«الشريك».. من حبة الحمص الصفراء إلى المائدة الحجازية

تخبز لمدة 15 ساعة وتتحكم فيها عوامل الطقس صيفاً وشتاءً

رواج السحيرة لا يعتمد على رمضان فقط برغم شعبيته والإقبال الكبير عليه (تصوير: غازي مهدي)
TT

«بليلة بللوكِ، وسبع جواري خدموكِ» جملة عرضية تتسلل إلى أذنيك في الشوارع والأزقة الضيقة. وعلى الرغم من انتشارها والتصاقها ببائعي البليلة في الشهر الكريم، بعد صلاة التراويح؛ إلا أن حبة الحمص التي تشكل أحد اهم مكوناتها لها قصة أخرى، لا تقف مع إعلان المآذن موعد إفطار الصائمين لتجد طريقها نحو مائدة الصائمين، اذ تبدأ قصتها قبل ذلك الوقت بأربع وعشرين ساعة، بعيدة هذه المرة عن خدمة الجواري، لتلتقي مع عشّاق خبز الشٌريك.

الحبة الذهبية، التي يبدأ عبد الباسط العمل عليها من الساعة 12 ظهرا وحتى الساعة 6 من مساء اليوم التالي، وهو موعد الغرام الذي ضربته الحبة لعشاقها طيلة الأعوام الرمضانية، اذ كانت ولم تزل فيه المعشوقة الأولى على السفرة الرمضانية، ولكنها تأتي الى الموائد الرمضانية من خلال خبز الشٌريك او السحيرة. ويصف عبد الباسط عمله خلال ما يقرب من ثلاثين عاماً، تعلّم فيها أصول صنعة عمل خبز الشٌريك، قائلا «يحتاج خبز السٌحيرة او الشريك كما يسميه البعض لعمل شاق وطويل يمتد من 15 إلى 16 ساعة تتحكم فيها عوامل الطقس من موسمي الصيف والشتاء، إلا أن متوسط مدة العمل لا تتجاوز 15 ساعة».

ثلاثية التخمير التي يتفرد بها خبز السٌحيرة؛ يبدأ من نقع الحبة في الماء الفاتر مع الكربونة والملح لمدة 10-12 ساعة، لإعداد خميرة الشريك، الذي يتطلب مراقبة على مدار الساعة لضمان جودة الخميرة، ثم الدخول في مرحلة إعداد عجينة الشٌريك بخلط الدقيق مع الحليب والمحلب والسكر؛ والدخول في مرحلة التخمير الثانية لمدة لا تتجاوز الساعة ونصفها. فيما تعد مرحلة التقطيع واللف وإضافة حبات السمسم هي الأكثر سهولة في مرحلة تحضير خبز الشٌريك. في حين يبدو أن مرحلة الخبز تعد الأكثر إثارة لشهية الصائمين الواقفين على اعتاب مخابز حمادة صاحب الشهرة والشعبية الكبيرة بين عشّاق الشٌريك الرمضاني.

ارتباط الشهر الكريم بخبز الشٌريك في مدن منطقة الحجاز الثلاث، يأتي متزامناً مع كثير من العادات الرمضانية المتوارثة فيها، وهو الأمر الذي اعتبره الشيخ اسماعيل حمادة، أحد أهم العادات في رمضان بشكل خاص، والمرتبطة بصحن الفول على مائدة الإفطار في مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة؛ التي يرجع اليها أصول خبز السحيرة. وتصل مبيعاته إلى أقصاها في رمضان؛ في حين أنها لا تتجاوز 10 في المائة من ذلك خارج نطاق منطقة الحجاز، كما أوضح حمادة. واعتبر حمادة أن رواج السحيرة، لا يعتمد على رمضان فقط، برغم شعبيته والإقبال الكبير عليه ويلقى إقبالا ايضاً خلال الشهور الأخرى، ويتطلب زيادة في كميات الإنتاج خاصة يومي الاثنين والخميس لكثرة الصائمين. ولا يقف أمر السٌحيرة على الصائمين في البلد؛ بل أن المغتربين لهم نصيب من سحيرة رمضان، وهو الأمر الذي يحرص عليه بعض الأهالي بإرسال كميات كبيرة من خبز السحيرة بالطائرات الى ذويهم في الخارج. الخلط في التسمية بين السحيرة الرمضانية وشريك التعتيمة الحجازية لم يقف حائلا أمام عشّاق حبة الحمص الحاضرة وبقوة على رأس مائدة رمضان، في أخذ أماكنهم عبر طابور طويل استعدادا لحجز نصيبهم من شٌريك المعلم عبد الباسط، الواقف عند باب الفرن لتلبية الطلبات في محاولة للحاق بسباق ما قبل الإفطار قبل أن تبدأ شمس الغروب بلملمة خيوط أشعتها من الأرض.