«السدة».. مطعم شعبي لا يفصح عن سر نكهة «المدفون»

رواده من الشخصيات السياسية والفقراء

TT

في موقع قديم لكنه يضج بعبق التاريخ، يتوافد الناس «آحادا» و«ركبانا» للتعرف وتذوق طعم المرة الأولى لمطعم ذاع صيته كونه حقق المعادلة الصعبة: «الاثرياء والفقراء يقصدونه معا».

لست بحاجة لـ«فاتح للشهية»، وأنت تخرج من محفظتك، قيمة الوجبة الأشهر «المدفون» التي تميز مطعم «مدفون السدة» بمدخله التراثي، وتلك الصور لشخصيات سياسية كبيرة في العالم العربي، منحت المطعم ضوءا إضافيا، وعربات «الكاديلاك» و«المرسيدس» الفاخرة، تحشر نفسها في الممرات الضيقة المؤدية للمطعم الذي يقع بين معالم تاريخية، منها مبنى وزارة الخارجية السعودية في جدة، ودوار البيعة، حيث بايع الجداويون الملك عبد العزيز، وكذلك مقبرة «أمنا حواء».

يقول خالد المرواني، وهو مدير مطعم «مدفون السدة»، أن الشهرة التي جعلت من مطعمهم، أحد «المزارات الغذائية» هو قدرتهم على إبتكار طريقة لطهي «المدفون» الذي هو عبارة عن لحم لصغار «التيوس» أو ما تسمى «اللبنية» والتي لا تزيد أعمارها عن شهرين، ولا يتعدى وزنها 5 كيلوغرامات.

ويضيف المرواني، الذي يحتل مكتبه مساحة صغيرة من حجم المطعم، أن «نحو 60 رأسا يوميا» تخصص لطلبات «المدفون» جعلت منهم ماركة مسجلة في الأوراق الرسمية، وفي ذائقة الناس تحت اسم «مدفون السدة».

وعندما تسأل المرواني عن سر «المدفون» يبتسم وهو يمرر بصره لسقف المكان باحثا عن إجابة دبلوماسية يتسرب هواؤها من نفحات زوار المطعم من الشخصيات السياسية التي تجيئهم وتحتك بهم، ليرد بذكاء: «أفضل أن يبقى السر مدفونا هو الآخر». فيما يلتقط المشرف على أعمال المطعم، عادل النقيب، ليقول: «نعم لدينا بهارات خاصة، لكن طريقة الطهي هي السر الحقيقي الذي لا نفرط به».

ويتناوب على أعمال المطعم أكثر من 23 عاملا بينهم خبراء شعبيون برتبة «معلمين» كما يطلق عليهم، وهناك من تسرب خلال الاعوام الطويلة الماضية إلى منافسين آخرين، غير أن السر ظل دفينا، حيث يرجع النقيب ذلك لعوامل الثقة بين العاملين وكونهم من أبناء منطقة واحدة في «اليمن»، مضيفا «البركة والسمعة الجيدة وقيمة المكان تلعب أدوارا أخرى في حفاظنا على جمهورنا العريض من المحبين لنا رغم تعدد الخيارات».

ويعود المرواني ليلتقط، أطراف الحديث، بينما هو يلحّ عليك بأن تكون ضيافتك، كأسا من «مرق اللحم»: «أمراء ومسؤولون كبار وشخصيات كالشيخ عبد الله الاحمر، والشيخ مالك الحمود الصباح، هم من أبرز الشخصيات التي تداوم بين فترة وأخرى على طلب وجبتنا أثناء زياراتهم للسعودية، إضافة لوفود إسلامية وأجنبية». ويكمل حديثه «حاليا لدينا توجه للتعاون مع فنادق كبرى لتوقيع اتفاقيات تعاون وإدراج زيارة المطعم ضمن برامج المجموعات السياحية التي تفد للبلاد».

وقريبا من حكايات «الكافيار» و«الوجبات الفاخرة» التي تنقل بين قارات العالم بالطائرات لتصل ساخنة كما هي في مكانها الأصلي، يقول المرواني «عدة مرات قمنا بشحن وجبتنا الشهيرة «المدفون» الى دول عربية كالامارات وقطر وغيرهما «ليستمتع برواية القصة» رجل أعمال في الامارات أراد مفاجأة ضيوفه بشحن «المدفون» من جدة الى دبي عبر رحلة جوية.. انتهينا من تجهيز 4 رؤوس من «التيوس الصغيرة» في الواحدة ظهرا وفي الثانية والنصف أقلعت الطائرة بالوجبة الشعبية الفاخرة، لتصبح بين أيدي المدعوين في الخامسة والنصف وهي لا تزال محافظة على درجة حرارتها بأسلوب خاص بنا في الحفظ». وغير بعيد عن أزمة الأرز الهندي وارتفاع أسعاره، قال المشرف على المطعم «كل المنافسين رفعوا أسعارهم.. نأمل ألا نفعل ذلك»، مشيرا الى نقطة صعبة في التحول إلى نوع آخر من الأرز، لارتباط المسألة بمذاق معين ارتبط بالأكلة طوال هذه السنين. المكان الذي بدا مكتظا بالعملاء رغم التوسعة الجديدة للمطعم كان يفسر حالة من الارتباط «الوجداني» بين العملاء والعاملين، وليس مجرد علاقة استهلاكية «عابرة» كانت تتصاعد الضحكات عند موظف الصندوق «الكاشير» الذي أكد أن جلوسه في هذا المكان أكسبه دائرة علاقات واسعة في مختلف الاماكن العامة والخاصة.. صوت «طرقعة» آلة النقود كان هو الشيء الوحيد الذي يشعرك أن التقنية الحديثة بدأت تتسلل إلى المطعم الشعبي الذي ينافح من أجل بقائه في مكانه بجوار «التاريخ» وفي أحضان «الجغرافيا».