طاه أم صيدلي؟

مصطلحات الطبخ تتحول إلى معادلات علمية

TT

في شهر سبتمبر الماضي، وخلال حديث مع مجموعة من الطهاة حول العالم، تحدث ويلي دوفراين من مطعم دبليو دي – 50 بحماس شديد عن نوع من المواد يضيفه الى أطباقه.

وهو ليس نوعا نادرا من التوابل. بل هو مادة هلامية بروتينية تقع في اسفل قائمة المواد المستخدمة في الاطعمة في المطاعم يطلق عليها اسم هايدروكولويد. وهذه المواد تساعد دوفرسن على اعداد اطباق شهية مثل المايونيز والفواغرا (كبدة الاوز) المقلي.

ويستخدم الطهاة العلم ليس لتحسين فهم الطهي، بل ايضا للتوصل لوسائل جديدة للطهي. وفي اماكن اخرى استخدم الطهاة اشعة الليزر والنيتروجين السائل. وأصبحت مطابخ بعض المطاعم مجهزة بمعدات واجهزة معدلة من المختبرات العلمية. وصمغ الزانثان، على سبيل المثال، يستخدم في زجاجات خلطة السلاطة لإبطاء عملية هبوط حبيبات التوابل في قاع الزجاجات وعدم فصل المياه عن الليمون. وقد اصبح الزانثان والمواد الهلامية جزءاً اساسيا في مطابخ كبار الطهاة.

وقال دوفراين في مؤتمر الطهاة الدوليين في نيويورك «يتزايد دخول تلك المواد في المطاعم التقليدية».

ولاحظ ان المواد الهلامية التي يستخدمها تأتي من مصادر طبيعية ولها تاريخ طويل في الطهي في ثقافات اخرى.

واضاف خلال حديثه الذي كان يبدو في بعض الاحيان كأنه يتحدث الى اخصائيين كيمياويين اكثر من حديثه لطهاة «في خلال بحثنا المستمر في التعامل مع تلك المواد، نحاول ان نجد اشياء جديدة وتطبيقات جديدة».

وهو امر حقيقي. ففي النهاية الطهي كيمياء، وفي العقود الاخيرة اهتم العلماء اهتماما كبيرا بعملية التحول التي تقع عندما تسخن المواد الغذائية. وقد قضى ذلك على بعض الخرافات القديمة المتعلقة بالطعام. فعملية قلي اللحوم في درجة حرارة مرتفعة للغاية لا يحافظ على عصارة اللحوم او السمك او الدجاج. ولكن درجة الحرارة المرتفعة تؤدي الى تفاعلات كيميائية بين البروتينات تجعل المذاق افضل. وتمثل التجارب مع مواد الهايدروكولويد الهلامية معبرا بين فنون الطهي وعلوم الطعام، وهما مجالان يبدو من النظرة الاولى ارتباطهما الا انهما منفصلان تقريبا. فعلم الطعام ظهر في القرن العشرين عندما بدأت شركات الطعام في البحث عن وسائل لجعل منتجاتها تعيش فترة اطول. والقائمة الطويلة في المأكولات الجاهزة هي نتيجة لجهد علماء الطعام لضمان زيادة العمر الافتراضي للمأكولات وان تحافظ على طعمها.

وقال هارولد ماكغي مؤلف كتاب «حول الطعام والطهي» انه «قبل عشر سنوات لم يكن من الممكن مشاهدة طاهٍ جاد يستخدم تلك المواد».

ثم بدأ بعض الطهاة مثل فيران ادريا في اسبانيا وهيستون بلومنثال في بريطانيا في اجراء تجارب. واضاف ماكغي «لقد طرحا سؤالا عما يمكن فعله بهذه المواد ولا يمكن فعله بمواد اخرى».

وعلى الرغم من الاسم العلمي هايدروكولويد فهي مادة في غاية البساطة. فهي عبارة عن تعلق جزيئات في مياه، وترتبط هذه الجزيئات بالمياه وببعضها الاخر. وهذه الجزيئات تقلل تحرك السائل او تمنعه تماما بحيث تتحول الى جيل وتساعد على تماسكه.

ونشا الذرة المستخدم كمادة للتماسك هو مادة هيدروكوليدية، والدقيق ايضا. ولكن خصائص الهايدروكولويد تختلف اختلافا كبيرا، اعتماد على بنية الجزيئات.

ويستخدم غرانت اشاتز طاهي مطعم الينيا في شيكاغو مادة «اغار اغار» وهي مادة هايدروكلويدية مصنوعة من اعشاب البحر. اما الجيلاتين وهو مادة هايدروكوليدية مصنوعة من اللحم، لصناعة الاوراق الشفافة التي يستخدمها لتغطية الطعام الساخن.

وحتى الطهاة التقليديون يستخدمون الهايدروكولويد. فدافيد كنش طاهي مطعم مانريسا في لوس غاتوس في كاليفورنيا يصنع مسحوقاً من الخضروات. ولكني يمنع الماء من التسرب يضيف لمسة من صمغ الزانثان.

وواحد من الاطباق التي قدمها دوفراين في حديثه كان ما وصفه باسم «عقدة الكبدة.» وهو نتيجة لتجارب مزجت بين صمغ زانثان ودقيق كونجاك المصنوع من مادة درنية تستخدم منذ زمن طويل في الطهي الياباني.

وقال دوفراين «يوجد لدينا دقيق كونجاك منذ فترة طويلة في المطبخ الا اننا لم نستخدمه. وتبين لنا بعد الاطلاع على معلومات حوله، وجود علاقة مهمة بينه وبين صمغ الزانثان. وهو يتحول الى مادة جيل وحده، ولكن اذا ما اضيف اليه صمغ الزانثان، الذي لا يصنع جيلاً لوحده ولكنه مادة تؤدي للتماسك، يتحول الى مادة مطاطية».

وفي حائط مطعم دبليو دي -50 يوجد رف به زجاجات بيضاء من الهايدروكولويد المختلفة، ويبدو مثل الصيدلية.

ويسجل دوفراين والعاملون معه، مثل العلماء، ملاحظاتهم والنتائج. وباستخدام الزبدة وهو ارخص بكثير من كبد الاوز – بدأوا في سلسلة من التجارب في شهر مايو(أيار) لتحديد النسبة المثالية من دقيق الكونجاك والزانثان، والذي تبين انها 70 في المائة دقيق كونجاك و30 في المائة من الزانثان في نسبة تركيز 0.65.

وبالاضافة الزبد المرن. لدى دوفراين وصفة لزبدة لتذوب في الفرن. (لم تجد هذه الوصفة استخداما حتى الان.» ولإعداد زبدة الاوز المرنة يتم اذابة الكبد في دهن ذائب ثم يضاف صمغ الزانثان وكونجاك، وكمية بسيطة من الماء وصفار بيض، الذي يساعد في الحفاظ على كل شيء معلق في السائل ثم يخلط كل شيء. وبعدها يتم فرد المزيج قطعة مستوية السطح وتوضع في الثلاجة لتتماسك وتقطع الى اشرطة وتربط على شكل عقد.

* خدمة «نيويورك تايمز»