الدول الغنية تستعد لتوفير حزمة تجارية للدول الفقيرة «لحفظ ماء الوجه»

محادثات التجارة المتأزمة تنطلق في هونغ كونغ والشركات الأميركية تضغط لفتح الأسواق

TT

بدأ أمس في هونغ كونغ اللقاء الموسع لمنظمة التجارة العالمية، حيث تسعى الدول الاعضاء إلى إزالة العوائق التجارية العالمية أمام الشركات الدولية، وسط توترات بين الدول النامية والدول الصناعية، حول الدعم السخي الذي تقدمه الدول الغنية لمزارعيها، ومطالبات هذه الدول للدول النامية بفتح أسواقها بشكل أكبر أمام السلع والخدمات.

وقد انضم آلاف المعارضين للخطة إلى مسؤولين من 149 دولة ممثلة؛ حيث يقول هؤلاء المعارضون إن هذه الخطة رسمتها الدول الصناعية لخدمة شركاتها، مع إعطاء أقل الانتباه إلى التكاليف الاجتماعية والبيئية في بلادها وفي العالم النامي. وخارج المنطقة الأمنية حول منطقة الاجتماعات توافد آلاف من المحتجين والناشطين من الجماعات البيئية واتحادات العمال والطلبة ومنظمات المزارعين والصيادين، ممن يقولون إنهم يخططون لعشرات من الاحتجاجات، من بينها مسيرات في الشوارع، إضافة إلى القيام بمظاهرة رئيسية. وبينما توافد هؤلاء إلى المدينة حمل كثيرون آخرون لافتات تندد بمحادثات منظمة التجارة العالمية، باعتبارها محاولة للهيمنة الغربية. ومع بدء المباحثات قام المئات بالاحتجاج في الشوارع، واشتكوا من أن المفاوضات سوف تؤدي إلى إفقار المزارعين والعمال، كما ستؤدي إلى الإضرار بالبيئة في الدول الغنية والنامية. وحمل الالاف من المزارعين والصيادين الآسيويين صباح امس لافتات تندد بمنظمة التجارة العالمية وحملوا نعشا كتب عليه «منظمة التجارة العالمية يجب ان تموت»، وساروا في مسيرات في وسط مدينة هونغ كونغ ودقوا الطبول واستخدموا الاواني النحاسية لابداء اعتراضهم على المفاوضات.

من جانبها قالت الولايات المتحدة، وهي أكبر اقتصادات العالم والدولة التي يُرجح أن تكون الرابح الأكبر من الأسواق المفتوحة، تقول إنها عرضت صفقة شاملة بتخفيض الدعم الذي تقدمه والتعريفات، من أجل تنشيط المحادثات، غير انها اتهمت أوروبا بإعاقة المحادثات بسبب عدم تعاملها بالمثل وتقديم تخفيضات كبيرة بما يكفي.

وعلى خلاف نسبة الـ90 بالمائة من التخفيضات التي تقول واشنطن إنها مستعدة لاتخاذها، تقول أوروبا إنها يمكن أن تخفض الدعم الذي تقدمه بنسبة لا تتعدى 45 بالمائة تقريبا، وهو ما يسمح بحرية محدودة في وصول الولايات المتحدة والدول الأخرى إلى الأسواق الأوروبية. ويؤكد الأوروبيون أن قرارهم بخفض الدعم محكوم بقوانين داخلية واتفاقيات للاتحاد الأوروبي. ومن المرجح في هذا المؤتمر أن تعطي الدول الغنية والمسلحة بكامل أسلحتها في المحادثات، حزمة من المحفزات للدول الأقل تقدما، كوسيلة لحفظ ماء الوجه في حالة انهيار المحادثات بشكل فعلي.

ويمكن أن تشمل هذه الصفقة إمكانية الوصول الحر إلى الأسواق الغربية من دون رسوم أو حصص على الدول الأشد فقرا، خاصة مصدري القطن في غرب افريقيا، والمزيد من المساعدات والتدريب الخاص بالتجارة.

وقال فيل بلومر، وهو خبير تجاري في منظمة أوكسفام إنترناشيونال، المعنية بالإغاثة والدفاع عن حقوق الدول الفقيرة: «إن القيام بتحرك في القضايا ذات الأهمية للدول النامية، مثل القطن ومساعدات التجارة وإمكانية الوصول الحر ومن دون رسوم أو حصص، سوف يكون محل ترحيب، ولكنه يجب أن يكون جزءا من صفقة أكبر تتعامل مع الضرر الكبير الذي تسببه السياسات الزراعية للدول الغنية، إنها يجب ألا تكون مجرد «مُهدّئ» لإخفاء الطَّعم المر لصفقة سيئة بمجملها».

وثمة قضية أخرى مثيرة للجدل في المحادثات الزراعية في منظمة التجارة العالمية، وهي المعونة الغذائية الأميركية، التي تتحداها أوروبا وكندا ودول أخرى باعتبارها دعما تصديريا متخفيا للمشروعات التجارية الزراعية.

ويقول العديد من الناشطين أيضا إن المعونة الغذائية الأميركية، التي بدأت عام 1954، ما زال يقودها دافع التخلص من فائض ضخم من الحبوب والاستحواذ على حصص متزايدة في أسواق جديدة.

ويستعد بقوة هنا أيضا ممثلو الشركات الأميركية والأوروبية والمصنعون، حيث يجتهد العديد منهم من أجل التأثير على صانعي القرار في بلادهم، لفتح المزيد من الأسواق الجديدة لمنتجاتهم، خاصة في أسواق متقدمة مثل الصين والهند والبرازيل. ولهذا فانه بالإضافة إلى الزراعة تتنافس الدول الغنية من أجل جعل الدول النامية تلتزم باتفاقيات تسمح لهم بالوصول إلى اسواق الخدمات والمنتجات.

وقال جون إنجلر، رئيس الاتحاد الوطني للمصنعين، أحد المنظمات الصناعية الأميركية الرئيسية: «يبدو أن الناس ينسون أن السلع المصنعة تشكل 75 بالمائة من التجارة العالمية، ونحن لا يمكننا الموافقة على صفقة إذا لم نُدخل تحريرا حقيقيا لتجارة السلع المصنعة والخدمات أيضا».

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال ممثل لشركة ميكروسوفت العملاقة في المحادثات، لكنه اشترط عدم ذكر اسمه، إن مهمته خلال لقاءات الأيام الستة في هونغ كونغ هي «أن يبقى أقرب ما يمكن إلى صانعي القرارات، بغرض التوصل معهم إلى فتح أسواق جديدة».