«الإقط» والزبدة والسمن البلدي منتجات تحافظ على شهرتها القديمة

وجبة لا تستغني عنها المائدة السعودية

حفظ اللبن في القرب أسلوب تقليدي ما زال سائدا
TT

ظل اللبن مع التمر وجبة واحدة ومهمة وغذاء لمعظم سكان الجزيرة العربية وخصوصاً وسطها وشمالها منذ عشرات السنين وحتى اليوم، في حين اهتدى السكان قديماً الى تحويل الفائض عن حاجتهم من الألبان الى منتجات غذائية ظلت محافظة على شهرتها الى اليوم.

وكان متذوقو هذه الأكلة (اللبن والتمر) في القديم يغمسون التمر بعد اخراج النواة منه في وعاء اللبن وقطع الزبد حتى الاشباع ثم شرب اللبن دفعة واحدة، كما كان اللبن يقدم بعد وجبة الغداء من خلال وعاء واحد (غضارة) تدور على معظم الافراد ويعاد تعبئته عدة مرات الى ان يرتوي الجميع من اللبن.

وفي العصر الحديث اختفت صناعة الالبان في المنازل وظلت مقصورة على ابناء البادية ومربي الماشية وأصبح السكان في المدن يعتمدون في تأمين ذلك على ما تنتجه مصانع الالبان بعبواتها المختلفة وبإرضائها مختلف الاذواق بل أن بعضها يخلو من الدسم نهائياً.

ولا تخلو الموائد السعودية من وعاء اللبن وأصبح تناوله عادة يومية وخصوصاً في وجبات الغداء أو العشاء خلال فصل الصيف ووجبتي الافطار والسحور في رمضان، كما أن التمر بنوعية الرطب والمكنوز ظل طبقاً يقدم مع القهوة العربية وليس مع اللبن، بل وصل بالبعض الى تقديم التمر مع وجبة الغذاء كمكمل لها مثل اطباق الفاكهة. ويبدو أن خلط اللبن بالتمر الذي اكتشفه القدماء له فوائد كثيرة من خلال مد الجسم بالسكريات والبروتينات والألياف والفيتامينات والمعادن، كما أن هذه الوجبة تمد الجسم بالطاقة والحيوية ويمتاز اللبن باحتوائه حامض اللبن نتيجة تخمره، ولذلك فوائد صحية وتوفير الكميات اللازمة للجسم من فيتامين B وC وE، إضافة الى ان اللبن يعتبر عاملا في بناء عظام من يتناوله وتقوية جهازه المناعي كما يساعد اللبن على تسهيل الهضم وتخفيف الحموضة وإمداد الجسم بالكالسيوم والفسفور ومنح الجلد والبشرة النعومة والتألق.

ومارس سكان الجزيرة العربية المستقرون والرحل منذ القدم وحتى اليوم اساليب تقليدية لاستخراج منتوجات غذائية من ألبان الماشية التي استأنسها السكان وربوها في قطعان او احواش منذ اقدم العصور وحتى اليوم.

ولا تزال المنتجات المستخرجة من الألبان بالأساليب التقليدية باقية وتجد رواجا عند غالبية السكان وأهمها: الإقط، الجبن، الزبدة والسمن.

ويعد (الإقط) ويسمى ايضا البقل والمضير والعفيق والصريب من منتجات الالبان التي عرفها انسان الجزيرة منذ القدم، وورد ذكرها في الحديث النبوي وفي مصادر التراث العربي.

ووفقا لموسوعة الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية فإن «الاقط» هو اقراص صغيرة مجففة من حليب الضأن او الماعز. وصناعته تتم من خلال وضع اللبن المخوض على نار هادئة ثم يحرك بشكل مستمر حتى يتم نضجه وتخثره وفقده لأكبر كمية من المياه، وبعد ذلك يوضع اللبن المخثر في قطعة من القماش الخفيف ويعصر من جميع الجهات حتى يكتمل تبخر المياه المتبقية فيه بعد عملية الطبخ، ثم يشكل باليد الى اقراص صغيرة، إذ يضغط بالأصابع على القرص حتى ينطبع عليه شكلها، ثم تجفف فوق بيوت الشعر(الخيام) ثلاثة ايام او اربعة ويصبح بعدها جاهزا للأكل ولا يستخدم لبن الابل في صناعة الاقط.

وتعد صناعة الاقط وسيلة اهتدى اليها الانسان قديما لتجفيف اللبن الفائض عن حاجته والاحتفاظ به لوقت الحاجة.

ويؤكل الاقط بهيئته كقطع من اللبن المجفف او يضاف اليه الماء ويمرس ليعود الى هيئة اللبن.

اما صناعة الجبن فقد كانت منتشرة على نطاق ضيق في السعودية فلم تكن معروفة إلا في مكة المكرمة والمدينة المنورة وعسير وتهامة.

وتبدأ صناعة الجبن بتحضير الخميرة الخاصة بها وتسمى منفحة، ويتم إعدادها بأن يرضع جفر ضرع أمه حتى تمتلئ معدته ثم يذبح وتؤخذ معدته (كرشته) وتجفف لتصبح منفحة، وعندما تكون المنفحة صالحة للاستعمال يؤخذ شيء منها ويوضع على الحليب فيتجبن وقد مارس صناعة الجبن سكان الحاضرة والبادية على السواء، وكانت بادية المدينة المنورة حتى وقت قريب تصنع أقراصا من الجبن لها شكل حبة القرنبيط وتبيعها في سوق المدينة.

اما الزبدة التي تعد أحد المنتوجات المستخرجة من الالبان بالاساليب التقليدية، فيتم استخلاصها من حليب الضأن والماعز والبقر، ويتم ذلك بجمع الحليب في القرب الجلدية التي تعرف باسم «الصميل» او باسم «السعن». ثم تضاف الى الحليب خميرة من لبن سابق تسمى حدق، ويترك حتى صباح اليوم التالي، ثم يمخض الصميل او السعن المملوء بالحليب الى ان تظهر الزبدة على فمه، وبعد ذلك تجمع الزبدة في وعاء لتؤكل طازجة او تحول الى سمن.

اما السمن او ما يعرف بالسمن البري فيعد في الماضي من أهم منتوجات الثروة الحيوانية في كافة مناطق السعودية، وهو منتج ذو مردود اقتصادي جيد لأهل البادية، وكانت البادية تنقل انتاجها من السمن الى الاسواق القريبة منها وتبيعه الى المستهلكين او التجار، كما كان بعض التجار ينتقلون الى البادية لشراء السمن مباشرة من اهلها، وكانت عملية الشراء اما مقابل ثمن نقدي او بالمقايضة بما يحتاجه صاحب السمن من طعام وقهوة وقماش وعطارة وخلاف ذلك وأحيانا يكون السمن سدادا لثمن البضائع التي أخذها البائع من عملية التاجر في وقت سابق.

وينقل السمن داخل مداهن مختلفة الاحجام يسميها البعض «عكه»، بعضها صغير مصنوع من جلد الضب او جلد الماعز او الضأن الصغير وبعضها تصل سعته الى اكثر من مائة لتر وكانت حمولة الجمل اربع مداهن من هذا النوع وتصنع المداهن الكبيرة من جلد البدن (الظباء الكبيرة) ومن جلد الخروف الكبير، وسعة مدهنة البدن (ست تنكات)، اما مدهنة الخروف فسعتها (اربع تنكات)، وتتم طريقة استخلاص سمن الغنم من خلال جمع حليب الضأن او الماعز ويوضع في القرب والأوعية الخاصة به والمعروفة باسم السعن، ثم تضاف اليه خميرة من لبن سابق ويترك مدة ثم يمخض الى أن تظهر الزبدة فيه، وبعد جمع كميات كبيرة من الزبدة تسخن على نار الحطب الهادئة الى ان تعلوها طبقة من القشدة تجمع لتؤكل طازجة، وبعد جمع طبقة القشدة يظهر في الوعاء سمن صاف اخضر اللون. ويضيف بعض البادية قليلا من الدقيق الذي يترسب في قاع وعاء التسخين ليمنع احتراق السمن، كما ان هناك من يضيف عشبة عطرية اثناء عملية التسخين، مثل الريحان والحبق، لإعطاء السمن مذاقا طيبا، وقد يضاف ايضا قليل من الحلبة لإكساب السمن لونا اصفر، ولقطع رائحته ومنع تغير نكهته اذا طالت فترة تخزينه وبعض اهل البادية يلقي حجارة «مرو» في وعاء التسخين حتى تحد من سرعة غليان السمن، مما يساعد على نضجه، ولكي تتجمع عليها الشوائب مثل الشعر الصغير وكذلك كميات الدقيق التي توضح في وعاء التسخين، وعملية استخلاص السمن من زبدة الحليب تقوم بها عادة نساء البادية، وفي الماضي القريب قامت تجارة كبيرة على السمن في موانئ ينبع واملج والوجه وضبا. وكان تجار هذه الموانئ يجمعون السمن من البادية ويصدرونه الى اسواق مصر وينقلونه بحرا على السفن الشراعية الى ميناءي السويس والقصير. وقد حققت هذه التجارة ربحا كبيرا للعاملين بها واستمرت فترة طويلة ولم تتوقف إلا في الستينات الميلادية.

ورغم اعتماد هذه المنتجات الاربع على الاساليب التقليدية في استخراجها وصناعتها، إلا ان التقنية الحديثة انتجت هذه الاغذية بأساليب عصرية، ولكن الكثيرين يفضلونها تقليدية، كما ان ظهور امراض عصرية ساهمت في الحد من إقبال الناس على تناول هذه المنتجات وخصوصا الزبدة والسمن البري، إلا ان البعض يفضل تناول الزبدة مع التمر، واضافة السمن البري مع الوجبات والأكلات وخصوصا مع الجريش او اضافته الى أطباق الفول.