استثمارات الشرق الأوسط تتدفق على أميركا من جديد .. ودبي تعزز موقعها عبر صفقة الموانئ

121 مليار دولار حصة الشرق الأوسط من 9 تريليونات للأجانب

TT

بدأت الاستثمارات القادمة من الشرق الأوسط الى الولايات المتحدة في الزيادة مرة اخرى، وتحقق مكاسب كبيرة في الفترة المتوترة التي اعقبت الهجمات الارهابية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وفي الوقت الذي تثير فيه بعض عمليات الشركاء القلق، واشهرها شراء شركة تابعة لحكومة دبي وهي سلطة موانئ دبي، فإن بعض الاستثمارات الاخرى تثير الترحيب.

ويقود هذا الاتجاه الشيخ محمد بن راشد المكتوم نائب رئيس الدولة وحاكم دبي حيث يعتبر عقد الموانئ من سلسلة العقود التي توصلت اليها شركات يملكها.

ومن بين المشتريات الاخرى عقد قيمته مليار دولار لشراء 21 الف شقة في عدد من المدن الاميركية، و2.2 في المائة من اسهم شركة ديملر كرايزلر التي بلغت قيمتها مليار دولار والعمارة رقم 230 بارك افينيو في حي مانهاتن. كم اجرت دبي عدة مشتريات كبرى في دول اخرى في العام الماضي، اهمها شراء مجموعة توسو البريطانية التي تملك المتحف المعروف بنفس الاسم، بالاضافة الى مدن ملاهٍ وغيرها من الاعمال في مجال الترفيه بقيمة 1.5 مليار دولار.

ويوم الخميس اجرت دبي عملية شراء اخرى لفتت رقابة ادارة بوش لأنها ذات مخاطر تتعلق بالأمن القومي – وهي شراء مصانع في جورجيا وكونيتيكيت تصنع معدات دقيقة تستخدم في محركات للطائرات والدبابات.

الا ان رد فعل مختلف تماما تعامل مع الكشف، قبل عدة شهور، عن أن مجموعة دبي انفستمنت غروب قد حصلت على فندق اسكس هاوس في مانهاتن وتعهدت بإنفاق 50 مليون دولار لتجديده. وقد دفع ذلك عمدة مدينة نيويورك مايكل بلومبيرغ للقول: «ايقونة اخرى تطل على سنترال بارك سيجرى الحفاظ عليها وحماية العاملين فيها. وهذه انباء جيدة لقطاع السياحة والضيافة في نيويورك».

وتقف وراء مثل هذه العمليات قوتان؛ الاولى بالطبع هي اسعار الطاقة المرتفعة، التي جعلت دولا عربية نفطية تسبح في بحر من الاموال. والعامل الآخر هو العجز التجاري الأميركي الذي بلغ 726 مليار دولار في العام الماضي ـ الذي يعني ان الولايات المتحدة في حاجة الى رأس المال الاجنبي، فالدولة التي تستورد اكثر مما تصدر يجب عليها تعويض ذلك بالحصول على اموال من الخارج.

وحتى الان، فإن الاستثمارات في الولايات المتحدة القادمة من اوروبا وغيرها من دول اسيا تعتبر ضئيلة بالمقارنة بالاستثمارات القادمة من الشرق الاوسط. ولكن جزءا كبيرا من الاموال الاجنبية المطلوبة لتنشيط الاقتصاد الاميركي، ربما تأتي من اماكن، مثل دبي، تثير ردود فعل حادة بين الاميركيين بسبب هجمات 11 سبتمبر.

ويوضح يوسف ابراهيم، مدير مجموعة «ستراتيجك إنرجي انفستمنت« وهي شركة استشارية في دبي «اسعار النفط ستتجه في اتجاه واحد ـ للأعلى ـ في السنوات الخمس القادمة، لان الامر سيتطلب مثل تلك السنوات للعثور على بديل. ولذا لا يوجد ادنى شك لدي في ان مليارات الدولارات ستستمر في التدفق، ولا يمكن للناس التعامل مع كل هذا الحجم الهائل من الاموال هنا. ويجب عليك تدوير الاموال، والولايات المتحدة هي اكبر الاسواق».

وقائمة الاعمال الاميركية المملوكة من قبل مستثمرين عرب ـ وليس من دبي فقط ـ تشمل عددا من الاسماء المعروفة، ومن بينهم كريبو كوفيي وهي الشركة المتزايدة النمو المنافسة لستاربكس، وتشيرش تشيكن وهي شركة وجبات سريعة، ولوهمان وهي شركة تجارية متخصصة، وشركة تي ال سي هيلث كير المتخصصة في خدمات التمريض في المنازل، بل عدد من المطبوعات المالية بما فيها اميريكان بانكرز.

ومثل هذه الاستثمارات المباشرة في الاصول المادية ـ شركات ومصانع وعقارات ـ مفضلة بالنسبة للاقتصاد الأميركي، من وجهة نظر معظم الاقتصاديين، على الاستثمارات الاجنبية في السندات والاسهم وغيرها من الاصول المالية. وواحد من مميزات الاستثمار المباشر هو انه لا يمكن التخلص منها في حالات الذعر مثل السندات الحكومية. والاكثر من ذلك، تتعلق تلك بوظائف ذات مرتبات كبيرة. وتجدر الاشارة الى ان متوسط التعويض السنوي للعامل الواحد في الفروع الاميركية للشركات الاميركية هو 60500 دولار، وهو اكثر بنسبة 34 في المائة من معدل الشركات الاميركية، طبقا لمنظمة الاستثمارات الدولية.

والمشكلة الاساسية للاستثمارات المباشرة هي انها تشمل السيطرة الاجنبية، التي يمكن ان تثير القلق بالنسبة للأمن القومي. وهذا هو السبب وراء لجنة مشتركة من عدة وكالات حكومية تطلع على العديد من عمليات شراء الشركات الاجنبية لشركات اميركية. ومن المحتمل ان يعيد الكونغرس تقييم تلك العملية بسبب مشاعر السخط حول قرار اللجنة اقرار شراء شركة موانئ دبي العالمية لشركة «بي آند أو» للملاحة وهي شركة بريطانية تدير موانئ للحاويات في الساحل الشرقي الأميركي.

وكان يمكن ان تصبح الاستثمارات العربية المباشرة اكبر بكثير، لولا المناخ السياسي والقانوني في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر. وقال جيمس فيتغاتر، المسؤول التنفيذي لاتحاد المستثمرين الاجانب في مجال العقارات «المستثمرون القادمون من الشرق الاوسط يشعرون بالقلق بخصوص الاستثمار في الولايات المتحدة».

ويشعر المستثمرون العرب، بدرجة ما، بأن اسعار العقارات الاميركية مرتفعة اكثر من اللازم، ولذا يضعون مزيدا من استثماراتهم الخارجية في آسيا، كما اوضح غاري شاهين، المدير بشركة سنتينل للعقارات في نيويورك. ومن العوامل الاضافية خوفهم مما يمكن ان تتعرض له شركاتهم على يد السلطات الاميركية.

وقال «كنت في البحرين قبل أسبوعين وكان عندي اجتماع في بنك قال مسؤولوه إنهم يريدون أن يستثمروا في الولايات المتحدة. لكنهم قالوا: السوريون يمتلكون 12% من مصرفنا. لذلك فنحن نعرف انه إذا تحول الخلاف بين واشنطن ودمشق إلى تصادم فإن ذلك سيؤول إلى تجميد أرصدتنا».

ومن الممكن لهذه السلبية تجاه الاستثمار في الولايات المتحدة أن تتعمق نتيجة للجدل الدائر حول الاتفاق مع شركة موانئ دبي الدولية حيث راح البعض يحذر من الاستثمار في الولايات المتحدة. وقالت الشيخة لبنى القاسمي، وزيرة الاقتصاد في حكومة اتحاد الإمارات العربية، لصحيفة «فاينانشيال تايمز» في الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة ستصبح أقل جاذبية إذا أصبحت قرارات الاستثمار موضوع تدخلات سياسية. وقالت «هناك بلدان أخرى تتنافس للحصول على أموالنا».

لكن المخاوف من تقلص الاستثمارات العربية مبالغ بها حسبما قال آخرون بمن فيهم ماكلين كينان، المدير التنفيذي في مكتب أتلانتا لشركة أركابيتا التي تعد من أكبر المؤسسات المالية المعنية في توجيه المستثمرين العرب في الولايات المتحدة.

وجمعت أركابيتا مليارات الدولارات من دولة الإمارات المتحدة والسعودية وقطر والبلدان المجاورة واستثمرت معظم هذه الأموال داخل الولايات المتحدة حيث تمتلك شركات كثيرة مثل كاريبو كوفي وتشرتشز تشيكن إضافة إلى ملكية عقارات واسعة. وعلى الاستثمارات أن تتماشى مع الشريعة وهذا يعني أن من غير المقبول السماح باستخدام الأموال في تجارة الكحول أو لحم الخنزير أو الدعارة أو المقامرة وأن عليها أن تتبع أنماطا مالية معينة لتجنب خرق القواعد الإسلامية الخاصة بالفائدة.

وقال كينان «إن مستثمرينا سينفقون بعض الوقت فى الشكوى من سياسة الولايات المتحدة، لكن في نهاية الأمر هم يفصلون ما بين الفرص الاقتصادية والقضية السياسية. وهم بشكل عام يعرفون أن المشاكل السياسية ستتلاشى في الأخير. لذلك فإنه من وقت إلى آخر نجد أناسا يقولون: نتمنى أن تقوم الإدارة الحالية بشيء أفضل، لكن كيف يشتغل هذا الاستثمار ؟».

ومهما يفعل المستثمرون العرب في الخارج فإن ما يحصلون عليه ضئيل نسبيا. ففي نهاية عام 2004 بلغت استثمارات العرب حوالي أربعة مليارات دولار في الولايات المتحدة حسب معلومات وزارة التجارة الأميركية. بينما تبلغ استثمارات المستثمرين البريطانيين في الولايات المتحدة حوالي 252 مليار دولار ، والمستثمرين اليابانيين 177 مليار دولار، والمستثمرين الألمان 163 مليار دولار. وهم يوظفون أموالهم في مجالات تعتبر «غير مستقرة» مثل الاتصالات (شركة فينلاند نوكيا وشركة اريكسون السويدية) والطاقة (شركة بريتيش بتروليم ورويال دتش شل) ومرافق مثل (أي أون أيه جي جيرماني، التي تسيطر على توزيع الغاز والكهرباء في ولاية كنتاكي).

وعلى الرغم من أن الاستثمارات الأجنبية بعيدة عن التحكم بالاقتصاد الأميركي فإن نسبة القوى العاملة الأميركية في هذه المؤسسات تصل إلى 3.5% من كل قوة العمل. وأصبحت الولايات المتحدة وبشكل متزايد معتمدة على هذه الاستثمارات مع تزايد الفجوة في التبادل التجاري بين الطرفين. وللحصول على الأموال اللازمة للدفع لما هو مستورد فإن الولايات المتحدة قد تحتاج في هذه السنة إلى جذب رأسمال أجنبي يبلغ 20 مليار دولار في الأسبوع. وهذا يساوي بيع ثلاث شركات حجم كل منها يساوي حجم شركة موانئ دبي الدولية كما أشار براد ستسر، الاقتصادي في مؤسسة روبين غلوبال ايكونوميكس في نيويورك.

وللتوثق من كل الاموال التي تتدفق إلى الولايات المتحدة فإنها تأتي في شكل سندات مالية وأرصدة مالية أخرى بدلا من امتلاك شركات أميركية. ويمتلك الأجانب في الولايات حوالي 9 تريليونات دولار كأرصدة مالية في نهاية عام 2004 حسب البيانات الحكومية. ويحتل مصدرو النفط من الشرق الأوسط نسبة مئوية متواضعة من ذلك بما فيها السندات المالية الحكومية والتي تبلغ 121 مليار دولار القادمة من البلدان المصدرة للنفط في الشرق الأوسط حسبما أظهرت البيانات.

لكن تدفق عوائد النفط القادمة من الشرق الأوسط يعني أن قوة المنطقة المالية في طور التنامي. وسيصبح الفائض التجاري المتراكم من البلدان المصدرة في الشرق الأوسط قريبا لـ 800 مليون دولار في نهاية هذه السنة حسبما كتب ستسر في الفترة الأخيرة. وقال «هناك أكثر من موانئ دبي الدولية متوفرة للاستثمار».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»