قطاع استيراد الأخشاب ينتعش في العراق وسط ارتفاع الطلب على الصناعات المحلية

قطع ثمينة سرقت من القصور الرئاسية.. ومقتنيات شخصية هربت إلى مزادات عالمية

TT

تعتبر تجارة الأخشاب في العراق من القطاعات الحديثة جدا. فلم يكن مصطلح تاجر أخشاب معمولا به في العقود الثلاثة الماضية بسبب هيمنة الدولة على هذه التجارة بكافة مفاصلها، فالقطاع الحكومي هو الذي يقوم باستيراد الأخشاب ومن ثم بيعه أو توزيعه على المواطنين بأسعار مدعومة، مما نجم عنه اضمحلال القطاع الخاص الذي كان يقوم بعمليات صغيرة لا يمكن بأي شكل من الإشكال أن ترقى إلى التجارة المفتوحة.

وبعد التغيرات التي طرأت على العراق بدأ بعض التجار ممن لديهم القدرة الاقتصادية التي تمكنهم من الخوض في هذه التجارة، بفتح آفاق تجارة الأخشاب ليكون السوق العراقي وخلال سنتين فقط من أكبر الأسواق المستوردة للأخشاب في العالم وساعده على ذلك الطلب المتراكم على هذه السلع.

التقت «الشرق الأوسط» أحد تجار الأخشاب المعتمدين في السوق العراقية وهو أمين الربيعي، الذي أكد في بداية حديثه أن تجارة الأخشاب شهدت توسعا كبيرا خلال السنتين الماضيتين، فقد أصبحت للتاجر العراقي تعاملات مباشرة مع أكبر الدول المصدرة لهذه السلعة، مبينا ان الأخشاب اصبحت تتدفق على العراق من مختلف المنافذ الجنوبية البحرية والشمالية وكذلك الشرقية والغربية، فعن طريق موانئ البصرة يأتي الخشب الآسيوي وعن طريق تركيا يأتي الخشب التركي والأوروبي وهكذا الحال من إيران وسورية أيضا.

وأوضح الربيعي ان هذا التوسع في الاستيراد يعود إلى جملة أسباب من أهمها أن السوق العراقي متعطش إلى الأخشاب لان توقف الاستيراد خلال سنوات الحصار نجم عنه خلو العراق من هذه المادة، ويمكن القول إن العراق فقد أكثر من (60%) من الاخشاب خلال هذه الفترة وهو بحاجة إلى تعويضها. يضاف إلى ذلك الحاجة المتجددة على السوق والمتمثلة بالزيجات الجديدة والانتعاش الاقتصادي الذي يشهده الذي ينعش الطلب على سلع الديكور والأثاث بشكل مضاعف.

وعن أسعار الأخشاب بين أن الأسعار يحددها سوق العرض والطلب، ولكن بصورة عامة فقد شهد تضاعفت الأسعار خلال السنتين الماضيتين بسبب ازدياد الطلب بشكل مضاعف أيضا وقبل التحدث عن أسعار الأخشاب، يجب أن نعرج أيضا على أهم النوعيات التي يرغب العراق باستيرادها من دول العالم. فالخشب أصناف كثيرة وكل له سعره وتكلفته أيضا، فهناك الصاج وأيضا الخشب البورمي والصاج الأفريقي والزان والجاوي الصلب والهش وأيضا الخشب الجام ومن النوعيات الحديثة الدخول إلى العراق.

وأضاف هناك المعاكس الأميركي (mdf) والماليزي والإيراني والتايواني والسوري والأردني الجاهز وقد يصل سعر الفوت المربع الواحد من الصاج (الدرجة الممتازة) إلى أكثر من (150) ألف دينار، وهنا وبعد أن كانت معامل النجارة تعتمد بشكل كبير على دعم الدولة لها أو الأخشاب التي يحصلون عليها من المواطن الذي يبيعها بعد أن يحصل عليها من الدولة بأسعار رمزية جدا، أصبحت هذه المعامل والورش تحصل على مبتغاها من تجار الأخشاب بشكل مباشر، والتاجر يضع السعر الأخير بعد احتساب كافة التكاليف ومن ثم هامش أرباح، وقد أصبحت غرفة النوم تصل إلى المستهلك بأسعار تبدأ من مليون دينار وتنتهي بعشرة ملايين؛ وهذا بحسب الموديل ونوع الخشب ودرجة الدقة في صناعتها، ولكن هناك غرف نوم تصنع لأناس محددين قد يصل سعرها إلى (40) ألف دولار.

وبين انه لا يمكن وصف مثل هذه القطع التي لا يمكن أن تسمى سلعا، بل هي تحف فنية بكافة تفاصيلها. وهناك طلب على مثل هذا النوع في الآونة الأخيرة، كما أن المواطن العراقي لا يستغني عن الصناعة المحلية التي تعد الأجود في المنطقة، وقد تعرض في السوق غرف جاهزة مستوردة وأيضا المستعملة الخليجية، ولكن الإقبال عليها ليس مثل المصنوع من قبل النجار العراقي.

وكما هو الحال بأي سلعة ثمينة قد تتعرض إلى التهريب، فقد تعرضت الأخشاب النفيسة إلى التهريب أيضا، وأكد الربيعي أن هذا الأمر بدأ خلال عقد التسعينات، ولكن التهريب لم يكن بمعناه المتعارف عليه، أي أنه لا يمس قطاع الآثار وغيرها، فأغلب هذه القطع المهربة كانت مقتنيات شخصية لكنها نادرة جدا مثل بعض قطع الأثاث الملكية أو القطع التراثية المصنوعة قبل مائة عام وربما أكثر، وهذه التجارة كانت معمولا بها من قبل المقربين من النظام البائد فلم يكن أي أحد يجرؤ على هذه التجارة غيرهم وكانت تشق طريقها إلى أسواق الدول المجاورة ومن ثم تباع إلى مختلف دول العالم ليتم وضعها في متاحف تاريخية أو داخل بيوت الأغنياء، وهذه القطع غير مطاردة حاليا لأنها غير مسجلة من قبل دائرة الآثار لأنها لا تعد من ضمن الآثار، أما القطع التي سرقت من القصور الرئاسية أثناء دخول القوات الأميركية، فبين التاجر أنها قطع ثمينة جدا وقد شهدت وحسب قول المتحدث مزادات في أحدى دول الجوار لبيع بعض هذه القطع وتم بيعها بأسعار خيالية لندرتها. وقسم منها مرصع بالذهب وغيره، وهناك أيضا الهدايا التي أهديت إلى الرئيس المخلوع صدام حسين من قبل رؤساء الدول والشخصيات ولاقت نفس المصير. فهناك من يدفع أي مبلغ لأجل الحصول عليها، ومن خلال جولة ميدانية قامت بها «الشرق الأوسط» داخل أسواق الموبيليات في بغداد، يمكن ملاحظة ارتفاع أسعار غرف النوم بشكل كبير جدا، ورغم ذلك فهناك إقبال على الشراء وخاصة من الشباب المقبلين على الزواج، وهذا يعود إلى انتعاش دخل الفرد وتحسن مستواه المعاشي، ولكن التحول الاقتصادي الذي يشهده العراق سيلقي بضلاله على كافة القطاعات. وهنا قد تصبح أسعار الغرف في المستقبل القريب أكثر مما يتحمله الشاب البسيط، وقد يجد سوق الأخشاب الجاهزة والمستعملة رواجا أيضا.