محل صغير يتربع على عرش الشوكولاتة

عندما يتحول الطاهي الى حرفي

TT

على بعد عدة اميال من بيزا وفي قرية كساسينا الصغير في اقليم توسكانيا يوجد محل صغير تصطف على رفوفه صناديق مغطاة بورق السيلوفان، ويدخل الزبائن المحل لشراء احتياجاتهم ويشمون رائحة الطعام القادم من المطبخ. ويضع صاحب المحل بول ديبونت طبقا به نماذج صغيرة ليتمكن الزبائن من تذوق المنتجات. ولكنك لن تجد زجاجات من البهارات لأن ديبونت يصنع شيئا واحدا «الشوكولاته».

واوضح ديبونت «تتذوق وتدرس النوعية وتعد المزيج هذا ما يعني ان تصبح حرفيا». ويوجد محله الرئيسي في بيزا.

ومنذ الثمانينات عندما بدأ العالم يشتري المعجنات والاجبان وغيرها من المنتجات من توسكانيا بالاطنان، انتشر تقليد يتعلق بالشوكولاته عبر المنطقة. مصانع صغيرة مخصصة لطحن ومزج الكاكاو ظهرت في المثلث الممتد من فلورنسا الى بيزا الى مونتكاتيني وهو ما جعلها تنتج افضل انواع الشوكولاته في العالم. واصبح يطلق على المنطقة «وادي الشوكولاته».

وقال ديبونت «سكان توسكانيا يهتمون بالحديث عن الطعام وتذوقه ودراسته. انا هولندي ولا توجد تقاليد للطعام في هولندا. التقليد الوحيد في هولندا هو غلي البطاطس. ولا يمكنني القيام بذلك هنا».

وحتى فترة اخيرة، لم يكن احد يصنع الشوكولاته في توسكانيا. ولكن ما كان يعتبر في يوم من الايام شيئا قيما يستخدم في اعياد الميلاد وعيد الفصح يعتبر الان منتشرا مثل القهوة. ففي العقد الاخير، تضاعف استهلاك ايطاليا من الشوكولاته بحيث وصل الى 9 ارطال للشخص الواحد، وفي العام الماضي بلغت مبيعات الشوكولاته في ايطاليا ما يقرب من 507 ملايين دولار اميركي. لكن هذه هي ايطاليا، فبالرغم من الزيادة الكبرى في استهلاك الشوكولاته فلا تزال تصنع بطريقة حرفية تصل الى حد الهوس.

وتمتد جذور صانعي الشوكولاته في توسكانيا الى رجل واحد: روبرتو كاتياناري. وهو من بيستاويا. وقد درس كاتياناري صناعة الشوكولاته في سويسرا لعقدين من الزمن في الخمسينات. ثم عاد عام 1974 الى بلده بحقيبة مليئة بالوصفات. وبعدها بعدة سنوات افتتح محلا صغيرا يحمل اسمه في بلدة اغليانا في اقليم توسكانيا.

وبدأ في صناعة الواح الشوكولاته، ولكن مع مرور الوقت بدأ في صناعة قطع الشوكولاته المضاف اليها المكسرات وتماثيل من الشوكولاته لأشياء مثل جوائز الكرة والحيوانات الصغيرة. وحققت نجاحا كبيرا وظهر «وادي الشوكولاته».

وفي بلد يفخر بالتقاليد الحرفية التي تمتد الى قرون طويلة كان مشروع كاتياناري حركة جريئة. فمراكز الشوكولاته في ايطاليا تتركز تاريخيا في اقليم بيدومنت في الشمال، كما اوضح اندريا بيانتشيني من «لا بوتاغا ديل شيكولاتو» وهو محل للشوكولاته في فلورنسا. واضاف «الشوكولاته القادمة من بيدمونت هي تقليدية جدا.» وتتميز شوكولاته توسكانيا بميزتين اساسيتين. فهي تضم مذاقات من وسط ايطاليا. ويقول بيانتشيني «استخدم مذاقات من توسكانيا: زيت الزيتون والخل والخزامى. والميزة الثانية هي انها تصنع يدويا في ورش صغيرة. والشوكولاته القادمة من توسكانيا مصنوعة من الكاكاو وزبدة الكاكاو والفانيلا الخالصة والسكر بدلا من عسل الذرة. ولا يختلف ذلك كثيرا عن الشوكولاته القادمة من بيدومنت. ولكن نوعية حبوب الكاكاو القادمة تقليديا من جنوب اميركا او افريقيا، ونسبة الكاكاو المرتفعة فوق 70 في المائة. والتوازن الدقيق في المحتويات.

وربما لا يوجد مكان يتسم بالجدية مثل اميدي وهو محل للشوكولاته في قرية بونتديرا. فالشوكولاته القادمة من اميدي تباع في محل في فلورنسا. وهي لا تحمص حبوب الكاكاو ولا تطحنها بنفسها، بل تزرع بعض انواع الكاكاو الخاص بها في اميركا الجنوبية.

ويقول اليسيو تسيري، الذي يملك اميدي مع اخته سيسليا «كان علي تعلم كل ما يعرفه المزارعون في فنزويلا – الطقس والامطار والارتفاع والطرق المثالية لقطف الحواضن وقطف الحبوب».

ومن الخارج يبدو المصنع ـ غير مسموح للجمهور بدخوله ـ مثل مخزن زراعي ضخم، فيما عدا حبوب الكاكاو المزروعة على واجهته. وبالداخل كانت هناك مصانع عملاقة تطحن الكاكاو. وكانت بعض الغرف محظورا الدخول إليها ولم تكن سيسيليا تريد كشف اسرار صناعة الشوكولاته بها. وفي الناحية الاخرى من الوادي يوجد سليتي تشيوكولاتو في مونسيومانو الذي يملكه اندريه سليتي، وهو تلميذ سابق لكاتياناري. وهو بوتيك ومقهى في نفس الوقت. ومن المتوقع ان يفتتح سليتي مصنعا للشوكولاته الى جوار المحل، حيث يقدم دورات دراسية في صناعة الشوكولاته. وقال ان المصنع سيعلم الناس اسرار الشوكولاته. وسنعلمهم الاساسيات، وليس كل شيء. سأحمل بعض الاسرار معي الى القبر.

* خدمة «نيويورك تايمز»