خبير قانوني: السعودية ستكون حاضنة لاستثمارات ضخمة بعد الانضمام للتجارة العالمية

د. خالد النويصر يتحدث لـ"الشرق الأوشط" حول آثار الانضمام في ظل مسيرة الإصلاحات الاقتصادية

TT

سلط المحامي الدكتور خالد النويصر، الأضواء على الأبعاد القانونية لانضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية في حوار أجرته «الشرق الأوسط» معه في جدة، مشددا على أن النتائج الإيجابية لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلى الولايات المتحدة الأميركية، تكللت بانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية. وأوضح من ناحية قانونية، أن نظام فض المنازعات بين أعضاء منظمة التجارة العالمية، هو المرجع الأساسي لحل الخلافات وتوفير الثقة للنظام التجاري العالمي متعدد الأطراف، مشيرا إلى أن معاهدة نيويورك المتعلقة بتبادل الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الموقع عليها من قبل المملكة، تُعد إطاراً لحل كافة الخلافات التي يمكن أن تنشب بين البعض من رجال الأعمال السعوديين ونظرائهم الأجانب في الدول الموقعة على هذه الاتفاقية. وأبان الى ان المستجدات والتأثيرات التي ستنعكس على قضايا حقوق الملكية الفكرية والضمانات والإجراءات القانونية التي تقدمها المنظمة، حيال كافة انتهاكات تلك الحقوق، كما أشار إلى الانعكاسات القانونية على الصعيدين المحلي والدولي، التي ستصحب عملية انضمام المملكة لهذه المنظمة العالمية. وقدم النويصر بعض الإرشادات لرجال الأعمال السعوديين، من خلال وقوفهم على كافة الجوانب القانونية والاقتصادية، وغيرها قبل إقدامهم على أية نشاطات أو مشروعات اقتصادية مع رجال الأعمال أو الشركات الأجنبية.

> القارئ العادي يحتاج إلى نبذة عن الجانب القانوني لهذه المنظمة العالمية واتفاقيتها.. ما تعليقكم؟

ـ على الرغم من أن منظمة التجارة العالمية، هي الجهة التي تنظم وتحكم عمليات التجارة الدولية، إلا أنها تُعد كذلك إطاراً قانونياً مؤسسياً لنظام التجارة متعدد الأطراف، يبذل مساعيه في سبيل وضع وإرساء الالتزامات التعاقدية الأساسية المثلى، التي تحدد للحكومات الكيفية التي يتم على ضوئها صياغة وتنفيذ الأنظمة والضوابط التجارية، وإلى جانب ذلك يمكن اعتبار المنظمة المعنية منتدىً عالمياً يأخذ على عاتقه تطوير العلاقات التجارية بين الدول، من خلال تلاقح الرؤى والمفاوضات والأحكام القضائية للمنازعات التجارية.

وتُعد اتفاقية منظمة التجارة العالمية، عقداً ملزماً يضم عدداً من الدول وتشتمل الاتفاقية على (38) مادة، إلى جانب مجموعة أخرى من القوانين المكملة والملحقة بالاتفاقية والتي ترتكز على عدة محاور أساسية أهمها:

1ـ القواعد التي اتفقت عليها كافة الأطراف لتنظم وتحكم العملية التجارية بين الدول.

2ـ ملتقى دولي عام وجامع للمفاوضات التجارية.

3ـ محكمة دولية يمكن من خلالها تسوية الكثير من النزاعات التجارية التي قد تنشب بين الدول الموقعة على اتفاقية المنظمة. أما الهيئة الرئيسية لاتفاقية منظمة التجارة العالمية، فتسمى جمعية الأطراف المتعاقدة، كما أن للاتفاقية مجلساً للنواب مناط به معالجة المسائل الروتينية والأمور المستعجلة التي تعرض عليه خلال العام، أما المسائل والقضايا الفردية الأخرى، فهي من صميم اختصاص لجان حل المنازعات التي تقوم بدراستها والتوصية بشأنها بما تراه من حلول وأحكام لمجلس النواب. وتتمحور أبرز أهداف اتفاقية هذه المنظمة الدولية في العمل على توفير بيئة مستقرة وسليمة للتجارة الدولية، مع السعي لتحريرها من كافة قيودها على اعتبار أن وجود البيئة الملائمة لانطلاقة التجارة الدولية، سوف يدفع بلا شك من وتيرة ازدهار الاقتصاد العالمي، إلى جانب أن المرتكزات التي قامت عليها اتفاقية المنظمة الدولية، تعتبر أن أنظمة الحماية الجمركية وسياسات الدعم وإغراق الأسواق بالبضائع زهيدة الأسعار، ما هي إلا عوامل تقف حجر عثرة أمام عملية تنمية وازدهار التجارة العالمية، ومن هذه الزاوية تركز اتفاقية المنظمة جهدها على إزالة مثل هذه العوامل المعوقة لانطلاقة التجارة الدولية.

> في رأيكم، ما هي أبرز الخطوات الإصلاحية القانونية التي اتخذتها المملكة، والتي أهلتها للانضمام لهذه المنظمة العالمية؟

ـ المملكة تسير على مبدأ الاقتصاد الحر والمنافسة العادلة، وهي من أهم مبادئ المنظمة الدولية، وعلى ضوء ذلك اُتخذت عدة خطوات إصلاحية كبيرة، كان من أهمها على سبيل المثال لا الحصر، إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى، وتأسيس الهيئة العامة للاستثمار وغيرها من الكثير من الهياكل الاقتصادية الكبيرة والفعالة، أعقبها إصدار الكثير من الأطر القانونية العملية كإصدار نظام السوق المالية وإصدار النظام الجديد للاستثمارات الأجنبية، الذي فتح الباب أمام حرية تدفق رؤوس الأموال الأجنبية للمملكة، وأعطى المستثمرين الأجانب امتيازات كثيرة، إلى جانب تعديل الكثير من الأنظمة التجارية الأخرى.

كما تمت عملية تخصيص بعض شركات القطاع العام وتخفيض ورفع الدعم عن الكثير من السلع، وتخفيض التعرفة الجمركية وغيرها من الكثير من الإجراءات القانونية والاقتصادية المهمة، وما زالت هنالك خطوات كثيرة لاحقة يتوقع أن تتم، ولكن يؤمل التسريع فيها.

وواكب هذه الخطوات الكبيرة صدور العديد من الأنظمة التي تنظم وتحكم إطار عملها. ورغم أن لهذه الإصلاحات شقاً اقتصادياً، إلا أنها تعتبر خطوات إصلاحية قانونية، ذلك أن الجانبين الاقتصادي والقانوني، هما في نهاية المحصلة، وثيقا الصلة ومكملان لبعضهما البعض، بل أنهما وجهان لعملة واحدة. > ما هي المرجعيات التي تحتكم إليها الدول الأعضاء في حال نشوب النزاعات بينها؟ وما هي أهم المراحل القانونية لحل تلك النزاعات؟

ـ طبقاً لما نص عليه التفاهم على القواعد والإجراءات التي تحكم فض المنازعات التجارية بين أعضاء المنظمة العالمية، فإن نظام فض المنازعات فيها هو المرجع الأساسي لحل الخلافات وتوفير الثقة للنظام التجاري متعدد الأطراف. ويلتزم أعضاء المنظمة العالمية بعدم اتخاذ أي إجراء من طرف واحد، ضد ما يمكن أن يُعتبر إخلالاً في قواعد التجارة، ويحتكمون إلى ذلك النظام ويقبلون بقواعده وأحكامه وقراراته.

ويمتلك جهاز فض المنازعات وحده السلطة لتأسيس هيئة لحسم المنازعات، وتبني قرارات الهيئة وتقارير الاستئناف ومتابعة تنفيذ القرارات والتوصيات واعتماد أي إجراء في حال عدم تنفيذ تلك التوصيات. وتهدف آلية فض المنازعات للتحقق من الحل الإيجابي للخلاف وتشجيع الوصول إلى حل مرضٍ للمشكلة من قبل الطرفين، بحيث يكون منسجماً مع شروط المنظمة. أما أهم المراحل القانونية لحل تلك النزاعات، فتبدأ بالمرحلة الاولى المتعلقة بالمشاورات الثنائية بين الطرفين المتنازعين، وفي حال الفشل وبموافقة الطرفين، يُرفع النزاع للأمين العام للمنظمة لبذل مساعي التوفيق والوساطة بين الطرفين. وفي حال فشل المشاورات في الوصول إلى حل بعد 60 يوما، فيستطيع المدعي الطلب من جهاز فض المنازعات تأسيس هيئة لفحص تلك الحالة، ويكون تأسيسها تلقائياً ويتم تحديد أعضائها واختصاصاتها بطريقة مباشرة، فمن خلال التفاهم يتم تحديد تلك الاختصاصات التي تعمد الهيئة بفحص الإدعاء على ضوء الاتفاقية المعنية، والقيام بالاستنتاجات التي تعين جهاز فض المنازعات. > في حال نشوب خلافات تجارية بين بعض رجال الأعمال السعوديين ونظرائهم الأجانب، ما هي في رأيكم المرجعيات والآليات التي يمكنها الفصل في تلك الخلافات؟

ـ كما تعلم فإن معاهدة نيويورك المتعلقة بتبادل الاعتراف، وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية والموقع عليها من قبل المملكة، منحت نوعاً من الثقة والارتياح للمستثمرين الأجانب إلى جانب الفوائد القانونية الأخرى لرجال الأعمال السعوديين، فقد ساعدت في إيجاد الآليات الكفيلة بحل كافة الخلافات، التي يمكن أن تنشب بين البعض من رجال الأعمال السعوديين ونظرائهم في الدول الموقعة على هذه الاتفاقية للفصل في النزاعات التجارية، استناداً على المواد المضمنة فيها، والتي اتفق الأطراف في العقود المبرمة بينهم، على إحالة النزاع للتحكيم الدولي.

وأزالت هذه الاتفاقية إلى حد كبير، الضبابية التي كانت سائدة لدى الكثير من رجال الأعمال الأجانب، والتي كانت قائمة على أساس أن حكم التحكيم الأجنبي غير قابل للتنفيذ في المملكة، لعدم وجود الأساس القانوني، الذي يكفل هذا التنفيذ، وفي الجانب الآخر، فإن توقيع المملكة على هذه الاتفاقية، قد أعطى الحق لرجال الأعمال السعوديين في تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة ضد الأطراف الغير سعوديين من الدول الموقعة على اتفاقية نيويورك المُشار إليها.

> هنالك مسائل تتعلق في جانب حقوق الملكية الفكرية في رأيكم ما هي المستجدات والتأثيرات التي ستنعكس على هذا الجانب، بسبب انضمام السعودية للمنظمة العالمية؟

ـ بالطبع فإن المسائل الخاصة بحقوق الملكية الفكرية ستتأثر بدرجة كبيرة بعد انضمام المملكة للمنظمة العالمية، إذ ستكون هنالك تأثيرات مباشرة لتطبيق بعض الأنظمة الخاصة، التي تعمل بها الشركات العالمية في هذا الجانب، كتطبيق أنظمة براءة الاختراع والعلامات التجارية بشكل أكثر فعالية على الشركات المحلية التي ستسعى حتماً إلى التعاون مع الشركات العالمية، في سبيل وصولها للأسواق العالمية، فاتفاقية المنظمة العالمية تحث على توقيع اتفاقيات موسعة في مجالات براءات الاختراع وحقوق الطبع والتصاميم الصناعية وغيرها وإعطاء مهلة من الوقت للدول النامية لوضع هذه الأسس حيز التنفيذ.

ما دام الحديث عن حقوق الملكية الفكرية هناك انتهاكات كبيرة لحقوقها على مستوى العالم، وبخاصة الدول النامية، في رأيكم ما هي الضمانات والإجراءات القانونية التي تقدمها المنظمة حيال تلك الانتهاكات؟

ـ تحدد اتفاقية المنظمة في الجزء الثالث منها، التزامات الأعضاء المتعلقة بتأمين الإجراءات والتعويضات في إطار القوانين المحلية للتحقق من التقيد بتنفيذ حقوق الملكية الفكرية، وهناك جوانب تعويضية وإدارية ومدنية محددة بالاتفاقية، تتضمن تقديم الأدلة والإجراءات المشروطة والأوامر القضائية، إلى جانب التعويضات والجزاءات التي تمنح السلطات القضائية الحق بطلب اتلاف وإبادة المواد والسلع المنتهكة لحقوق الملكية الفكرية، كما يقع على أعضاء المنظمة تأمين إجراءات جزائية وعقوبات مناسبة في حالات مثل تزييف العلامات التجارية وانتهاكات حقوق الطبع وغيرها، وتتضمن تلك العقوبات السجن أو الغرامة المالية للأفراد أو كلتا العقوبتين معاً، منعاً لتلك الانتهاكات وغيرها من الكثير من الجزاءات الهادفة للحفاظ على حقوق الملكية الفكرية. وقد بذلت المملكة جهوداً كبيرة في سبيل حماية حقوق الملكية الفكرية، وقبل انضمامها لمنظمة التجارة العالمية أبرزها إصدار نظام متكامل لحماية هذه الحقوق من الانتهاكات إلى جانب الحملات التي قامت بها الجهات المختصة لملاحقة منتهكي هذه الحقوق.

> ما يهم المواطن السعودي هي الفوائد التي سيجنيها من وراء ذلك الانضمام فما هي؟ ـ بالتأكيد ستنعكس آثار الانضمام على المواطن في كل المجالات، ففي قطاع البتروكيماويات مثلاً، يُتوقع أن تكون هنالك استثمارات عالمية كبيرة، كما أن هنالك مكاسب عديدة، ستنجم بلا شك لدى فتح الاسواق العالمية أمام المنتوجات السعودية، إلى جانب عملية السعي لتنويع مصادر الدخل وخلافه، أما قطاع الخدمات على سبيل المثال لا الحصر، فسيكون هنالك تحسن واضح وملموس في قطاع الخدمات المقدمة للمواطن بصفة عامة، لا سيما من حيث انخفاض أسعارها وجودتها وتعدد أنواعها المقدمة إليه، فالأفراد سيحصلون على جودة في السلع المعروضة لهم وبأسعار تنافسية. وعلى الرغم من أن المملكة اتخذت العديد من الخطوات القانونية المتمثلة في إصدارها للعديد من الأنظمة وخلافها، سعياً منها للانضمام للمنظمة، إلا أن الانضمام هو في حد ذاته وسيلة وليس غاية، لذا فمن المأمول أن يتم تطوير وتفعيل هذه الأنظمة، وصولاً للمزيد من الشفافية التي سيجني ثمارها المواطن في نهاية المطاف. > ما هي في رأيكم التداعيات السلبية التي يمكن أن تلقي بظلالها على عملية انضمام المملكة لهذه المنظمة العالمية؟ ـ لا شك أن كل خطوة كبيرة، لا بد أن يكون لها جانب مشرق وإيجابي، إلا أن هنالك العديد من التداعيات والآثار الجانبية، التي يمكن أن يكون لها تأثير على الكثير من الأصعدة، فاقتصادات السوق الحر، وما يستصحبها من تطبيقات بالطبع لها بعض الآثار الطارئة، وقضايا مثل التوظيف وغيرها لا بد أنها ستتأثر، إلى جانب تاثيرات العولمة في هذا الجانب، ثم هنالك النزاعات التجارية التي يمكن أن تنشب بين بعض الشركات الوطنية والعالمية، كما أن تطبيق أنظمة براءات الاختراع سيؤدي إلى زيادة أسعار المنتجات الأدبية والفنية، إلى جانب أن تطبيق سياسات الحد من الإغراق، ورفع الدعم عن السلع ستؤثر في أسعار هذه السلع، ولذلك يُتوقع أن يتأثر العديد وبالذات المنشآت الصغيرة بدرجة أكثر من غيرها، إذ ربما تؤدي تداعيات الواقع الجديد إلى نشوب الكثير من الخلافات، خاصة بين الأفراد والشركات الذين ليست لهم المرونة الكافية لاستيعاب هذه المتغيرات والتأقلم معها مما سينتج عن ذلك عدم إيفاء هذه الجهات بالتزاماتها تجاه الآخرين أو العاملين فيها، ولكن هذا واقع لا بد من التكيف والتعامل معه وقبوله، فالبقاء للأصلح في ظل سياسة اقتصاد السوق الحر.

> ما هي الانعكاسات القانونية على الصعيدين المحلي والأجنبي التي يمكن أن ستصحب عملية انضمام المملكة لهذه المنظمة الدولية في رأيكم؟

ـ بلا شك، ستصحب عملية الانضمام انعكاسات كثيرة، فعلى الصعيد المحلي، يُتوقع أن تصدر وتُعدل العديد من الأنظمة وبشفافية أكبر ليست في موادها فحسب، وإنما في آليات تطبيقها أيضاً تقابلها تشريعات جديدة من المنظمة الدولية في هذا الإطار. وبالنسبة لرجال الأعمال والشركات السعودية، يتوقع أن يتوخوا الإلمام والوقوف على الأبعاد والأنظمة القانونية، قبل إقدامهم على أية نشاطات اقتصادية خارجية، وبالنسبة لصادراتنا الوطنية لا بد أن يكون هنالك وعي للأطر والأنظمة التي تحكم السوق العالمية، وفي المقابل فإن الشركات الأجنبية لن تقدم على أية خطوة اقتصادية، متى شعرت أن هنالك ضبابية فيما يتعلق بحقوقها، الأمر الذي سيدفعها لمعرفة الأنظمة الوطنية، سواءً في المرحلة السابقة لتعاقداتها أو عند نشوب النزاعات التجارية، حرصاً منها على كسب السوق السعودية، وزيادة حجم حركتها الاقتصادية فيها، إلى جانب أنه ستنشط قضايا بعينها مثل التحكيم التجاري وقضايا الملكية الفكرية وغيرها.