من أجل قهوة فاخرة

يجوبون المزارع في أدغال أفريقيا والأمازون برا وجوا

تنظم هيئة اميركية غير ربحية في 8 دول منتجة للقهوة كل عام مسابقة «كأس الجودة» لفترة 10 أيام، وبعدها يطرح المنظمون القهوة في مزاد على الإنترنت
TT

كان دوان سورنسون ينوي الذهاب لليمن، وهناك يريد قيادة سيارة ذات دفع رباعي تساعده في شق الطرق الرملية، وكذلك التحليق في طائرة صغيرة في السماء العربية، ليجول البلاد برا وجوا بحثا عن مزارعي قهوة يتمتعون بعقل متفتح ويتقبلون افكارا وآراء جديدة بخصوص محصولهم. وسورنسون هذا، وهو صاحب «ستامبتون كوفي روسترز» في بورتلاند بولاية اوريغون، ينوي ايضا دفع مبالغ اكبر من أي شخص آخر للمزارعين مقابل تحسين محاصيلهم.

الا انه واجه مشكلة في جواز سفره مما منعه من مغادرة واشنطن. وبالرغم من خيبة أمله فقد استقل طائرة الى غواتيمالا سيتي. وعندما وصل أكل الأكلات الشعبية مثل التورتيلا والفاصوليا وسمك التيلابيا مع صاحب «فينكا ايلنجيرتو» في غرب هوهوتنانغو، وهي واحدة من اشهر مزارع البن في اميركا الوسطى.

كان مشوارا طويلا لتناول الطعام. ولكن سورنسون وعدد من الباحثين عن القهوة مثله على استعداد للذهاب لأي مكان، والقيام بأي شيء ودفع أي سعر بحثا عن فنجان قهوة متكامل. وبالنسبة للناس في «ستامبتون» والمنافسين الوديين من امثال محامص «انتلجنسيا» للقهوة و«تي ترادرز» (تجار الشاي) في شيكاغو و«كاونتر كالتشر» في دارهم بولاية نيوجيرسي، فإن الرحلات الطويلة الى مزارع نائية بدون نتيجة مباشرة هي خطوة ضرورية في اطار هدف أكبر: أي تحسين تجارة القهوة.

وقال مارك برنس المحرر في موقع COFEEGEEK.COM الخاص بالقهوة على الانترنت «هؤلاء الناس لديهم قدرة غير معقولة على الحصول على بن مميز».

وذكرت كوني بلامهارد ناشرة «روست» (تحميص القهوة) وهي مجلة متخصصة في القهوة «من المؤكد انهم الرواد الآن. ان بعض اصحاب محلات بيع البن الصغيرة يقدسونهم، مثل الآلهة».

واشهر لقب يطلق على هذا النوع من العمل الذي تمارسه شركات البن هي «التجارة المباشرة». وتعني ببساطة ان اصحاب محلات بيع البن «المحامص» يشترون انتاجهم مباشرة من المزارع والتعاونيات التي تزرع القهوة في دول انتاجها في أميركا الجنوبية وآسيا وليس عبر السماسرة.

وقد اشتهر هذا التعبير عبر جيف واتس مدير شراء البن والبن الاخضر لمحامص شركة «انتلجنتسيا». وقام واتس اخيرا مع دوان سورنسون بزيارة بورندي مع آخرين من تجار محامص القهوة لمناقشة بعض المجموعات العاملة في زراعة القهوة في بورندي من اجل اعادة حياة التقاليد القديمة التي قام عليها انتاج هذا المحصول الزراعي. والتجارة المباشرة ـ التي تعني ايضا اتصالات مكثفة بين المشتري والمزارع ـ تقارن بالنموذج القديم الذي لا يزال منتشرا، الذي تشترى فيه شركات دولية كبيرة البن بكميات كبيرة عبر السماسرة، بأقل سعر ممكن.

كما انها تمثل، على الاقل لعديد من الناس في قطاع البن المتخصص، تحسنا في المجالات السابقة مثل التجارة العادلة او العضوية (عدم دخول المواد الكيماوية في زراعته) او الودودة تجاه الطيور والبيئة. ومثل تلك المجالات ترتبط بكيفية زراعة القهوة، وربما تغري المستهلك بدفع مبلغ اكبر للبن، ولكنها لا تقدم ضمانات بخصوص المذاق او النوعية. إلا ان شركات «القهوة المباشرة»، تهتم بالزراعة المتماشية مع البيئة السعر اكثر من الثمن المدفوع حتى في التجارة العادلة، وتعتبر ذلك الطريق السليم من اجل الحصول على مذاق افضل للقهوة.

ويسعى اصحاب «المحامص»، عن طريق قضاء عدة شهور سنويا في زيارة المزارع، الى تقديم قهوة منتجة بأفضل طريقة ممكنة، ومشتراة بطريقة عادلة ومحمصة باهتمام. والهدف، هو ببساطة بيع أفضل قهوة ممكنة.

ويشرح جورج هاول مهمته بقوله «هي عملية استكشاف لمذاق القهوة». ويتدخل هاول الذي يدير شركة «جورج هاول» للقهوة؛ وهي محمصة في «اكتون» بولاية ماساشوسيتس، في كل مراحل معاملة القهوة منذ بداية عمله في هذا المجال عام 1974. وقال «نعثر على مذاقات لم نذقها من قبل، وثمار مختلفة ومذاقات مختلفة من قهوة نظيفة. وهي مذاقات ضاعت او جرى تخفيفها في طرق مزج القهوة القديمة».

ويأتي عمل أصحاب محامص التجارة المباشرة على الاسس التي وضعتها شركات مثل «بيت» وفيما بعد «ستاربكس»، التي خرجت خارج نطاق نظام السلعة التجاري للعثور على قهوة افضل.

إلا ان السيدة بلامهارت قد قالت ان تلك الشركات كبيرة بدرجة لا تسمح لها بفحص كل حبة قهوة مثلما يفعل اصحاب شركات التجارة المباشرة. وتشتري شركة ستاربكس اكثر من 300 مليون رطل بن في السنة بينما اشترت شركة «انتليجنتسيا» وهي اكبر شركات التجارة المباشرة مليوني رطل بن.

وفي بعض الاحيان يجد اصحاب المحامص مزارع بالصدفة. فقد تحدث بيتر جوليانو بحماس عن عثوره بالصدفة على مزرعة في اميركا الوسطى مزروعة بنبات «الجيشا» المعروف انه ينتج افضل انواع البن من حيث النوعية. (تم دفع اعلى سعر في مزاد للقهوة لقهوة اسمرالدا اسبسيال، وهي قهوة بنامية منتجة من بن الجيشا).

ويرتبط اصحاب المحامص مع المزارعين عبر مسابقات للتذوق. وأهم تلك المسابقات هي مسابقة كأس الجودة، الذي تنظمها هيئة اميركية لا تسعى للربح في 8 دول منتجة للقهوة. وتستمر مسابقات التذوق هذه لفترة تصل الى 10 ايام، وبعدها يطرح المنظمون القهوة في مزاد على الانترنت.

وقد انفق سورنسون مؤخرا اكثر من مائة الف دولار لشحنة من البن حصلت على اعلى التقديرات في كأس الجودة في نيكاراغو. وقد تم بيع رطل البن وهي من مزارع مارسيو بنجامين برالتا في نيكاراغوا بسعر 47.06 دولار للرطل الواحد. وبالنسبة لسورنسون الذي قال انها مزيج من «مذاق المانجو والخوخ والشمام وزهر الياسمين» وجعلها افضل قهوة نيكاراغوية تذوقها، ولهذا فهي تستحق ذلك السعر.

وقد بدأت شركة «كاونتر كالتر» في شراء بن من فينكا موريتانيا، وهي مزرعة تمتلكها عايدا باتل في سفوح بركان سانتا انا في السلفادور، بعدما لفتت قهوة المزرعة الانتباه في مسابقة «كأس الجودة» في السلفادور عام 2003. وبعد العمل مع عايدا لعدة سنوات، وزيارة المزرعة بانتظام وتذوق البن المنتج تحت مجموعة متعددة من الظروف، طلب غوليانو منها التقاط ثمار البن عندما «يكون نصف الثمار بلون البورغاندي والنصف الآخر أحمر براقا»؛ وهو مزيج كما يوضح غوليانو يؤدي الى افضل حلاوة في فنجان القهوة. وتبين ان واحدة من افضل الوسائل لتشجيع التغيير هي بسيطة مثل المشاركة في احتساء عدة فناجين من القهوة مع الناس الذين يزرعونها. ومن الواضح ان هذه الوسيلة لم تكن منتشرة حتى عشر سنوات ماضية.

وقال واتس ان عملية تذوق القهوة المتعددة الخطوات يمكن ان تساعد المزارعين على فهم ما يبحث عنه المزارع. وقال «لا بد من وجود حافز مالي حقيقي لكل خطوة تحسينية في النوعية، ولكن لا يجب ان تكون غامضة. يجب ان تكون موضوعية. يجب ان يحصل المزارع على كل سبب للاعتقاد ان استثماره في مزرعته هو استثمار ذاتي، وليس مجرد شيء طلبه منه اميركي مجنون. وعندما تصبح لديهم نفس المواهب التقييمية التي لدينا، يمكنهم تذوق قهوتهم ومعرفة ما تساوي».

وتعني علاقات قطاع التجارة المباشرة ان اصحاب المحامص يضمنون دفع اكثر من الاسعار التي تدفعها شركات التجارة العادلة للقهوة التي تلبي مجموعة من المعايير المتفق عليها. واذا ما حصلت القهوة على اكثر من تلك المعايير المسبقة يحصل المزارعون على اكثر من ذلك.

وشجعت مسابقات تذوق القهوة اصحاب المحامص على الاختيار الافضل من بين افضل انواع القهوة التي سيقدمونها لزبائنهم. وفي آخر زيارة له لفينكا البونتي، وهي مزرعة قهوة في منطقة جبلية في جنوب غربي هندوراس، تذوق غوليانو 68 كمية صغيرة من انواع القهوة. وقد تم فصل البن عبر المنطقة التي نمت فيها في المزرعة. وأعطت مثل هذه المسابقات لأسرة كابالرو، التي تملك مزرعة البونتي، فكرة عن المميزات التي يتطلبها غوليانو في فنجان القهوة، بحيث يمكنهم متابعة تلك المميزات الى جزء معين في مزرعتهم، او نوع من أحراش القهوة، او درجة النضج عند جمع المحصول. وبالنسبة له حصل غوليانو على فرصة التقاط افضل مزيج من قهوة البونتي. وبالنسبة لأي كمية مميزة يدفع فيها اكثر من السعر المعتاد، ويحمصها وحدها ويبيعها بسعر اعلى باعتبارها «كمية محلية».

وقد تذوق هاول مختارات من البن مع الجاندرو كادينا من فيرماكس، وهو مصدر كولومبي مهتم بالنوعية الجيدة. احضر كادينا كميات من البن مقسمة طبقا لحجمها لمعرفة تأثير حجم البن على فنجان القهوة. واكتشف هاول ان ثمار البن الصغيرة من البرازيل تحمل حموضة اكثر من الثمار الكبيرة. ولكن حجم الثمار لا يؤثر على بن كادينا، وهو اكتشاف يرجعه هاول الى مزج انواع مختلفة من نباتات البن المزروعة في مزارع في فيرماكس.

كما ان تذوق انواع القهوة هو طريقة لتحديد اين تتعرض افضل انواع القهوة خلال عملية الشحن او الانتاج الى التلف؛ ففي مسابقة للتذوق في اكتون عرض هاول بعض انواع الاخطار. فقد قارن ما بين ثمار البن التي تقضي وقتا طويلا في اكياس الخيش بتلك التي تخزن في عبوات بلاستيكية.

وفي بعض الاحيان تؤدي محادثة بسيطة الى تأثيرات كبيرة على المنتج النهائي او على الناس الذين يزرعونه؛ ففي رحلة الى رواندا في عام 2006، سأل سورنسون مزارعا في «كواكاكا كوبراتيف يابانهينزي يا كاوا يا كارابا» وهي جمعية تعاونية تمده بالبن الرواندي الذي يبيعه تحت اسم «كارابا» - عما يمكن ان يفعله لتحسين قهوته.

وقال هاول ان الشخص واسمه انوسنت (البرئ) اوضح له «ان دراجة ستساعده على نقل الثمار الناضجة الى المستودع. وهو الامر الذي سيحسن نوعية القهوة، لان ثمار القهوة يجب وضعها في مستودعات خلال ساعات من حصدها». وتجدر الاشارة الى ان ثمار البن التي تترك في الشمس يمكن ان تتخمر وهو ما يفسدها.

وبعد العودة من زيارته اسس سورنسون جماعة خيرية اطلق عليها دراجات لرواندا. وقد تم تسليم في شهر ابريل (نيسان) الماضي درجات معدلة بحيث يمكنها حمل عبوات من البن على طرق تتميز بالمرتفعات الى الجمعية التعاونية مع بداية فصل الحصاد.

وبالرغم من ان الانانية تلعب دورا في هذا الجهد، فقد ذكر سورنسون ان دفع ثمن اعلى للقهوة ومعاملة المزارعين كشركاء هي الطريقة الوحيدة للحصول على النوعية التي يريدها. «ليس ذلك عملا خيريا. المزارعون يستثمرون في عمالهم، واحراش البن والمعدات والارض. ونعلم حدوث ذلك لاننا نقضي وقتا معهم عبر العام، وفي مزارعهم وفي بيوتهم». ولكنها ليست نقطة على استعداد للجدل حولها، لأن الدليل هو في فنجان القهوة.

* خدمة «نيويورك تايمز»