارتفعت لأعلى مستوى لها منذ شهرين يؤشر إلى أن سوق العمل الأميركي ما زال يحاول أن يجد طريقه. أما في أوروبا فقد أشار تقرير البنك الوطني إلى هبوط أحد مؤشرات قطاع الأعمال الهامة دون ما كان متوقعاً مما جعل العديد من المراقبين يعتقدون أن البنك المركزي الأوروبي قد حشر نفسه في الزاوية عقب تأكيد رئيسه تريشيه للأسواق أن البنك يخطط للانتهاء من سياسته النقدية التوسعية قريباً جداً. وكان معهد إيفو للأبحاث قد أعلن أن مؤشره الشهري لأجواء قطاع الأعمال وهو مؤشر يقوم على أساس استفتاء 7000 شركة قد هبط من 98.8 في شهر أكتوبر إلى 97.8 في نوفمبر. ومع أن هذا الهبوط لم يكن كبيراً إلا أنه يؤكد على هشاشة الأوضاع الاقتصادية في أوروبا كما أنه يدل على أن التحسن الكبير الذي شهدناه في هذا المؤشر الشهر الماضي ليس مؤشراً على حصول تحسن مستمر في هذا القطاع. ويبقى الطلب المحلي الضعيف أهم أسباب المعضلة الاقتصادية في أوروبا خاصة في أكبر اقتصادات الدول الأوروبية حيث أن احتضار المستهلك في ألمانيا ما زال عاملاً سلبياً يؤثر في النمو الاقتصادي هناك بينما معظم النمو في ألمانيا ناتج من قطاع الصادرات. وكان تريشيه قد حاول بجهد كبير أن يشرح للأسواق أخيرا أن البنك المركزي الأوروبي لا يخطط لسلسلة من رفع أسعار الفائدة، وقد تعرض لهجوم قوي من قبل عدة سياسيين أوروبيين حول هذا الموضوع وبالتالي فإنه سيكون المسؤول الأول والأخير فيما لو تعرضت منطقة اليورو للانزلاق نحو الكساد مرة أخرى. وكانت هناك مؤشرات بارزة الأسبوع الماضي على تدهور حالة الإنفاق الاستهلاكي في كل من فرنسا وألمانيا حيث أظهرت المؤشرات في البلدين على تراجع الإنفاق العائلي وتوقعت إحدى مؤسسات الاستشارة أن بائعي التجزئة سوف يواجهون أوضاعاً صعبة في مواسم أعياد الميلاد القادمة. أما بالنسبة لليورو فيبدو أنه يؤسس لعملية تصحيح صعودية بعد أن وجد له قاعدة عند المستويات المحققة في الآونة الأخيرة، ومع أننا لا يمكن أن نستبعد حدوث عمليات بيع أخيرة إلا أن المؤشرات التقنية تقترح احتمال أكبر لحدوث عمليات تصحيح في الأسابيع القادمة. اما في بريطانيا فلم تناقش لجنة السياسة النقدية موضوع خفض أسعار الفوائد في بريطانيا حسبما جاء في محاضر اللجنة الأخيرة، وصوت كافة أعضاء اللجنة التسعة على الإبقاء على أسعار الفوائد عند مستوى 4.5% وذلك للشهر الثالث على التوالي. ويبدو جلياً من هذه المحاضر أن بنك إنجلترا المركزي يتخذ موقف التريث والانتظار حتى الآن. بالإضافة إلى ما تقدم فقد صرح أجدد عضو ينضم إلى لجنة السوق المفتوح دايفيد والتون أن أسعار الفوائد ستبقى كما هي دون تغيير طالما بقيت معدلات التضخم أعلى من المعدل المستهدف من قبل الحكومة مما يؤكد على ثبات موقف هذه اللجنة حتى الآن. وكانت معدلات تضخم أسعار المساكن قد ارتفعت في شهر سبتمبر بأعلى مما كان متوقعاً لها موفرة بذلك برهاناً آخر أن سوق العقار في بريطانيا قد استجاب لخفض أسعار الفوائد في شهر أغسطس الماضي، وقد ارتفعت أسعار المساكن بنسبة 3.3% منذ أوائل العام وحتى شهر سبتمبر مقابل توقعات ارتفاعها بنسبة 3%. في هذه الأثناء، أدى انخفاض الطلب المحلي إلى هبوط طلبات المصانع البريطانية بأسرع مما كان متوقعاً في شهر نوفمبر حيث أفاد اتحاد الصناعة البريطاني أن 42% من المصانع لديه طلبات أقل من المعدل الاعتيادي وأن 17% فقط لديه طلبات أعلى من المعدل، ومع أن الفارق ما بين هذه الطلبات يبقى كما هو عليه عند مستوى ـ 25% كما كان في شهر أكتوبر إلا أنه أضعف مما كان متوقعاً عند مستوى 22% ـ وهذا دليل آخر على الصعوبة التي يواجهها القطاع الصناعي البريطاني في قدرته على الاستمرار في التحسن باستمرار.