57% من رجال الأعمال السعوديين يحجمون عن الاستثمار بسبب النظم والتشريعات الحكومية

TT

يلقي سليمان المنديل، عضو اللجنة المنظمة لمنتدى الرياض الاقتصادي، الضوء على ما وصفه بالتحدي الكبير الذي سيواجه الاقتصاد السعودي في الفترة المقبلة والذي يتمثل في قدرته على التكيف والتطور مع متطلبات الاقتصاد العالمي ومتغيراته إلى جانب إيجاد موقع للسعودية على خريطة التنافسية العالمية، مشيرا الى أن ذلك يتطلب إصلاح بيئة الاستثمار المحلي وتطوير الأدوار والعلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص من خلال استراتيجيات جديدة.

ويصل المنديل، في دراسة له يطرحها على طاولة منتدى الرياض الاقتصادي الذي ينطلق غدا الأحد في العاصمة السعودية وتنشرها «الشرق الأوسط»، الى أن أهم المشاكل التي تعترض تنمية تطوير العلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص تقع تحت أربعة محاور رئيسية؛ أولها الأمن والقضاء والنظم والتشريعات الحكومية، إذ أشارت الدراسة إلى أن 57 في المائة من رجال الأعمال أحجموا عن الاستثمارات بسبب صعوبات تتعلق بتطبيق اللوائح والنظم والتشريعات الحكومية. يلي ذلك محور العلاقات الاتصالية بين موظفي الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص، يليه قضية التخصيص ثم أداء القطاع الخاص نفسه. ويشير المنديل في دراسته إلى أن 80 في المائة من المستثمرين أفادوا بأن تكلفتهم التشغيلية قد ارتفعت عن نظيرتها منذ خمس سنوات بسبب ارتفاع معدلات الجريمة والسرقة وزيادة تكلفة الحراسة والأمن لممتلكاتهم وأصولهم، كما يعتقد 61 في المائة منهم أن السلطات الأمنية لا تحميهم بالقدر الكافي، في حين أن 85 في المائة من رجال الأعمال أكدوا أن هناك صعوبة في التوقع بالإجراءات والأحكام القضائية، وقال 83 في المائة منهم إن إجراءات المحاكم بطئية جداً. وبحسب الدراسة أوضح المستثمرون أن عائق «الأمن والقضاء والنظم والتشريعات الحكومية» ولوائح ونظم العمالة، يمثلان أكثر العوائق خطورة على البيئة الاستثمارية في السعودية وهما محل رفض من قبل رجال الأعمال، في الوقت الذي تطابقت فيه شكوى رجال الأعمال من صعوبة التوقع بالإجراءات القضائية وبطئها وعدم كفاية الإجراءات الأمنية مع نتائج تقييم وضع السعودية بالمعايير الدولية استناداً لمؤشر سيادة القانون. وبينت الدراسة أن 80 في المائة من رجال الأعمال يعتقدون بوجود فجوة اتصالية كبيرة تؤثر على بيئة الاستثمار، وأن هذه العلاقة ازدادت سوءاً عما كانت عليه منذ خمس سنوات، وان هناك مشكلة في التعامل مع موظفي الأجهزة الحكومية في الفروع خارج العاصمة بسبب المركزية وعدم تفويض الصلاحيات لمديري الفروع. وكشفت الدراسة عن تذمر سيدات الأعمال من المعاملة التمييزية ضدهم في الأجهزة الحكومية وعدم قدرتهن على التعامل المباشر والميسر مع المسؤولين، ويمثل التعامل من خلال المعقبين أكبر دليل على التعقيدات الروتينية الإدارية وعدم نجاح الأفراد من أصحاب المصلحة في التعامل مباشرة مع الأجهزة الحكومية بسهولة ويسر. وذهبت الدراسة إلى اتفاق شكاوى رجال الأعمال من حيث عدم شفافية الإجراءات والاتصالات مع الأجهزة الحكومية والتي تؤدي إلى انتشار الفساد المالي والإداري مع نتائج مؤشر الضبابية.

ونقلت الدراسة إفادة 77 في المائة من رجال الأعمال بأنهم يلجأون إلى طرق ملتوية لإنهاء أعمالهم بسبب الفساد المالي والإداري في الأجهزة الحكومية، إذ أفاد 56 في المائة منهم أنهم يلجأون للواسطة، وأفاد 35 في المائة بأنهم يلجأون إلى أساليب أخرى بينها الرشوة، في حين تتسبب التعقيدات الروتينية والبيروقراطية الموجودة في الأجهزة الحكومية في قضاء الإدارات العليا للشركات 27 في المائة من وقتها في إنهاء مشاكل مراجعة الأجهزة الحكومية وهو ما يؤثر على وقتها المخصص للإنتاج والتشغيل والتسويق.

وتبين من الدراسة أن 55 في المائة من المسؤولين الحكوميين لا يعلمون بدقة حجم القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي أو تشغيل العمالة، كما أن أكثر من ثلثي هؤلاء المسؤولين لا يعتقدون بوجود أهمية لعقد لقاءات دروية مع رجال الأعمال، الأمر الذي يعكس غياب الرغبة في التواصل مع القطاع الخاص والتفاعل معه، فضلاً عن محدودية نسبة تمثيل القطاع الخاص 20 في المائة فأقل في مجالس اتخاذ القرارات الاقتصادية في هيئة السياحة والمؤسسة العامة للموانئ والهيئة العامة للاستثمار وعدم تمثيله في صندوق التنمية الصناعية السعودي وصندوق التنمية العقارية ومجلس التعليم الأعلى وهيئة سوق المال، مما يؤدي لصعوبة توقع المستثمرين التغيرات في اللوائح والنظم وتخوفهم من التغيرات المهمة فيها.

وتكشف الدراسة عن شكوى القطاع الخاص من بطء سير برنامج الخصخصة بسبب عدم وجود جهة أو جهاز متخصص ومستقل عن الأجهزة الحكومية ومتفرغ لمتابعة سير العمل في تنفيذ استراتيجية التخصص، وعدم وجود آلية تنفيذ محددة ببرنامج زمني، إلى جانب تباطؤ الدوائر الحكومية المرشحة للتخصيص في الاستجابة لطلبات توفير المعلومات والبيانات الفنية لوجود تعارض مصالحها مع أهداف التخصيص، في حين يوافق 80 في المائة من رجال الأعمال على أن القطاع الخاص لا يتبنى الكفاءات السعودية الشابة ولا يمول تكاليف دراسات جامعية أو بحوث تطويرية أو برامج تدريبية. وتكشف الدراسة عن إفادة 77 في المائة من رجال الأعمال بأن النزعة الفردية هي المسيطرة على المشتغلين بالقطاع الخاص وأنهم يقاومون التوجه نحو التكتل والاندماج وهو ما يحرمهم من ميزة الاستفادة من وفورات حجم الإنتاج الكبير والتي تنعكس في خفض تكلفة الوحدة المنتجة وزيادة المقدرة التنفاسية للسلع والخدمات المحلية. كما أفاد 62 في المائة من رجال الأعمال بأن مؤسستي الكيانات الاقتصادية الكبيرة في السعودية لا يعدون أبناءهم لتولي المسؤولية من بعدهم وهو ما يعني اندثار هذه الكيانات بمرور الزمن، كما وافق 72 في المائة من أفراد العينة بأن القطاع الخاص يتحمل جزءاً من المسؤولية في قضايا الفساد المالي والإداري ولكنهم يعزون ذلك للضغوط التي يتعرضون لها من قبل موظفي الأجهزة الحكومية.

وأوصى المنديل في دراسته بضرورة سرعة تنفيذ الاتفاقية المبرمة بين الهيئة العامة للاستثمار والأجهزة الحكومية المختلفة والخاصة بتذليل عوائق الاستثمار التي عرضت في منتدى الرياض الاقتصادي الأول، وأكدتها نتائج الدراسة الحالية مع ضرورة وضع برنامج زمني محدد للانتهاء من أو التغلب على هذه المعوقات.

كما ضمت الدراسة توصية بتعزيز وتعميق سياسة اللامركزية الإدارية بالأجهزة الحكومية الرئيسية وتفويض الصلاحيات لمديري الفروع التابعة لها، والعمل على إنشاء مراكز خدمة شاملة تقدم للحلول لسيدات الأعمال في مكان واحد، ورفع نسبة تمثيل القطاع الخاص في المجالس ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي إلى 50 في المائة كحد أدنى.

كما أوصت الدراسة بالعمل على تحسين إدارة التخصيص على المستويين السياسي والتقني بإسنادها لكيان مؤسسي مستقل ومتفرغ ويرتبط بأعلى سلطة تنفيذية في الدولة كما هو الحال في ماليزيا، والحرص على توفير الشفافية الكاملة في عمليات الخصخصة أمام القطاع الخاص مع تفعيل الأنظمة المتعلقة بتعزيز المنافسة ومنع الاحتكار وحماية المستهلك.

وختمت الدراسة توصياتها بالتأكيد على ضرورة قيام الغرف التجارية الصناعية بمختلف المناطق السعودية بتوعية منتسبيها بأهمية وضرورة المساهمة في بحوث التطوير لتحسين أداء منشآتهم وقدراتهم التنافسية من خلال مناقشة مشاكل الصناعة الواحدة وتمويل الأبحاث التطويرية.