الطعام ممارسة روحية تتعدى إشباع المعدة

فيلم «كيف تطبخ حياتك»

TT

المتمرسون في الطبخ واعداد الطعام يعرفون تماما معنى الطبخ، وما يوفره هذا النوع من النشاط من بهجة للنفس والروح معا، كما ان الذواقين يشعرون بغبطة لا توصف بعد تذوق طبق محضر بحب وشغف بعيدا عن الاكلات السريعة التي لا تحتوي على أي نوع من الغذاء المفيد، فهناك نظرية تؤمن بأن الطعام فن لا يتقنه الا من تختلج نفسه بالروحانيات.

وربما يشعر من شاهد فيلم «كيف تطبخ حياتك» بالحزن على سنوات ضاعت وهو لا يعي ان اعداد الطعام وتناوله ممارسة روحية وثقافية أسمى من مجرد حشو المعدة بأي وجبات عشوائية خالية من المواد المفيدة للجسم والعقل، يطلق عليها اسم «الوجبات السريعة».

ويلقي بطل الفيلم الراهب البوذي الاميركي ادوارد براون في الولايات المتحدة دروسا في فن الطبخ، لكنه لا يقع في فخ الارشاد التعليمي، بل لا تفارقه الابتسامة والضحكة المجلجلة أحيانا وهو يشرح لهم كيف يصنع الغذاء بما فيه التفنن في ابتكار أشكال غريبة للخبز.

والطعام في رأي براون ليس مجرد أكل لكنه مناسبة تحتفل فيها الحواس بداية من قبضة اليد التي تجهز عجينة الخبز بالبهجة بعد النجاح في اعداده بطريقة تجعل الطاهي يثق بأن الطبخ درس في فنون الحياة التي يجب أن تطبخ أيضا بطريقة لا تعرضها للاحتراق أو أن تفسد بكثرة الملح.

ويبدو مريدو براون وهم من أعمار مختلفة في الفيلم التسجيلي الذي أخرجته الالمانية دوريس دوري سعداء بالتجربة فتتسرب اليهم فلسفته في الطبخ حتى ان امرأة تعترف «نحن نطهو الطعام وفي الحقيقة هو الذي يطهونا»، في اشارة الى أن الكيفية التي يطبخ بها الانسان الطعام خير تعبير عنه.

ويضحك شاب في مطلع العشرينات قائلا: «أنت ما تأكله... ستصبح هامبورغر ذات يوم». وتقول احدى الممرضات إن الطعام شيء يتجاوز كونه غذاء فتقديمه بشكل معين يمنح النفس السلام والامان.

وعرض الفيلم الذي أنتج هذا العام وتبلغ مدته 93 دقيقة الاسبوع الماضي في مركز الابداع الفني في دار الاوبرا بالقاهرة في افتتاح كارافان السينما العربية الاوروبية في دورتها السادسة التي تشمل عرض 24 فيلما تسجيليا قصيرا وطويلا وروائيا قصيرا عربيا وأجنبيا.

وقال براون إنه يمارس الطبخ من نحو 40 عاما وانه اعتنق البوذية منذ الصغر ووفقا للتقاليد البوذية فإن اعداد الطعام وتناوله نوع من العبادة والاتصال بالطبيعة، فالأشياء أيضا بها روح، كما ان الطعام وسيلة لتطوير الانتباه، ويمكن للشخص أن يستثمر طاقة الغضب في إعداد الطعام.

والفليم يثير الدهشة ليس باستعراض أنواع من الاطعمة الجديدة غير المعروفة، وانما باعادة اكتشاف المألوف في العلاقة بين الانسان وطعامه اليومي أو كيفية تناول هذا الطعام، كما يدعو براون الى العناية بالطعام، «كأنه بصرك، عندما تقوم بالطبخ فأنت لا تطبخ الطعام فقط لكنك تعمل على نفسك وعلى الآخرين».