تعدد الاختيارات وزيادة رؤوس الأموال تقلل فرص استعادة زخم بداية العام

أسرار «استراحة المضاربين» في سوق الإمارات

TT

تتحرك سوق الاسهم الاماراتية منذ ما يزيد عن شهر، ضمن هوامش ارتفاع وانخفاض ضيقة تبعث على القلق، خاصة في صفوف الشرائح الجديدة من المستثمرين الذين دخلوا السوق في العام الماضي على ايقاع المكاسب اليومية التي يحققها المضاربون والمستثمرون المخضرمون.

وفيما يعتبر الخبراء والمحللون الحصيفون وضع السوق انه مطمئن، مستذكرين انه ارتفع في عام واحد اكثر من 100%، فإن المستثمرين المتعجلين لجني الارباح يجدون الوضع الحالي مقلقا، خاصة انه لا يلوح في الافق ما يشير الى ان السوق قادر على استعادة الزخم الذي تميز به منذ بداية العام الحالي وحتى بداية الربع الرابع من هذه السنة. ويرجع الخبراء سبب المقاومة التي تبديها اسعار الاسهم الاماراتية، وتمنعها من التحرك على شكل طفرات، كما في السابق، الى عدة عوامل ابرزها، تنوع فرص الاستثمار المتاحة الآن بدخول شركات مساهمة عامة جديدة للسوق وتأسيس شركات خاصة امتصت كميات كبيرة من السيولة المتوفرة، سواء لدى الافراد او المؤسسات.

ويقول الخبراء ان هذا العامل حول سوق الامارات من سوق محدودة تفتقر الى العمق، الى سوق مليئة بالاختيارات الاستثمارية، فعدد الشركات المساهمة العامة الآن تجاوز المرحلة التي كان فيها عدد الشركات عددا قليلا برؤوس اموال لم تكن تتجاوز في مجموعها رأس مال ثلاث او اربع شركات من الشركات التي تتداول اسهمها حاليا.

ورافق ازدياد عدد الشركات المساهمة العامة تحول في السلوك الاستثماري، الذي اصبح اكثر ميلا للمضاربة بعد ان كان الاستثمار في الاسهم يأخذ عند الكثيرين طابع الادخار. ويمكن تلمس هذا التحول من خلال الاثر المحدود لنتائج الشركات وربحيتها على مستويات الاسعار، التي اصبحت اكثر ارتباطا بحركة المضاربة منها بمستوى الاداء. وقد ادى اتساع السوق من جهة وتفضيل المضاربة من جهة ثانية الى زيادة كبيرة في العروض، بشكل اثر في معدلات الاسعار ومستويات تذبذبها. اما العامل الثاني الذي ادى الى التباطؤ في حركة السوق فيعود الى القرارات (الفجائية) التي اتخذتها وزارة الاقتصاد والتخطيط، والتي بدأت بوقف الترخيص للشركات المساهمة العامة والزامها بالعمل كشركات مساهمة خاصة، فترة من الوقت، قبل التحول الى شركات مساهمة عامة، ثم تلا هذا القرار قرار آخر بوقف الترخيص للشركات المساهمة الخاصة، بعد ان انتقلت حمى تأسيس الشركات المساهمة من العامة الى الخاصة. وبالرغم من ان تدخل وزارة الاقتصاد في توجيه السوق من خلال بعض القرارات المنظمة لتأسيس الشركات كان مطلوبا، الا ان طبيعة التدخل المفاجئة اربكت السوق، خاصة بالنسبة للمستثمرين العرب والاجانب الذين باتوا يتخوفون من اتساع مظلة التدخل الحكومي بشكل يعطل انسياب حركة الاموال.

والعامل الثالث هو ان اتجاه معظم الشركات المساهمة العامة والبنوك الى زيادة رؤوس اموالها بشكل كبير، مما فرض اعباء كبيرة على المستثمرين، خاصة المساهمين في الشركات والبنوك التي فرضت علاوات اصدار كبيرة، مثل شركة اعمار التي زادت رأسمالها الى اكثر من 5 مليارات درهم، وفرضت علاوة اصدار بلغت 5 دراهم، أي خمسة اضعاف القيمة الاسمية للسهم، وبنك الاتحاد الوطني الذي ضاعف رأسماله وفرض علاوة اصدار مقدارها 7 دراهم. وحتى تلك التي لم تفرض علاوات اصدار عالية فإن حجم الزيادة في رؤوس اموالها كان كبيرا، لدرجة دفعت العديد من المستثمرين للتخلص مما يملكون من اسهم هذه الشركات عند اول منعطف مؤات للبيع، لعلمهم ان اسعار الاسهم بعد زيادتها ستنخفض الى مستويات اقل من السعر الذي وصلت اليه قبل الاكتتاب بالزيادة، ولعلمهم بان الزيادات الكبيرة في رؤوس اموال العديد من الشركات هي اعباء على تلك الشركات، وستظهر ملامحها في ميزانياتها حين يتراجع العائد على رأس المال، خاصة ان العديد من الشركات لا تملك برامج واضحة تبرر لجوءها للزيادة، بل فعلت ذلك انسياقا إما مع موجة الزيادات التي قام بها العديد من البنوك والشركات المنافسة، او طمعا في الحصول على حصة من كعكة السيولة المحلية او السيولة التي تدفقت على الامارات في العامين الماضيين.

في ضوء ذلك فإن زيادة رؤوس الاموال التي كانت في العادة عاملا لتحسن الاسعار اخذت في بعض الاحيان منحى سلبيا. فسهم شركة اعمار القيادي تدنت اسعاره الى مستويات اقل من الكلفة التي كان عليها السهم عند زيادة رأس المال، وكذلك الحال بالنسبة لبنك الخليج الاول وشركة الواحة العالمية للتأجير وغيرها.

والعامل الرابع الذي اثر في السوق الاماراتية، هو ان الاسواق المجاورة سجلت نشاطا موازيا لم يؤد فقط الى تراجع مستوى التدفقات الاستثمارية، بل الى نزوح استثمارات اماراتية الى تلك الاسواق. وساعد في ذلك ان القيود التي فرضتها وزارة الاقتصاد والتخطيط الاماراتية على تأسيس الشركات الجديدة العامة اولا والخاصة تاليا، حيث كانت هذه القيود عاملا طاردا، وجدت فيه اسواق الدول المجاورة فرصة لاستقطاب شريحة مهمة من هذه الاستثمارات. ولعلنا نشير في هذا الصدد الى التحسن الذي شهدته الاسواق السعودية والقطرية، التي تشكل من حيث النشاط وحركة الاموال عمقا للسوق الاماراتية.

والعامل الخامس وان كان عاملا هامشيا الا انه وفي ضوء التباطؤ الحالي في اداء السوق، يأخذ مكانا في تفسير اسباب المقاومة التي تبديها اسعار الاسهم الاماراتية. وهذا العامل هو تحسن الفائدة البنكية على الودائع التي قد تصبح مغرية لبعض من انهكته المضاربة في سوق الاسهم ويأمل في (استراحة مضارب) لبعض الوقت. ولا شك ان عمليات بيع عند مستويات الاسعار الحالية، وان كانت مستقرة نسبيا طوال الشهور الثلاثة الماضية، تضمن لبعض المستثمرين فرصة لجني الارباح وحفظ رؤوس اموالهم في البنوك بفائدة معقولة لحين تحرك الاسواق من جديد. ومع ان هذه العوامل مجتمعة تشير الى ان التباطؤ في السوق الاماراتية ليس حالة تصحيح عارضة، الا ان هذه العوامل على كثرتها لا تشير في المقابل الى وجود خطر انهيار في هذه السوق. فالمتابع للنشاط الاقتصادي في الامارات يجد ان حركة الاسهم كانت في كثير من جوانبها صدى لحالة الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه قطاعات عديدة، خاصة قطاع الانشاء والتعمير وقطاع السياحة والتجارة، فضلا عن قطاع البترول وصناعة البتروكيماويات الذي ضمن العام الماضي تدفق سيولة عالية والمرشح لان يلعب في العامين المقبلين نفس الدور.

يضاف الى ذلك ان السوق الاماراتية، خاصة امارة ابوظبي تتحرك ضمن مناخ سياسي جديد يتمثل في وجود قيادة شابة تتطلع الى احداث نقلة نوعية في الاقتصاد المحلي، قائمة على دعم وتشجيع المبادرة الفردية، وتعديل قوانين الملكية، سواء ملكية العقارات او الاسهم، والاتجاه نحو تخصيص العديد من المرافق الخدمية وانشاء المناطق الصناعية والاقتصادية المتخصصة. ومن شأن ذلك، ولا شك توفير فرص استثمارية قادرة على استيعاب نشاط الشركات المساهمة، بشكل يضمن مستوى جيدا من الربحية والاداء الجيد.

من جهة اخرى، فإن سوق الاسهم الاماراتية هي الآن غير ما كانت عليه. فهي سوق منظمة من الناحية القانونية وهناك رقابة حكومية على حركة التداول والاسعار ومستويات الافصاح والشفافية. وبالتالي فإن التباطؤ فيها لا يمكن النظر اليه بمنظار اسود، كما كان الحال عليه عام 1998، عندما لم تكن هناك قوانين تنظم سوق الاسهم وتحافظ على حقوق المستثمرين فيها، الامر الذي جعلها لقمة سائغة للمضاربين والمغامرين من جهة، ومقصلة ومذبحا لصغار المستثمرين وعديمي الخبرة من جهة ثانية. وفي محاولة للموازنة بين العوامل المواتية التي تتوفر في السوق الاماراتية والعوامل التي تبطئ من حركة الاسهم كأحد المكونات الاساسية لتلك السوق، فإن الخبراء حذرون في اعطاء توصيف جامع مانع، حيث يفضلون البقاء في المنطقة الرمادية التي لا يصل التفاؤل فيها درجة الحديث عن سنة انتعاش مقبلة، كتلك التي عاشتها الاسهم الاماراتية العام الحالي والعام الذي سبقه، ولا يصل فيها التشاؤم حد التحذير من انهيار قادم يذكر بعام 1998، الذي اطاح بمراكز مالية عديدة.