مطاعم نورا.. مقصد المشاهير والسياسيين

من العمل في فندق صغير إلى إمبراطورية المأكولات اللبنانية

الشيف جوني خلال اعداده احدى الوجبات الخاصة بالمطعم (تصوير: حاتم عويضة)
TT

قصة نجاح باهرة، بدأت بخطوة خجولة في فندق صغير في قرية بولونيا اللبنانية، كان يعمل فيه كل من نادر بو أنطون وشقيقه جان بول لحساب عمهما مالك الفندق، ولكن وبعد اندلاع الحرب اللبنانية اضطر الاخوان بو أنطون لترك وطنهما والتوجه الى فرنسا للعيش بسلام مع عائلتيهما بعيدا عن وابل الصواريخ وانعدام الامن.

ولم يكن ليعتقد أحد بأن فكرة انشاء مطعم لبناني صغير في أحد الاحياء الفرنسية سوف يكتب لها النجاح ليصبح اسم «نورا» اسما لامعا في عالم المطابخ والمطاعم العالمية، يجذب اليه الفنانين والسياسيين أمثال الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران الذي كان يواظب على زيارته بانتظام.

وبعد الحاح شديد من قبل زبائن «نورا» المميزين في باريس تم افتتاح مطعم «نورا» في لندن بفروعه المتعددة في وسط لندن وبالتحديد في منطقة بلغرافيا الراقية ومايفير ونايتسبريدج وبيكاديللي، وأصبح يستقطب شخصيات مهمة وزوجات السياسيين اللاتي يتلذذن بطعم المأكولات اللبنانية التي ينفرد بها المطعم.

ويروي نادر بو أنطون خلال وجوده في أحد فروع مطاعمه في بيكاديللي، إن شيري بلير زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق كانت ولا تزال من بين الزبائن الدائمين في مطعم «نورا» وتتصل بالشيف لاخذ مشورته لتنفيذ وصفات الطهي لاطباق لبنانية مفضلة على معدتها ومعدة توني بلير، كما أن لاعبي كرة القدم يترددون على المطعم لأن المأكولات اللبنانية غنية بالبروتينات التي تساعدهم على المحافظة على نظام غذائي صحي.

ويبدو ان المجد الذي يلف امبراطورية «نورا» لم يغر عائلة بو أنطون، ففي كل مرة تتوجه بها الى أحد فروع «نورا» لا بد وان تلتقي بأحد أفراد العائلة، فيقول نادر إن سر نجاح أي مؤسسة أو شركة في العالم هو العمل الدؤوب والمثابرة والمتابعة عن قرب، للحفاظ على النجاح، فهو يتعاطى مع ادق التفاصيل، يدخل المطعم باستمرار، وعلى اتصال دائم مع الموظفين، وهو يقسم وقته يوميا ما بين المطبخ والمكتب والمطعم. وهذا النمط من العمل حافظت عليه عائلة بو أنطون على مدى 3 عقود من دون كلل ولا تعب.

وعن بداية مطعمه في باريس يقول نادر بو أنطون، في عام 1980 قررت مع أخي افتتاح مطعم صغير لتقديم المأكولات اللبنانية، وجاءت الفكرة بعد أن أصبح عدد الجالية اللبنانية في باريس مرتفعا جدا ولم تكن توجد حينها في باريس مطاعم لبنانية تلبي طلبات اللبنانيين وتقدم لهم مأكولاتهم التي تخفف عنهم هم الغربة. فكانت البداية متواضعة جدا فلم يكن المطعم باستطاعته استيعاب أكثر من 30 كرسيا، ولكن الفكرة الاساسية كانت في تأمين نوعية طعام عالية الجودة في أجواء عائلية هادئة ومريحة.

ومن مطعم صغير في وسط باريس اصبح اسم «نورا» يلمع ويجذب اليه الى جانب المهاجرين اللبنانيين والعرب، رجال الاعمال الباحثين عن مكان هادئ لمناقشة العمل وعقد الاجتماعات.

ولم تقتصر لائحة زبائن «نورا» على العرب واللبنانيين فقط، بل كسب المطعم ولاء الزبائن الفرنسيين في باريس وولاء الاجانب بشكل عام في لندن. وبعد 5 سنوات من العمل ليلا نهارا في سبيل التقدم وحمل اسم «نوار» الى أعلى، تم افتتاح مطعم جديد في باريس ليستوعب 110 كراسي.

وعن سر نجاح «نورا» يقول بو أنطون إن التوقيت الذي تم فيه تنفيذ فكرة المطعم في باريس وافتقار السوق في وقتها لهذا النوع من المأكولات والطلب العالي عليه والعمل المتواصل جعل من «نورا» في موقع متصدر.

وعن الذي يميز مطعمه عن باقي المطاعم اللبنانية في لندن يقول نيكولا انجيلانا مدير تطوير أعمال مجموعة «نورا» إنه قد يكون من السهل على أي كان تحضير المأكولات اللبنانية، إنما من الصعب تقديم أطباق لبنانية رائعة تنفرد بنكهات مميزة. في مطاعم «نورا» تقدم الاطباق اللبنانية الاصيلة بوصفات قديمة وقروية مع مراعاة الذوق المحلي في كل بلد. ويتم التركيز في كل من المطاعم على تقديم المأكولات التقليدية والمقبلات الشهيرة، فيبدو الغنى جليا من خلال الاطباق التي تزين الطاولات بأفضل أنواع المقبلات.

ويضيف نيكولا، بما أن شعار المطعم هو ارضاء زبائنه، فكان لا بد من تعديل بعض الوصفات لتتوافق مع اذواق الباريسيين من خلال التركيز على الثوم في الكثير من الوصفات، في حين يتم استبداله بالفلفل الحر والشطة والصلصات الحرة المرافقة للاطباق الرئيسية مراعاة لذوق البريطانيين وأهالي لندن.

لم يكن مشوار نجاح «نورا» كله ورودا إنما كان محفوفا بالاشواك، فتوسيع الحلم ليطال لندن، نزولا عند رغبة العديد من الزبائن الباريسيين والعرب الذين يملكون عقارات في لندن ويمكثون بها بين الفينة والاخرى، لم تكن بالشيء السهل، ففي بادئ الامر وعند افتتاح اول فرع للمجموعة في عام 2000 اضطر نادر للتفكير للحظة، فيما إذا كان قد اتخذ القرار الصائب في توسيع عمله، لان اسم «نورا» لم يكن معروفا في لندن كما ان عقلية البريطانيين وتعاطيهم مع الاكل مختلفة تماما عن تلك التي تميز الفرنسيين، فلندن مدينة عالمية، وكوزموبوليتانية، فقد تجد في احد فروع المطعم 15 جنسية في اليوم الواحد وهذا ما لا تجده في باريس، فكل الزبائن الاجانب هناك هم من الفرنسيين فقط.

وتتدخل هنا جوسلين زوجة نادر وهي عضو فعال في امبراطورية «نورا» وتصف اللحظات الصعبة التي عاشتها في بداية المشوار في لندن، فبعد عمل متواصل على مدى 3 عقود في باريس، أخذ زوجها القرار لتكبير الشركة وتوسيعها وكان الخيار لندن، غير ان النقلة من باريس الى لندن كانت مضنية كثيرا لانها كانت بمثابة بداية جديدة، أي بمعنى آخر بداية من الصفر كما وصفتها، فبعد ان اصبح لـ«نورا» 7 فروع في فرنسا، وتأقلمت في العيش في اجواء الرفاهية هناك، عادت من جديد لتستيقظ عند الساعة الخامسة صباحا لمساندة زوجها في مشروعه الجديد، ورجعت الى ايام العمل المتواصل في المطبخ ووراء الصندوق، غير ان رؤية نادر المستقبلية جعلتها متفائلة جدا، فبتصوره كان لا بد من التضحية لمدة 6 اشهر لكي يصبح لنورا موقعا على خريطة المطاعم اللندية، وهذا ما حصل بالفعل. وتتميز سلسلة مطاعم «نورا» بتقديم الحلويات اللبنانية الاقل شهرة عن تلك المعروفة عالميا مثل «البقلاوة»، وتركز على الوصفات القديمة التي تجدها في القرى اللبنانية النائية، فتنفرد «نورا» بوصفات خاصة بالارز بالحليب الذي يضاف اليه عصير زهر الليمون وتفوح منه رائحة ماء الورد وتزينه طبقة من القشطة التي تصنع في المطعم.

ويقول الشيف جوني عطية بأن سر النكهة في اطباق الحلوى هي القشطة التي نحصل عليها بعد عملية غليان طويلة، ويتم استخراج كمية 200 غرام من القشطة من ليتر واحد من الحليب، وهذا ما يجعل المأكولات والحلويات في المطعم الذ لانه لا يمكن الاستخفاف بذكاء الزبون واستبدال المكونات الاصلية بمكونات جاهزة من السوق ولو كان ذلك على حساب مصروف المحل. ومن الاطباق التي تتميز «نورا» بتقديمها هي حلاوة الجبن، نكهتها لذيذة بسبب نوعية القشطة وماء الورد والزهر المضاف اليها، فهي من أهم الحلويات التي تقدم على موائد نورا.

كما انه من افضل وصفات الحلويات التي تقدمها «نورا» البوظة المشكلة بنكهة الفستق والفواكه، ويقال بأنها الطبق المفضل عند مفوض التجارة في الاتحاد الاوروبي بيتر ماندلسون.

ومن سياسة «نورا» تطوير لائحة الطعام باستمرار فيتم الذهاب الى لبنان بشكل مستمر لتذوق الاطباق التي اصبحت شبه مفقودة ويقوم الطهاة على تطويرها وإضافة المكونات الخاصة لتجعل منها وصفات خاصة لا تجدها الا في «نورا» ويتم التركيز على الصلصات والتتبيلات الجديدة. وفي «نورا» يتم التركيز أيضا على الطبخات الشعبية مثل الملوخية والمحاشي، ويقول ماجد الابن الاكبر لنادر إن الكثير من الزبائن يأتون الى المطعم طالبين هذا النوع من المأكولات لانها تذكرهم بأكلات جداتهم.

فدرجت العادة اليوم بأن تجد ندلا من بلدان اوروبا الشرقية في المطاعم اللبنانية، غير أن التواصل ما بين الزبون والنادل لا يكون على نفس المستوى خاصة إذا كان الزبون عربيا والنادل لا يمكنه فهم الطلب مما يشكل مشكلة في الكثير من الاحيان، وهذا ما لا يحدث في «نورا» لان معظم العاملين في مطاعمها هم من الجنسية اللبنانية والعربية وكل الطهاة جيء بهم من لبنان ويعتمدون طريقة واحدة في الطبخ تتلاءم مع المستوى الذي تتبناه نورا في جميع فروعها.

اما بالنسبة للجوائز، فكان لـ«نورا» نصيبها في 3 شوك (جائزة معتمدة في بريطانيا لتصنيف المأكولات) لانه لم يتم بعد تصنيف المطاعم اللبنانية للدخول في معترك الحصول على نجمات ميشلين العالمية.

وبدا الحماس ظاهرا على وجوه أبناء نادر، ماجد وهاني وندى الذين يعملون جنبا الى جنب مع أبيهم بمساندة امهم جوسلين. وتروي ندى تجربتها لمدة شهر كامل في المطبخ، حيث يقول نادر إن هذا النوع من العمل يتطلب بأن يعرف ربه جميع خباياه وأسراره ولا يمكن البدء الا من المطبخ لانه مفتاح النجاح. وبعد تقديم النادل جورج حسن الخطيب طبق من النقانق التي قام الشيف جوني بطهيها مباشرة أمام الزبائن وكانت رائحة الحامض تنبعث منه، قال جوني بأن الطريقة المثلى للقلي هي تحمية الزيت جيدا قبل البدء بعملية القلي للمحافظة على خواص اللحم او الجبن.

ومن خلال صورة عائلة بو أنطون مجتمعة حول مائدة «نورا» يمكن معرفة هدف المطعم وهو لم شمل العائلات وتناول لقمة هنية.