الفلفل الأسود.. «ملك البهارات»

تصارع من أجله القراصنة واحتُلت بسببه بلاد

TT

«ملك البهارات» الفلفل الأسود، الذي لا تكتمل نكهة الطبق إلا بعد رش القليل منه، ولا يخلو مطبخ من أن يضم علبة من الفلفل الأسود كشقيقه الملح، إلا أن هذا الأخير عدو الصحة، فكثيرا من الأطباء يحذرون من الإكثار من تناوله، خاصة من قِبل مَن يعانون من ارتفاع في ضغط الدم أو هبوط القلب أو أمراض الكلى أو الكبد.

وللفلفل الأسود بحبوبه السوداء الكروية أو المسحوقة كالبودرة، قصة تاريخية مشهورة حدثت في عام 408م، حينما حاصرت قبائل الجرمان بزعيمها اتيلا الهوني، روما، في مجدها الشهير، ولم ينسحب الغزاة إلا بعد الحصول على مطالبهم، وهي 5000 باوند ذهب، و30 ألف باوند فضة، و3000، وقيل 1360 كيلوغرام فلفل أسود!.

وكما يقال إذا عُرف السبب بطل العجب، يذكر التاريخ لنا أن التوابل في ذلك العصر كانت تحتل المرتبة الثالثة من حيث القيمة بعد الذهب والفضة، وآنذاك كان «ملك البهارات» يعد من التوابل، مثل حبّ الهال وجوزة الطيب والقرفة والكركم والثوم وغيرها. وكان يعد الفلفل الأسود الأغلى ثمنا في اقتنائه، حيث كان يحمل من الشرق الأقصى إلى غرب أوروبا على الجمال والبغال في الصحارى، ويحمل على السفن المبحرة عبر البحار والمحيطات وتصارع من أجله القراصنة وربان السفن، فنتيجة ذلك غلى ثمنه، فالرطل منه يعد هدية ذات قيمة باهظة تقدم للملوك ويباع بوزنه ذهبا.

وبسبب أهمية التوابل التي كانت تأتي من أقطار في آسيا، كان السباق بين الدول الأوروبية من أجل الحصول عليها، يصل إلى حد الحروب، واستعمار الدول المنتجة للتوابل.

يقول المؤرخون إن التوابل كانت السبب الرئيسي لاستعمار هولندا والبرتغال لبعض أقطار آسيا في مطلع العصور الحديثة، وكانت السبب وراء أكبر الاكتشافات الجغرافية، مثل رحلة ماركو بولو الشاقة إلى الصين في القرن الرابع عشر، ثم اكتشاف كريستوفر كولومبس بالصدفة للقارة الأميركية، بينما كان هدف الرحلة الوصول إلى الهند والصين ومراكز إنتاج التوابل في آسيا.

ويجب ألا ننسى الفراعنة وعشقهم للفلفل الأسود، الذي أطلقوا عليه اسما فرعونيا «بب»، ومن ثم عرفه الإغريق إلى حين عرفه العرب واستخدموه في الطب لعلاج الكثير من الأمراض، كما ذكر ابن البيطار وغيره من العلماء العرب والمسلمين في الطب.

وتعد منطقة جنوب غربي الهند واندونيسيا وملاوي الموطن الأصلي لنبات الفلفل الأسود، وهو نبات متسلق معمر يصل ارتفاعه إلى خمسة أمتار، أوراقه بيضاوية كبيرة، ويضم سنابل وأحيانا عناقيد لأزهار بيضاء، وعناقيد من الثمار الصغيرة متغيرة اللون بدرجة نموها من الأخضر إلى الأحمر، وحينما تحين ساعة قطافها بعد عمر 3 سنوات تكون سوداء اللون، وعادة ما تجنى ثمار الفلفل قبل نضجها بقليل على هيئة مجموعة من البذور الخضراء، التي تُنشر تحت أشعة الشمس لبضعة أيام كي تجف، أو في آلات خاصة بذلك. وعندها تبدأ قشرة البذور بالانكماش في الحجم ويغدو لونها داكناً كي تُصبح طبقة سوداء مُجعدة حول البذور. وإذا ما تمت إزالة القشرة الخارجية للبذور عبر غمرها مدة أطول في الماء، تقريباً أسبوع، نحصل على الفلفل الأبيض.

أما النوع الأخضر فيتم الحصول عليه عبر تجفيف نفس البذور الطازجة، لكن بطريقة تُحافظ على لونها الطبيعي الأخضر، إما من خلال التجفيف بالتثليج أو باستخدام مادة ثاني أوكسيد الكبريت. وهناك نوع رابع ونادر وهو بذور الفلفل الأحمر، الذي يتم الحصول عليه بغمر البذور الخضراء الطازجة في الماء المالح والخل.

ولما لـ «ملك البهارات» من فوائد صحية كثيرة استثمره المستثمرون بشرائه وبيعه وصار يزرع في مناطق كثيرة جدا وتعددت أسماء الشركات المصنعة له.

ويستخدم الفلفل الأسود بكميات قليلة في علاج الآلام الحادة في المعدة كالقرحة وآلام المفاصل والروماتيزم، كما انه علاج فعال لنزلات البرد ومفيد للجهاز الهضمي وعلاج للامساك وعلاج قوي للإنفلونزا وطارد للغازات وغيرها.