الغاز الطبيعي يهدد موقع النفط كمصدر أول للطاقة في العالم

يزيد استهلاكه بنسبة 70 في المائة بحلول 2020

TT

وقعت السعودية عدة عقود دولية، وقامت بتنفيذ مجموعة من المشاريع العملاقة الخاصة بزيادة إنتاجها واحتياطياتها من الغاز ولا تزال، فقد وقعت شركة «أرامكو» السعودية مؤخراً، عقداً لتجميع الغاز الطبيعي المسيل من معمل غاز الحوية شرق السعودية مع مجموعة «تيكنيكاس ريونيداس» الأسبانية في مقر الشركة بالظهران على أن تقوم المجموعة الأسبانية بتصميم وإنشاء مشروع توسعة معمل الغاز بالحوية لتزيد قدرته الإنتاجية بما يصل إلى 800 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز يومياً من لقيم البتروكيماويات. وستصل هذه الزيادة بمجموع إنتاج المعمل إلى 2.4 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم. ويأتي التحرك السعودي نحو زيادة الطاقة الانتاجية والاحتياطات المثبتة من الغاز ضمن حركة دولية من شركات نفط عملاقة في العالم تستفيد من الطلب المتزايد على هذا المصدر النظيف من الطاقة، خصوصاً أن أسعاره واتساع دائرة استخداماته باتت مشجعة لمزيد من الاستثمارات المربحة. ويعد الغاز الطبيعي أسرع مصدر أولي للطاقة نمواً في العالم، حسب تقرير وكالة الطاقة الدولية لعام 2005. ويقول التقرير أن استهلاك الغاز الطبيعي سوف يرتفع بنسبة 70 في المائة بحلول عام 2020 بحيث يأتي معظم الطلب من الدول النامية في الشرق مثل الهند والصين ودول شرق أوروبا. وقد بلغت الاحتياطات العالمية من الغاز الطبيعي في بداية هذا العام حوالي 6.5040 تريليون قدم مكعب قياسي. ومن حيث جغرافيا الغاز، فإن ثلاثة أرباع هذه الاحتياطات العالمية موجودة في الشرق الأوسط ودول الاتحاد السوفيتي السابق حيث أن قطر وإيران وروسيا يشكلون الآن 58 في المائة من هذه الاحتياطات، وذلك بدون حساب السعودية التي نمت فيها الاحتياطات خلال العام الماضي بنسبة اثنين في المائة (4 ترليون قدم مكعب قياسي)، وهي مجمل الزيادة التي حققتها منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لاحتياطات الغاز خلال عام. وتبلغ الاحتياطيات القياسية من الغاز لدى السعودية حسب آخر الأرقام حوالي 235 تريليون قدم مكعب وهو ما يشكل 4 في المائة من الاحتياطي العالمي.

ويعرف بعض المراقبين الغاز بأنه «فارس على ظهر جواد أخضر»، بسبب نظافته وما يتمتع به من ميزات بيئية وبسبب مكانته كوقود مثالي في توليد الكهرباء عن طريق شبكات دوامات الغاز ذات الدورة المجمعة. وطالما ظل المنتجون والموردون قادرين على توفير كميات كبيرة من هذه الزيادة فسوف تنتعش الآمال العالمية بخصوص الغاز الطبيعي، إلى درجة أنه قد يهدد قوة التأثير التي يتمتع به النفط الخام، خاصة بعد أن استطاع الغاز الاستقلال عنه بتطور القدرة التقنية على استكشاف الغاز (غير المصاحب) للنفط وإنتاجه وتسويقه.

وبعد أن كان الغاز الطبيعي المصاحب للنفط الخام، وحتى بداية السبعينيات من القرن الماضي يتم إهداره بالكامل أثناء عمليات الإنتاج أو التكرير، فإنه بات اليوم البديل الأهم للنفط خاصة بعد ظهور مؤشرات دولية عن بداية نضوب النفط وهبوط معدلات إنتاجه من مواقع مهمة مثل الولايات المتحدة وبحر الشمال مع وجود إشارات مماثلة تبشر بارتفاع سريع في استهلاك واستكشاف الغاز. فقد ازداد الطلب العالمي على الغاز خلال العشر السنوات الماضية من 190 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم إلى اكثر من 235 مليار قدم مكعب قياسي بزيادة سنوية قدرها 2.2 في المائة كمتوسط. ويتوقع أن تستمر الزيادة على طلب الغاز خلال السنوات العشر القادمة بنحو 100 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم، لتبلغ نسبة الزيادة السنوية نحو 3.2 في المائة سنوياً. وطبقا للوكالة الدولية للطاقة، فسوف يزيد إسهام الغاز في الطاقة العالمية من 24 في المائة إلى 30 في المائة بحلول عام 2020.

وفي حال استمرت معدلات زيادة الطلب على ما هي عليه أو ارتفعت، ومن المرجح أنها سوف ترتفع، فإن ذلك يعني أن الغاز، قد يصبح مصدر الطاقة الأهم في العالم خلال العقود القليلة القادمة فيما يتقلص تأثير النفط الخام.

وفي منطقة الشرق الأوسط، يمكن متابعة مسيرة الغاز من خلال مثال صناعة الغاز السعودية، التي سبقت دول الشرق الأوسط الأخرى المنتجة للمواد الهيدروكربونية في إدخال الغاز إلى منظومة الطاقة لديها منذ بداية السبعينيات حين بدأ فيها تطوير شبكة الغاز الرئيسية، وهو برنامج عملاق يهدف إلى الاستغلال الأمثل لهذا المورد الطبيعي تزامناً مع تشجيع قيام سوق لهذا الغاز تمثل في الصناعات البتروكيماوية في مدينتي الجبيل شرق السعودية وينبع غربها. وبسبب هذه الخطة تم إنشاء قاعدة صناعية جديدة في البلاد تعتمد على إيجاد القيمة المضافة وتنويع مصادر الدخل بما يحتويه ذلك من إيجاد فرص عمل جديدة وحماية للبيئة من التلوث الذي كان يسببه حرق الغاز. وانتهت السعودية من تنفيذ البرنامج بداية الثمانينيات حيث أنشأت شبكة ضخمة لمرافق معالجة وتجزئة ونقل الغاز ليكون أحد أكبر البرامج الصناعية خلال الربع الأخير من القرن الماضي. واستمرت السعودية عبر ذراعها التنفيذية وهي شركة «أرامكو» السعودية في توسعة وتطوير الشبكة التي تستخرج وتجمع الغاز منذ تلك اللحظة بمجموعة من المشاريع العملاقة التي استهدفت في الغالب استكشاف وإنتاج الغاز غير المصاحب للنفط، مثل مشاريع حرض والحوية والجعيمة، حتى أصبحت السعودية تملك رابع أكبر احتياطي مثبت من الغاز الطبيعي في العالم، بعد روسيا وإيران وقطر. وفي 2003 وقعت السعودية عقوداً مع شركات أجنبية تشاركها «أرامكو» السعودية، بهدف استكشاف المزيد من الغاز غير المصاحب في ثلاث مناطق واعدة وغير مستكشفة في صحراء الربع الخالي. ويعد نصيب الفرد في استهلاك الغاز الطبيعي في السعودية اليوم من بين أعلى المعدلات في العالم، حيث أن إنتاج السعودية من الغاز يتم استهلاكه بالكامل محلياً. وتستحوذ الصناعات التصديرية المعتمدة على الغاز على أعلى معدلات الاستهلاك، كما يعد استهلاك الفرد من الكهرباء في السعودية مرتفعا أيضا مقارنة بالعديد من الدول الصناعية. ويستهلك الجزء الأكبر من الكهرباء في تكييف الهواء، نظراً للمناخ الصحراوي الحار للمملكة. كما أن نصيب الفرد في استهلاك الماء في الأغراض المنزلية مرتفع جداً، ويعد أعلى منه في معظم دول العالم. ويرتبط استهلاك المياه الصالحة للشرب مباشرة باستهلاك الطاقة، لأن النسبة الكبيرة من هذه المياه هي مياه محلاة تعتمد على الغاز كطاقة لتحليتها. ومن المتوقع أن تزيد احتياجات تحلية المياه إلى احتياجات الطاقة بمعدل كبير مع زيادة معدلات السكان في المملكة. وتوجد في السعودية فرص عديدة لاستخدامات الغاز منها استخدامه كوقود لإنتاج الكهرباء والماء، والتوسع في تصنيع البتروكيماويات وتصديرها.

ولكن هذا الاتجاه لاستكشاف مزيد من الغاز غير المصاحب للنفط، الذي يقع في أعماق أكبر من النفط ومحجوز خلف نوعيات صخور تم تطوير تقنيات خلال السنوات الماضية لاختراقها ليس محصوراً في السعودية، أو دول الشرق الأوسط النفطية الأخرى، فقد بدأ يظهر اتجاه مماثل في الولايات المتحدة، التي تشتكي حالياً نقصاً في إنتاج النفط تحتاج لتعويضه، ولذلك فقد قامت حسب جريدة «وول ستريت جورنال» كل من شركات إكسون موبيل وشركة (BP) وشركة شل متشجعة بأسعار الغاز المرتفعة للتنقيب عن الغاز غير المصاحب داخل الأراضي الأميركية، مما يساعد على زيادة مواردها من الغاز الذي يقوم بتدفئة غالبية البيوت الأميركية، ويوفر لها كماً كبيراً من الكهرباء. وتشتكي بريطانيا حالياً من أسعار الغاز فيها الذي بلغ مستويات غير مسبوقة، وهي تعتمد عليه في التدفئة وإنتاج الكهرباء. وتحاول الحكومة البريطانية اللجوء للنموذج الفرنسي للخروج من المأزق، وذلك بالاستثمار في صناعة الطاقة النووية، إلا أن معارضة شعبية واسعة لمثل هذا الاتجاه قد تدفع البريطانيين نحو البحث مجدداً في تطوير صناعة الغاز لديهم والبحث عن المزيد منه في أراضيهم وفي أراضي دولية عبر شركات النفط الأوروبية العملاقة.