الجزر.. من المرارة إلى الحلاوة

تاريخ طويل لـ «دواء الحب»

خدمة «ستوك فود»
TT

تاريخيا: يأتي الجزر في جميع الاشكال والالوان، المدور والأسطواني والسمين والصغير والطويل والنحيف، وهو من مواليد افغانستان رغم ان البعض يدعي اصولا باكستانية او ايرانية شمالية له. وقد انتشر من افغانستان باتجاه دول منطقة الشرق الاوسط بين القرن التاسع والعاشر للميلاد، (خصوصا الجزر الليلكي والاصفر )، ومنها الى مختلف دول العالم. وتم العثور على اقدم بذور له في بعض المناطق في سويسرا والعراق (بابل)، ويعود تاريخ هذه البذور الى القرن الثامن قبل الميلاد. وكان الجزر معروفا لدى اليونانيين وابناء الامبراطورية الرومانية ايضا. وقد اطلق عليه اهل اليونان اسم «فيلون» او «فيلترون» («فيلو» تعني باليونانية محبة وتعني ايضا صديق)، واستخدموه كـ «دواء للحب»، إذ كان - كما يقال - يجعل الرجال اكثر توقدا والنساء اكثر خصوبة. وقد اطلق اهل اليونان على الجزر اسمه العلمي الاول Daucus Pastinaca. وتغير الاسم لاحقا في القرن الثامن عشر الى Daucus Carota حتى لا يتم الخلط بينه وبين الـ «بارسنيب» Parsnip الابيض الذي يشبهه شبها تاما. ولا يزال معنى كلمة «بارسنيب» بالعربية الجزر الابيض.

لكن الاسم الاخير الذي وصلنا ونستخدمه هذه الايام بالانجليزية أي Carrot فهو متدرج من الفرنسية الحديثة.

ولا بد من الذكر هنا ان اليونانيين هم الذين حسنوا طعمه المر اصلا ليصبح اكثر حلاوة وصالحا للأكل، ولذلك كان يستخدم في قديم الزمان للاغراض الطبية بكثرة.

وتقول القصص: ان الامبراطور الروماني الشهير كاليغولا اجبر جميع اعضاء مجلس «السانيت» على اكل الجزر حتى يراقبهم وهم يهيجون كالبهائم البرية. كما كان طغاة سجون الرومان يطعمون النساء الأسيرات الكثير منه لجعلهن اكثر سمنة.

بلدان القارة الآسيوية مثل اليابان والهند، عرفت الجزر كمصدر اساسي للغذاء منذ القرن الثالث عشر، على عكس اوروبا التي لم تعرفه قبل القرون الوسطى.

وبعد ان غير الهولنديون لونه الى البرتقالي، عبر تأصيل انواعه (الاحمر والليلكي الداكن والاسود والاصفر والابيض) واضافة مادة «الكاروتين بيتا» (نوع من 600 نوع من الصبغيات التي تعطي الخضار الوانها الصفراء والبرتقالية) اليه، انتقل الى انجلترا ايام الملكة اليزابيث التي كانت مغرمة به مقليا بالزبد. وبعد ذلك انتشر عبر المستعمرات في استراليا والأميركيتين، واصبح من الخضار الاساسية التي تستهلك على نطاق واسع.

انتشار اللون البرتقالي يعود ايضا الى سبب آخر يتعلق بالتربة، إذ لم تنفع التربة في اليابان مع الجزر الاحمر ولم تنفع في اوروبا مع الجزر الابيض، ولم تنفع مع الاصفر في الشرق الاوسط، ولم تنفع مع الليلكي والاصفر والاحمر في تركيا والهند والصين، فساد البرتقالي انحاء المعمورة واصبح اشهر من نار على علم.

ابن العوام: العرب جلبوا الجزر لأوروبا والأحمر منه أطيب من الأصفر وهو أبو زكريا يحيى بن محمد أحمد بن العوام الاشبيلي الأندلسي، الذي اشتهر بعلم النبات وعلم الحيوان والفلك والطب. وله كتاب شهير من كتب التراث العربي التي ترجمت الى لغات عدة وهو «كتاب الفلاحة» الخاص في الزراعة الأندلسية. ويعتبر الكتاب من المراجع العلمية القديمة في عالم الزراعة والتربة والري التي استقت منه اوروبا الكثير من المعارف لاحقا. ومن المعروف ان ابن العوام ايضا هو من اخترع عملية الري بالتنقيط التي توفر نسبة كبيرة من المياه اثناء الري، وقد استخدم الجرار (فخار ) عند جذوع الاشجار والنباتات بدلا من البلاستيك الذي يستخدم حاليا. في «كتاب الفلاحة»، يقول كاتبنا الشهير: إن الرحالة العرب هم الذين جلبوا الجزر الى القارة الاوروبية. واولى ابن العوام الجزر اهمية كبيرة وتحدث بالتفصيل عن نوعين منه - القرن الثاني عشر - الاول يتعلق بالجزر الاحمر، الذي وصفه بطيب المذاق وغني العصارة، والثاني الاصفر، الذي اعتبره اقل قيمة من الاول. ويقول في الكتاب ايضا إن الجزر كان يقدم في غرناطة واشبيلية وقرطبة مع بعض زيت الزيتون المخلوط بالخل او المضاف الى خليط من الخضار والقمح.

طبيا: قديما، اكتشف اطباء وجراحو الامبراطور الروماني نيرو، ان اهل اليونان استخدموا الجزر لمعالجة الاورام السرطانية. واستخدموا بذور برية لهذا النوع من الخضار الاليفة، لعلاج التهابات المثانة ولسعات الافاعي والعقارب السامة وتسهيل الطمث.

كما استخدم اهل اليونان واهل روما الجزر المطحون لعلاج التقرحات على انواعها، وكانوا يعتقدون بانه مريح للمعدة.

بعد الحرب العالمية الأولى عرفت الولايات المتحدة الجزر البرتقالي اللون، خصوصا في كاليفورنيا وميتشيغان وتكساس (هذه الولايات الاميركية تزرع الجزر على نطاق واسع ولاشباع نهم استهلاك الاسواق والتصنيع الغذائي). ومن هناك جاءت العلاقة بين الجزر والنظر. فبعد انتشار زراعة الجزر بشكل هائل، بدأت السلطات الاميركية بتوجيه نصائح للمواطنين لتناول الجزر لأنه يحسن النظر ويقويه. ويعود هذا الى كون «الكاروتين بيتا» من المواد القوية المضادة للأكسدة، ومن شأن تناول الجزر بكثرة بالتالي، منع حصول اعتام في بؤبؤ العين.

هذه النصيحة في العشرينات من القرن الماضي، اصبحت لاحقا اشبه بالخرافة التي يتم تداولها وتناقلها من جيل لآخر. وهذا ليس غريبا على الجزر الذي اعطي مواصفات طبية عديدة، وكان يوصف لكل علة وداء وارتبط اسمه بالكثير من الخرافات الطبية منذ قديم الزمان.

ويعزو البعض تفوق عناصر سلاح الجو البريطاني على نظرائهم الالمان ايام الحرب العالمية الثانية - وبالتالي الانتصار في الحرب- الى تناولهم كميات كبيرة من الجزر، إذ عرفوا بدقتهم بقصف المناطق والمدن الالمانية خلال الليل. لكن لماذا لم يؤد الجزر الذي كان يفضله الألمان ايام الحرب ايضا الى نفس النتيجة فهذا امر متروك لاهل الطب وعلم الاجتماع! وربما تعود جذور القصة الى ملحمة طروادة، حيث يقال ان المحاربين الذين كانوا يختبئون في حصان طروادة تناولوا كميات كبيرة من الجزر حتى يتجنبوا التبول. وقد اظهرت الابحاث الاخيرة في الولايات المتحدة ان تناول جزرتين في اليوم يمكن ان يؤدي الى تخفيض معدل الكوليسترول في الجسم بنسبة 20 في المائة.

التجميل: لأن الجزر من اغنى انواع الخضار بفيتامين A، فإنه يعتبر من وسائل التجميل المهمة والاساسية. فمن المعروف ان هذا الفيتامين ضروري جدا لصحة الشعر والجلد وسلامته، ولهذا تجده في صلب خلطة العديد من مستحضرات التجميل الطبيعية الخاصة بالعناية بالبشرة. ويقول بعض خبراء التجميل في هذا الإطار: ان من شأن تناول عصير الجزر بشكل دوري منتظم، التخلص من بُقع البشرة وشوائبها وتحسينها، إذ يعمل كمضاد لها.

طبيعيا: لا يزال الجزر من الخضار التي تتمتع بشعبية كبيرة في الكثير من البلدان ولدى شرائح عدة من المجتمع، ورغم انه يفضل طازجا، خصوصا الصغير والطري والغني بالعصارة منه، فإن بالإمكان العثور عليه معلبا ومثلجا، والاخير مفضل للطبخ لانه يحافظ على فوائد الجزر الغذائية. ويمكن تناول الجزر كعصير وهو من انواع العصير المحبوبة والمفيدة الغنية بـ «الكاروتين» والفيتامينات والمعادن. ومن اشهر انواع الكعك، كعكة الجزر Carrot Cake الرطبة واللذيذة، التي عادت ما تخلط بالجوز واللوز والبهارات وغيره.

* يؤكل الجزر مبروشا ومقطعا قطعا ناعمة ويأكل كما هو كاملا، ويستخدم في انواع كثيرة من انواع السلطات، واطباق الحساء ومختلف المأكولات والحلويات (الجزرية العربية من اشهرها). وتكثر الوصفات الفرنسية التي تستخدم حساء الجزر القشدي، والسطات التي تستخدم الجزر المبروش بالخل. ويمكن اكل الجزر مسلوقا مع الزبد على حدة ومقليا ومشويا مع اللحم ايضا.

نصائح

* إذ كانت الجزرة خضراء بعض الشيء عند باطنها، فهذا يعني ان الجزرة مرة الى حد ما.

وإذا كانت ضخمة اكبر من حجمها الطبيعي فهذا يعني ان قلبها قاس.

* يفضل ان يخزن الجزر مثلجا في البراد بعد تغليفه بالنايلون. وللتخزين الطويل الامد يفضل ان يوضع الجزر في امكنة باردة مثل الاقبية وغرف الخضار للحفاظ على رطوبته وبرودته ايضا.

* يفضل الا يقشر الجزر حتى لا يخسر الكثير من فوائده، ولذا ينصح بحف الجزر حفا خفيفا للتخلص من التراب والغبار.

أقطار وأمصار .. «ملل ونحل»

* من عادة الجزر ان يجاور الخوخ المجفف ولحم البقر في احدى المآكل اليهودية التي يطلق عليها اسم «تزيميس». وعادة ما يطبخ اليهود في اوروبا الشرقية هذا الطبق على نار هادئة ولمدة طويلة.

* الإيرلنديون يطبخون منه ما يسمى بالـ «بودينغ» Puding (حلوى تعد من الدقيق او الارز والحليب والبيض والفاكهة والسكر ) الغني بالسكريات.

* اما في الولايات المتحدة فإنهم يحبونه على شكل كعكة Carrot Cacke (مقدمة مع الزبد واحيانا الجبن)، وانتقلت هذه العادة الى بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، أي بعد ان نشرت الحكومة وصفات خاصة بها وبحلويات عيد الميلاد التقليدية.

* يسخر الجزر في بعض الدول الآسيوية لمآكل «المونة» (التخزين لفترة طويلة) كالمربى، وفي ايران «يبرشونه» (يبشرونه أي يفرمونه ناعما) على مختلف الاطباق. وفي الهند يتم تناوله كنوع من انواع الحلوى اليومية الشعبية الشبيهة بالحلاوة العربية، ويسمى بعضها بـ «الخير».

* رغم ان الهولنديين كانوا مغرمين بحساء الجزر المخلوط بالكراث والاعشاب والفطر والكريم، فإنهم كانوا يطعمونه للبقر وانواع اخرى من الدواب. ولا تزال شواهد الجزر البرتقالي الاولى مسجلة في اللوحات الزيتية التي عرفتها فنلندا في القرنين السابع والثامن عشر.

وصفة: تعود هذه الوصفة الفلمشية البلجيكية الى القرن التاسع عشر، حيث كان يغلى الجزر بالماء، ثم يقلى بالزبد، ويضاف اليه بعض البهارات مثل الفلفل الاسود المطحون وبعض الملح. ثم يضاف الى الجزر بعض البقدونس المفروم وصفارا بيض مع قليل من الكريم - طيبة -.

سلطة جزر مغربية المقادير:

- جزرتان كبيرتان - مقطعتان طوليا.

- زيتون اسود - «حفنة».

- 6 فجلات - مفرومة بنعومة.

- حص ثوم - مسحوق.

- 1/4 ملعقة شاي من الفلفل الحلو (البابريكا).

- 1/2 ملعقة شاي من الكمون المطحون (او حبوب الكمون).

- 1/4 ملعقة شاي من الفلفل الاحمر (الحريف) او اقل بعض الشيء.

- 1/4 ملعقة شاي من القرفة.

- 1 ملعقة شاي من الملح.

- «ضمة» (حزمة) بقدونس - مفرومة مع بعض العسلوج (اوراق الحبق او الزعتر او الريحان).

- ليمونة - معصورة.

- 1/4 كوب من زيت الزيتون.

طريقة التحضير:

- اغل الماء في طنجرة متوسطة الحجم، واضف اليه قطع الجزر وبعد ان تتأكد من نضوج هذه القطع وانها اصبحت طرية، اترك النار واغسلها بماء بارد.

- بعد تصفية الماء اضف الى الجزر الفجل و«كمشة» الزيتون الاسود بعد التخلص من البذار واخلط الثلاثة معا.

- بعد ذلك اخلط بقية المحتويات مع بعضها بعضا، مثل الثوم والبقدونس المفروم والملح والبهارات والليمون والزيت لتحصل على خليط آخر اكثر كثافة.

- اضف الخليط الثاني الى الخليط الاول من الجزر والزيتون والفجل لتصبح السلطة جاهزة.

.

حساء الجزر بالكزبرة المقادير:

- 1/2 كيلو من الجزر - مقطع قطعا متوسطة الحجم.

- بصلة صغيرة – مفرومة بنعومة.

- حص ثوم – مدقوق.

- 3.5 كوب من مركز او مكثف الخضار.

- ملعقة طعام كبيرة من الكزبرة - مفرومة وطازجة.

- 6 ملاعق طعام من زيت الزيتون.

- ملعقة طعام من بذور الكزبرة – مطحونة.

- ملعقة طعام من الكزبرة المطحونة.

- 1/4 كوب من الزبيب المقطر (اختياري).

- 1/4 ملعقة شاي من الملح.

- 1/4 ملعقة شاي من الفلفل الاسود المطحون.

طريق التحضير:

- اعمل على تسخين زيت الزيتون في طنجرة متوسطة الحجم، وبعدما تشعر انه حام ما فيه الكفاية اضف اليه الجزرة والبصل والثوم وقلبه معا وبلطف لمدة عشر دقائق.

- ثم اضف خليط من بذور الكزبرة المطحونة والكزبرة المطحونة نفسها الى الطنجرة وقلبها معا لمدة دقيقة.

- اضف الى الخليط ثلاثة ارباع سائل مكثف الخضار. غط الطنجرة واتركها على نار بين متوسطة وهادئة لمدة 15 دقيقة (حتى يصبح الجزر رطبا وطريا).

- بعد ذلك ضع المحتويات كلها في الخلاطة الكهربائية بعد اضافة بقية المكونات مثل مكثف الخضار والملح والفلفل الاسود المطحون والزبيب اليها.

- اسكب في الصحن وزين ببعض الكزبرة الطازجة والمفرومة.

* يمكن استخدام أي نوع من انواع الخبز الى جانب هذا النوع من انواع الحساء - يفضل طازجا.

كعكة الجزر المقادير:

- 380 غراما من الطحين.

- 180 غراما من السكر.

- 120 غراما من السكر احمر (غير مكرر).

- 1.3 غرام من بودرة الفرخ Baking Powder.

- ملعقتا طعام من القرفة.

- 3 بيضات.

- 500 غرام من الجزر المبروش.

- 1.5 ملعقة شاي من الولينية (الفانيليا).

- 1.5 ملعقة شاي من الملح.

- 180 مليلترا من زيت النبات.

- 220 غراما من كريم الجبن.

- 60 غراما من الزبد المذوب.

- 500 غرام من سكر التثليج.

طريقة التحضير:

- اشعل الفرن - 180 درجة مئوية - (رقم 4 لفرن الغاز ).

- ثم اخلط المواد الجافة جيدا في طاسة كبيرة: الطحين، السكر، السكر الاحمر، بودرة الفرخ، القرفة، الملح.

- وفي طاسة اخرى اخلط جيدا وبخفة البيض والزيت والولينية (الفانيليا).

- بعد ذلك امزج الخليطين في وعاء او طاسة واحدة بعد اضافة الجزر.

- ثم اطل الاسطوانات المعدنية – 8 - (ستانليس ستيل) بالزبد واملأها بالخليط.

- ضع الاسطوانات في الفرن لمدة تتراوح بين 35 و 40 دقيقة. لكن بعد 35 دقيقة ادخل خشبة نحيفة في قلب الخليط، فإذا خرجت جافة فهذا يعني ان الكعكة نضجت، وإذا خرجت رطبة اترك الاسطوانات في الفرن خمس دقائق اخرى.

- اخرج الاسطوانات من الفرن بعد ذلك واتركها لتبرد لمدة ساعة على الاقل.

- وهنا تأتي عملية التثليج، أي تحضير الكريم ووضعه على سطح الكعكة. وحتى تفعل ذلك لا بد من خلط كريم الجبن بالزبد المذوب وسكر التثليج جيدا، حتى يصبح الخليط كثيفا.

- واخيرا اطل اسطوانات كعك الجزر بهذا الخليط او الكريم، وتأكد ان الكعك اصبح باردا والا ذاب الكريم على سطحه.

- اترك الاسطوانات بعد ذلك، وانتظر حتى يصبح الكريم قاسيا بعض الشيء ثم قدمه مع الشاي او القهوة.