الطبقة المتوسطة تطرق سوق الماس في مصر

التجار يطالبون بخفض الجمارك والضرائب لمنع التهريب

TT

دخلت ساحة شراء الماس في مصر فئات جديدة، لم يكن ضمن ثقافتها التعامل مع هذا الحجر الكريم المرتفع الثمن والقيمة، وأزيلت الأسوار نسبيا بين الطبقة التي كان شراء الماس حكرا عليها، والزبائن الجدد الذين دخلوا السوق، خاصة من الشباب.

وأصبحت الفتاة في مصر، التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، بل والتي تسكن الأقاليم تطالب بأن تكون الشبكة من الماس، وأصبحت على دراية بالمواصفات القياسية للحجر ودرجة نقائه وحجمه، وبدأت تناقش التاجر في أدق التفاصيل حتى أن بعض التجار اصبحوا يشتكون من هذه المعرفة التي جعلت مهمة التاجر في إقناع الزبون مهمة صعبة.

وبالرغم من أن ارتفاع وهبوط أسعار الذهب في البورصة العالمية بشكل متذبذب لعب دورا في التحول إلى الماس وأضر بتجارة الذهب نوعا ما فإن شريف السرجاني رئيس شعبة الذهب في الغرف التجارية المصرية وأحد أكبر تجار المجوهرات في مصر، يقول سواء ارتفع سعر الذهب أو انخفض فمن المعروف أن من يشتريه يفعل ذلك لأسباب محددة، كما أن وصول أونصة الذهب في البورصة العالمية إلى حوالي 500 دولار، ليس له علاقة بالمشغولات التي يقوم بشرائها الناس أو يتاجر بها التجار، فهناك خلط في المفهوم، بمعنى أن سعر الذهب في البورصة يؤثر على المضاربين بشكل عام، الذين يشترون أسهم ذهب أو بلاتين أو بترول، أما المشغولات الذهبية فيؤثر على ثمنها أكثر ما يسمى (أجرة المصنعية)، التي يدخل فيها شكل التصميم والجواهر المقلدة والمضافة إليه، مثل الزركون أو الأحجار الكريمة، مثل الماس ولذا من الممكن أن يصل سعر شبكة ذهب عادية مكونة من كوليه وقرطين إلى حوالي 10 آلاف جنيه مصري (1800 دولار)، ويمكن بهذا السعر أن يشتري العريس شبكة ألماس ويشتري معها المكانة الاجتماعية والصيت، على اعتبار ما يرمز إليه اقتناء الماس في مصر والعالم، وقد احتل الماس مكانة أكبر لدى الناس، خاصة أن سعره ثابت بالمقارنة بسعر الذهب، الذي أصبح متحركا ويشهد تذبذبات تؤثر على من يقتنونه كمخزون للقيمة.

وأضاف السرجاني، أن حجم مبيعات الماس لم يرتفع كثيرا عن السنوات الماضية، لكن عدد التجار الذين يتعاملون في الماس هو الذي ارتفع لأن الحالة الاقتصادية للناس لم تتغير، ولكن تزايد الوعي والإدراك بما توفره هذه السلعة من تنوع شجع المشتري على أن يقتني الماس حسب إمكانياته المادية.

وطالب شريف السرجاني بتخفيض نسبة الجمارك المفروضة على استيراد الماس التي تصل إلى حوالي 23 في المائة، وهي نسبة كبيرة على الماس المفكوك (الحجارة)، ويرتفع سعرها بعد ترصيعه على المعدن، معتبرا أن وجود نسبة ربح مقبولة للتاجر وتخفيض الجمارك سيقضي على التهريب، لأن هناك نسبة مهربة غير النسبة التي يتم استيرادها بشكل رسمي، وهي نسبة قليلة جدا. وفي شارع الصاغة القديم الكائن بشارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الأزهر بالقاهرة، حيث أسماء كبار الجواهرجية بالتحديد المحلات الأصلية للكبار، التي نشأت هنا ونشأوا معها قبل الانتشار في مناطق أخرى اكثر عصرية، مثل الزمالك والمهندسين وشارع النيل بالجيزة، واصبحت لدى هذه المحلات أشكال عدة لهذا الحجر، الذي هو أساس مادة ذات تركيب بلوري متأصل من الكربون، تشتهر بصفات فيزيائية خاصة، مثل الصلابة العالية والقدرة على تشتيت الضوء، ويبيعونه لزبائنهم التقليديين، الذين تغيرت أذواقهم، وللسائحين.

لكن يظل من المؤكد أن هناك فرقا بين الماس، الذي يباع لدى تجار الذهب والآخر الذي يباع لدى جواهرجية، مثل عليش وديماس وديماشوب والصايغ، ويفسر علي الخرساني، أحد كبار العاملين في المجوهرات في مصر، سبب ثبات سعر الماس عالميا، مقارنة بالذهب، إلى أن الماس محكوم عالميا كتجارة، لأنه محتكر من مجموعة ألمانية إنجليزية معروفة.

ويضيف الخرساني أن منطقة الشرق الأوسط تخلو تقريبا من تصنيع الماس (التقطيع والحك والتلميع)، وأن الهند قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال وأن العمالة الهندية مطلوبة في الدول التي دخلت مجال تصنيع الماس، لأنها تهتم بالجوانب التقنية، كذلك الصين التي دخلت المجال، بالإضافة إلى تايلاند وبلاد أخرى، لكن الهند احتكرت 90 في المائة من مجال تصنيع الماس بالنسبة للقطع الصغيرة التي تبدأ من قيراط وأقل، أما الحجارة الغالية التي تبدأ من أكثر من قيراط وتصل إلى 10 قراريط وأكثر، فتحتكر تصنيعها كل من إسرائيل وبلجيكا ونيويورك وروسيا، في ما يتعلق بالتقطيع.

وبالنسبة لما يسمى الآن بيزنس الماس يقول الخرساني، إنه يصعب الكلام عن الماس، من خلال معلومات رسمية في مصر، لأن وجوده ليس من خلال جهة واحدة وإنما كل تاجر يتعامل فيه بشكل فردي ومشكلتنا الأساسية في مصر هي الضريبة المفروضة عليه وكذلك الجمارك، بالرغم من أن معظم الدول العربية غيرت قوانينها بشأن الماس، لانه سهل التداول والتهريب، غير أنه من الممكن ان يساهم في الإصلاح الاقتصادي لان سعره ثابت اكثر من العملات الأجنبية، بالإضافة إلى أنه لا يتم رفض تداوله في أي دولة عكس بعض العملات الأجنبية، التي ترفض بعض الدول التعامل بها وهنا يكون الماس أفضل من النقد الأجنبي، لذلك يجب تغيير القوانين بشأنه في مصر.

ويضيف الخرساني، أننا في مصر نستطيع التصنيع إذا تم رفع بعض المعوقات، مثل الضريبة والجمارك المرتفعة وتوفر الماكينات الخاصة بتقطيعه وإيجاد أيد عاملة متخصصة، ولكن إذا تم توافر ذلك لن يكون العائد مجزيا، إلا إذا تم تداوله بالملايين، وهناك دول عربية مثل الإمارات الآن تصدره وتعيد تصديره مرة أخرى وتستفيد من ذلك بشكل جيد. والمعروف أن مصر تستورد رسميا ما قيمته 15 مليون دولار سنويا من الماس والأحجار، لكن معظم تجار هذا الحجر يقع خارج الإحصاءات الرسمية.

وأشار الخرساني الى أن الماس من الأحجار النفيسة التي ارتبط اسمها بغسيل الأموال في السابق، والتي ساعدت في تمويل بعض الحروب الأهلية أو الأعمال الإرهابية، وكذلك عمليات تهريب السلاح، ولكن الآن تم إحكام عملية غسيل الأموال من خلال نظام قوي تشارك فيه الحكومات والشركات والبنوك وسلطات الأمن.

أما د. محمد عمر، رئيس مجلس إدارة شركة «داماس» في مصر، فأكد أن المجتمع الآن اتجه لشراء الماس بعكس الوضع قبل عامين، مما أثر على حجم مبيعات المجلات المتخصصة في الماس التي ارتفعت بنسبة 50 في المائة، مشيرا الى أنه منذ 3 سنوات كان العرض والطلب في السوق المصري يلعبان لصالح الذهب، حيث الثقافة العامة للمجتمع تدعم ذلك، ولكن مع تكرار صعود وهبوط سعر الذهب أصبح يمثل خسارة كبيرة. وهناك تطور آخر، هو اختلاف شكل المشغولات الذهبية لتنافس الإكسسوارات التي ترتديها المرأة، وذلك نظرا لتطور التصميمات. وأصبحت لدينا الآن ماركات خاصة بالمجوهرات بصفة عامة، تشمل الذهب والماس والبلاتين. ويضيف: في الطبيعي إذا قام الزبون ببيع القطعة الماسية تصل نسبة خسارته فيها ما بين 15 و20 في المائة فقط، لكن نسبة الخسارة عند بيع القطعة الذهبية قد تصل إلى 40 في المائة، وهذا ما أدركه المشتري أو المستهلك أخيرا، ولكن سوق الماس أو (بيزنس الماس) له قواعد، أهمها أن يتم بيع القطعة الماسية لذات المحل الذي تم شراؤها منه، حتى لا تصل الخسارة إلى 50 في المائة، لأن هناك بعض اللاعبين الجدد في بيزنس الماس لا يستطيعون تقدير قيمة بعض القطع الماسية ويبخسونها.

وأضاف عمر، أن اللاعبين في بيزنس الماس في السوق المصري محليون وليسوا مصدرين أو مصنعين، لذلك فهم غير منافسين لنا، خاصة أن لدينا حوالي 200 منفذ بيع حول العالم، منها 75 محلا في الإمارات التي أصبحت مركزا مهما لسوق الذهب والماس، بالإضافة لباقي دول الخليج وأميركا. وفي مصر لدينا فرعان، وسيتم افتتاح عدة فروع في القاهرة وشرم الشيخ والساحل الشمالي، وقد أعددنا خطتنا للانتشار في مصر نتيجة الإقبال المتزايد بوضوح على الماس.

وقال وليد عبد الخالق، مدير داماس في مصر، لقد برز الماس كبديل قوي للذهب، بعد أن كان يبدو في السابق كالحلم البعيد المنال، ولكنه الآن اصبح اكثر انتشارا، بالرغم من الحالة الاقتصادية، ولكن لأن هناك بعض القطع الماسية سعرها في نطاق قدرة الفرد العادي، بالإضافة لمشتريات الطبقة التي ليس لها علاقة بالحالة الاقتصادية العامة، ولا تتأثر بها، وهؤلاء هم (المستهلكون الكبار). ومن الملاحظ أيضا أن نسبتهم تتزايد.

وأضاف عبد الخالق أعتقد ان تغير الذوق العام للمجتمع واتجاهه لشراء الماس يرجع لمستوى التعليم بشكل كبير، وليس لمسألة مخزون القيمة فقط، لأن شريحة كبيرة من الشباب حاليا من خريجي الجامعات الحديثة والأجنبية، وهذه فئة تعمل في ما بعد في وظائف ذات دخول مرتفعة، ويصبح الشاب الذي يصل عمره إلى 25 عاما قادرا على أن يشتري شبكة ألماس، كما أن الفتاة أصبحت تفهم في الماس، وعندما يأتي شاب مع خطيبته لشراء الشبكة ألاحظ أن الفتاة لديها خلفية عن أحجام الفصوص ولونها ودرجة نقائها، عكس الوضع منذ 3 أعوام فقط، ثم أن شراء الماس يشبه في معنى من المعاني الرغبة في اقتناء هواتف جوالة، فالإنسان يريد أن يشعر بالمساواة وأنه ابن عصره.

ويقول وليد عبد الخالق، إن الفروق بين الماس كثيرة وتحكمها 4 أشياء تسمى بـ 4C، وهي الوزن واللون والنقاء والنظافة، أو الجودة في التصنيع، وهناك عدة ألوان للماس، ولكن أشهرها وأغلاها قيمة وتداولا هو اللون الأبيض، والنقي منه نادر، ولكن هناك بعض الألوان مثل الأصفر والأحمر والأزرق، مشيرا إلى أن الزمن يزيد من قيمة القطع، ومنبها إلى أن الماس الرخيص بلا ضمان.