قراءة لمضامين السياسة الاقتصادية

سعود الأحمد*

TT

في البداية أود ان أُؤكد على أن الحديث هنا عن الاقتصاد السعودي وليس عن سوق الأسهم. وأن من المتعارف عليه (عالمياً) أن المتابع للسياسة الاقتصادية، ينتظر وبشغف تصريحات الحكومة حول خططها المستقبلية. ولا جدال في أن أهم المؤشرات الدالة على رؤية وتوجهات الحكومة لمستقبل الاقتصاد السعودي يمكن استقاؤها من كلمات رأس الهرم الإداري السعودي، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (يحفظه الله). وبالأخص الكلمة الأخيرة في أروقة مجلس الشورى. فطبقاً للمادة (14) من نظام مجلس الشورى «يُلقي الملك أو من ينيبه في مجلس الشورى، كل سنة خطاباً ملكياً، يتضمن سياسة الدولة الداخلية والخارجية».

وبالتالي فإن هذا الخطاب الملكي يعتبر بمثابة ورقة عمل الحكومة يقدمها الملك للمواطنين أمام مجلس الشورى، الذي يعتبر وفق المادة (44) من النظام الأساسي للحكم هو السلطة التنظيمية من بين سلطات الدولة الثلاث، وهي: السلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، والسلطة التنظيمية، التي تتعاون جميعها في أداء وظائفها وفقاً للنظام الأساسي للحكم وغيره من الأنظمة. ويعتبر الملك هو مرجع هذه السلطات الثلاث. وعليه.... فإنه ومن هذا الخطاب يمكن قراءة مضامين سياسة الدولة لاستنباط وفهم الخطوط العريضة للخطة الاقتصادية السعودية. وبالنظر لما نصت عليه المادة (15) من نظام مجلس الشورى حول اختصاصات المجلس التي حددها في إبداء الرأي في السياسات العامة للدولة... وله على وجه الخصوص ما يلي:

أ ـ مناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإبداء الرأي نحوها.

ب ـ دراسة الأنظمة واللوائح، والمعاهدات، واتفاقيات الدولة، والامتيازات، واقتراح ما يراه بشأنها.

ج ـ تفسير الأنظمة.

د ـ مناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها. ونتيجة لمتابعة ذلك، فإن المرء ليستشعر من كلمات خادم الحرمين الشريفين درجة عالية من الشفافية الحكومية، لما يمكن توقعه من قرارات حكومية اقتصادية وتنموية. فمن نصوص هذه الكلمات السامية نقرأ بأن هناك شعورا بالحاجة للِِحاق بالركب وعزيمة لإحقاق العدل والمساواة وأداء الحقوق، ومحاربة الفساد الإداري، وهناك توجه لتحرير الاقتصاد، وتغيير شامل في النظام الإداري الحكومي. فقد قال (يحفظه الله) بالنص «إننا لا نستطيع أن نبقى جامدين والعالم من حولنا يتغير، ومن هنا سوف نستمر بإذن الله في عملية التطوير ونُعمق الحوار الوطني وتحرير الاقتصاد ومحاربة الفساد والقضاء على الروتين ورفع كفاءة العمل الحكومي».

ومما نعرفه أن محاربة الفساد جزء من شخصية الملك عبد الله وليست وليدة هذا العام أو هذه المناسبة. ولو عدنا بالذاكرة قليلاً، وتذكرنا كلماته وقراراته إبان ولايته للعهد (يحفظه الله). ومنها قرار مجلس الوزراء في يوم الاثنين 18 ربيع الأول لعام 1424هـ، بترجمة خطاب خادم الحرمين الملك فهد (يرحمهُ الله) في حفل افتتاح الدورة الثالثة لمجلس الشورى... عندما قال: «لا مكان بيننا لمستفيد من موقع أو مُستغل لنفوذ»، وكان توجيه الملك عبد الله بأن يترجم ذلك الخطاب إلى برنامج عمل للحكومة. ولعلنا نتذكر (أيضاً) موقف مجلس الشورى في هذا الصدد بقراره بتاريخ 24 / 3 / 1424هـ، بوضع برنامج عمل لمضامين الخطاب الملكي الكريم. وفي شخص (ملك القلوب) رحمة للفقراء، فقد زارهم في بيوتهم في أحيائهم الفقيرة بنفسه قبل عدة أعوام. وأخذ على عاتقه مهمة معالجة «مشكلة الفقر» وجعل منها هاجسه في كل مناسبة. ففي لقائه (رعاه الله) برجال الأعمال السعوديين في الصين قال: «إنني معكم هنا وقلبي مع الفقراء في بلدي، وعلينا حل وعلاج مشكلة الفقر». ولذلك وخلال الفترة القادمة، يتوقع العديد من البرامج والقرارات لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وإنشاء صناديق مختلفة التسميات لمساعدة الفقراء... وقد بدأ المشوار (بالفعل) بخطوة تخصيص نسبة 70% من ملكية أول بنك سعودي سيعلن موعد الاكتتاب به قريباً، وتخصص نسبة 30% من الخطوط السعودية، ونسبة من بعض المنشآت النفطية للمواطنين. وإذا أخذنا بالاعتبار كل هذه المؤشرات، ونظرنا من جانب آخر لحال أهم مورد لدخل المملكة، وانه يتعدى سعره 66 دولاراً وأن مجمل الرؤى المتخصصة ترشحه للزيادة ليلامس الثمانين وبعضها ترشحه للمائة دولار، في وقت تُجمع التوقعات على زيادة الطلب العالمي على النفط، وبالمقابل (وبحمد الله) المملكة تأخذ مكانها الاستراتيجي لمقابلة حاجة الطلب العالمي. من هنا أختتم بالقول... إنني أقرأ في مجمل المعطيات الاقتصادية المتاحة، وفي توجهات الحكومة لتوظيف هذه المعطيات، بأن هناك بشائر خير تلوح لأبناء هذا الوطن والمقيمين فيه. وأن هناك نفحات طيبة أو كما قال الشاعر محمود درويش واستعارها الكاتب (الفيلسوف) علي الدميني كعنوان لمقاله «هناك غيم شديد الخصوبة»... وستشهد لكم الأيام القادمة (بإذن الله).

* محلل مالي سعودي [email protected]