انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية.. مكاسب حالية وتحديات مستقبلية

TT

أثبتت الدراسات أن الاقتصادات المفتوحة تتفوق على المغلقة، وان الأسلوب الأنسب للتعامل مع تحديات هذا العصر هو التكتلات والاندماج في المنظومة الدولية. نتائج هذه الدراسات تتناغم مع تقرير أصدره البنك الدولي حول الشرق الأوسط تحت عنوان «التعاطي مع العالم»، مفاده أن الطريقة الأنسب التي يمكن لدول المنطقة اتباعها لمواجهة تحدي خلق فرص العمل هي تعجيل اندماجها التجاري والاستثماري في العالم. ويسلط التقرير الضوء على أن ازدياد الصادرات غير البترولية ووجود مناخ استثماري أفضل من شأنهما أن يزيدا بشكل كبير الاستثمار المحلي الخاص في السلع والخدمات المتاجر فيها، فضلا على ان تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة قد يرتفع ليصبح خمسة أو ستة أضعاف. وبما أن العالم تحول إلى قرية صغيرة فإن التقوقع والانغلاق وسيلة ناجحة على المدى القصير والقصير جدا، ولكن لنتائج إيجابية على المدى الطويل فإنه لا مفر من الاندماج والانخراط في المنظومة الدولية لتصبح جزءا منها. وبالتالي فإن انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)، التي تقوم بالإشراف على ادارة النظام التجاري العالمي الهادف إلى تحرير التجارة الدولية وإزالة العوائق الجمركية وتنقل السلع بسلاسة وتأمين حرية السوق، يعتبر خطوة مهمة لنتعايش مع الآخر سواء اقتصاديا أو فكريا ولنكون عضوا فعالا في الاقتصاد الدولي. وفي اعتقادي فان هذه المنظمة، التي افرزها النظام العالمي الجديد، مساهمة في إرساء الأمان والثقة للمصدرين والمستوردين وذلك بسبب الأنظمة والقوانين الشفافة الملزمة قانونيا والتعرفات المقيدة، المدعومة بتشريعات ملزمة لتسوية النزاعات. كما ان لوجود هذا النظام تأثيرا وقائيا استباقيا، إذ انه يجعل الحكومات تفكر أكثر من مرة قبل التدخل جزافا في السياسة التجارية لتحقيق مكاسب سياسية على المدى القصير أو لاستخدام السياسة التجارية كأداة لإحراز أهداف أخرى في سياستها الخارجية. إن انضمام السعودية لم يكن مهمة سهلة، فقد استغرق الامر 12 سنة من المفاوضات شهدت أخذاً وعطاءً. وكانت مفاوضات الغاز آخر العقبات حيث عملت بعض الدول الأوروبية على عرقلة انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية، كون بعض الدول الأوروبية تطالب بتحديد أسعار الغاز وأن لا تكون الأسعار تفضيلية، ولكن دور الفريق المفاوض، وخصوصا الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز مساعد وزير البترول والثروة المعدنية الذي تمكن من إقناع الدول التي تم التفاوض معها بسياسة تسعير الغاز التي تتبعها السعودية في ما يتعلق بسوائل الغاز والتي تعتمد على أسس تجارية تتوافق مع متطلبات المنظمة، دورٌ أساسي في تجاوز هذه العقبة.

وبلا شك إن لهذا الانضمام فوائد ملموسة حيث سيساهم في تنشيط القطاع الخاص، ويحقق التنوع في الاقتصاد المحلي، كما انه يساعد على تأمين مزيد من فرص العمل لليد العاملة المتنامية، فضلا على أنه سيجعل البيئة الاقتصادية أكثر إغراء للاستثمار فيها وأكثر ديناميكية وفعالية. وعلاوة على ذلك، ستستفيد الصناعات المنتجة للسلع من تزوّدها بمواد أرخص ثمنا وذلك من خلال تذليل معوقات تنمية الصادرات السعودية غير النفطية وبصفة خاصة صادرات البتروكيماويات واتخاذ اجراءات مضادة للإغراق. اضافة الى ذلك فان المستهلك من أكثر المستفيدين من هذا الانضمام حيث ستتوفر خيارات أكبر أمامه من السلع والخدمات بأسعار أكثر انخفاضا وجودة أعلى.

وعلى الجانب الآخر هناك تحديات ستواجه السعودية على اثر هذا الانضمام، فالمنافسة ستزداد للمنتجات الوطنية وذلك بسبب توفر المنتج الأجنبي بأسعار منافسة وجودة عالية، وتخفيض الإعانات والدعم سيؤثر على المنتجات المدعومة من الحكومة وسيقلل من إنتاجها، ومن أكثر القطاعات التي ستتأثر سلبا من هذا الانضمام قطاع الخدمات حيث سيؤدي فتح المجال للاستثمارات الأجنبية إلى زيادة حدة المنافسة على نحو تدريجي في ظل دخول الشركات الأجنبية، وهذا يتطلب استعدادا فكريا وتقنيا للمنافسة.

كي نتجاوز تحديات الانضمام، ونستفيد من مكاسبه، علينا أن نستمر في الإصلاح والتطوير لننزع الفكر التقليدي وإحلاله بفكر غير نمطي وذلك عن طريق تنمية العقول البشرية عن طريق الندوات والمؤتمرات المتخصصة في آثار هذا الانضمام وانعكاساته على الفرد والأنشطة الاستثمارية.

كما ان علينا أن نعد العدة بتنمية الكفاءات البشرية عن طريق التدريب والمتابعة الدورية لمخرجات التعليم ومناسبتها لسوق العمل. وإنْ كنا اتفقنا على أن مسيرة الانضمام ساهمت في تطوير الأنظمة والتشريعات القانونية بالسعودية، فإن هذا لا يكفي، فوتيرة التطور التجاري والحراك الاقتصادي الدولي تتسارع، وهذا يدفعنا إلى مزيد من الإصلاح حيث لا يمكن جني ثمار فوائد التجارة الحقيقية إلا إذا رافقتها إصلاحات داخلية.

* باحث اقتصادي سعودي ـ لندن [email protected]