تحرير التجارة العالمية يضيع في ضباب الأرقام قبيل اجتماع هونغ كونغ

وسط اتهامات بأنها جعلت الدول الفقيرة أكبر الخاسرين

TT

بكين ـ رويترز: يقول البنك الدولي ان تحرير التجارة السلعية قد يرفع مستوى الدخول العالمية بمقدار 461 مليار دولار بحلول عام 2015. وترد جماعة «كريستيان إيد» العاملة في مجال المعونات قائلة بأن تحرير التجارة كلف أفريقيا جنوب الصحراء 272 مليار دولار في السنوات العشرين الماضية. وهكذا فإن الجدل حول فتح الأسواق العالمية يثبت فقط أن هناك أكاذيب وأكاذيب بغيضة وإحصاءات.

لكن بعيدا عن ضباب الأرقام يعترف حتى المدافعون عن حرية التجارة في البنك الدولي بأن المكاسب التي تحققت من جولة الدوحة التي نظمتها منظمة التجارة العالمية بشأن تحرير التجارة ستكون متواضعة نسبيا.

وكانت العاصمة القطرية قد شهدت في نوفمبر(تشرين الثاني) 2001 اجتماعا وزاريا بحثت فيه موضوعات منها الزراعة والخدمات وتنفيذ الاتفاقيات القائمة آنذاك.

ويقول اقتصاديون في البنك الدولي انه إذا ألغيت كل التعريفات وأشكال الدعم المحلية المرتبطة بالتجارة السلعية بعصا سحرية، فان العالم سيحقق دخلا إضافيا قدره 287 مليار دولار سنويا بحلول عام 2015، يرتفع الى 461 مليار دولار اذا اعتبرت مكاسب الإنتاجية عاملا من العوامل.

لكن النتيجة المتحققة من جولة الدوحة ستكون أكثر تواضعا من السيناريو الافتراضي للبنك الدولي، فوجود صدع بين الدول الغنية والدول الفقيرة ومعارضة دول مثل فرنسا واليابان خفض الدعم الزراعي، يقوضان بالفعل الآمال في إقرار خطوط عامة بشأن اتفاق عالمي في المحادثات الوزارية التي تجري في هونغ كونغ في الفترة من 13 الى 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وتقدر كيم اندرسون والاقتصاديون الآخرون في البنك الدولي أن زيادة الدخول ستتراوح بين 96 مليار دولار و125 مليار دولار سنويا بحلول عام 2015. والرقم الاخير الذي يزيد قليلا على عائدات شركة النفط العملاقة اكسون موبيل في ثلاثة أشهر يعادل نحو 0.3 في المائة فقط من الدخل العالمي.

وكتب الاقتصاديون في تقرير حديث «من المحتمل أن يرى البعض هذه النتائج متشائمة اكثر من اللازم، وقد يرى آخرون أنها متفائلة اكثر من اللازم، ويؤيد كل طرف موقفه بحجج قوية». وأدت المنافع المتواضعة الى السؤال عما اذا كانت هناك مبالغة بشأن التحذيرات المشؤومة من فشل جولة الدوحة.

ومع هذا فان الفشل في إنهاء جولة المحادثات في موعدها المقرر في نهاية 2004 لم يمنع الاقتصاد العالمي من أن يشهد فترة من أقوى فترات النمو خلال أكثر من 30 عاما.

وقال روبرت هانتر ويد، أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد بجامعة لندن، في رسالة لصحيفة «فاينانشال تايمز» إن «النظام العالمي الراهن للتجارة والاستثمار أكثر تحررا من أي وقت مضى على مدى 75 عاما. وليس واضحا ما اذا كان جعل الاقتصاد أكثر تحررا سيحقق مكاسب اقتصادية كبيرة». ويرى آخرون أن هذا الرضى بالوضع القائم ينطوي على مخاطر. ويقولون ان انهيار جولة الدوحة سيعطي دفعة للقوى المعادية لحرية التجارة في وقت يؤدي فيه الضغط على الوظائف متوسطة الدخول في الغرب الى اشتعال رد فعل معاد للعولمة.

وقال باري ديسكر، مدير معهد دراسات الدفاع والاستراتيجية في سنغافورة في ورقة كتبها لهذا المعهد «ما دامت الضغوط قد تزايدت لإسناد الوظائف في قطاع الصناعة التحويلية وقطاع المعرفة لمراكز لديها نفس المستوى من المهارات لكن بتكلفة أقل بكثير، فمن المحتمل أن نرى أن هذه الجماعات تتحول عن الانفتاح الى المنافسة الدولية وتشجيع القبول المتزايد بالسياسة الحمائية». ويوافق ستيفن كينغ، كبير الاقتصاديين في بنك «إتش.إس.بي.سي» في لندن على أن تعرض الأجور للضغوط يجعل الدفاع عن حرية التجارة مهمة أصعب على الزعماء السياسيين.

وقال ان المعارضة السياسية الأميركية لاستحواذ شركة صينية على شركة يونوكال النفطية العاملة في كاليفورنيا ورفض الكثير من دول الاتحاد الاوروبي قبول عمال قادمين من أعضاء الاتحاد الجدد في وسط وشرق أوروبا علامات على المزاج الجديد.

وأضاف قائلا «ان خطر الارتداد الى السياسة الحمائية ضعيف لكنه ليس ضعيفا بالقدر الكافي». وتترقب الشركات محادثات منظمة التجارة العالمية خوفا من ان تؤدي هزيمة تلحق بالإطار المتعدد الأطراف الى مزيد من اتفاقيات تحرير التجارة على المستوى الإقليمي أو على المستوى الثنائي الحكومي. وستؤدي مجموعة القواعد المتشابكة في غير انتظام الى تقييد حركة الشركات العالمية.

وقال فيكتور فونغ، رئيس مجلس ادارة شركة «لي أند فونغ» ومقرها هونغ كونغ «قليل من الناس يدركون أن للاتفاقيات الثنائية نتائج مزعجة للغاية بالنسبة لشبكة الانتاج العالمية». وستمارس الدول القوية سلطتها اذا تحللت قواعد التجارة العالمية الى شبكة من التفضيلات. ولن يكون أمام الدول الفقيرة التي تفتقر الى قوة تفاوضية سوى القبول بشروط أشد صرامة مما يمكنها ان تتفاوض عليه تحت مظلة منظمة التجارة العالمية.

وذلك واحد من الأسباب التي تدعو خبراء التجارة ابتداء من باسكال لامي، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، الى القول بأن الدول الفقيرة ستكون من أكبر الخاسرين من فشل جولة الدوحة.

ولا ترى الدول النامية مكانا لها. ويقدر البنك الدولي أن ما يقرب من 70 في المائة من مكاسب التحرير الكامل للتجارة سيذهب الى الدول الغنية.

ومن المقدر أن ترتفع الدخول في الدول النامية بنسبة 0.8 في المائة في المتوسط. الا أن السماح للدول بإعفاء 2 في المائة فقط من تعرفتها الجمركية على المنتجات الحساسة سيضعف المكاسب من تحرير الزراعة وقد يزيد من الفقر في الدول الفقيرة حسبما تشير سيناريوهات البنك الدولي الأكثر واقعية. ويرجع السبب في ذلك الى أن 63 في المائة من المكاسب التي تتهيأ الدول النامية لجنيها من تحرير التجارة تأتي من قطاع الزراعة، بينما من المحتمل أن تضع الدول الغنية المنتجات الزراعية على أي قائمة للمنتجات الحساسة. ويساعد هذا الرقم بدوره على تفسير لماذا تكمن الخلافات بشأن سرعة سحب 280 مليار دولار تقدمها الدول الغنية سنويا لدعم مزارعيها في قلب الطريق المسدود الذي بلغته مفاوضات الدوحة.