ألوان الخبز تدل على الوضع الاجتماعي

المغاربة يعشقون أشهره «البطبوط» و«المدفونة» و«تينوريت»

TT

يتعامل المغاربة مع الخبز بدرجة كبيرة من الاحترام والتقدير، فهذه «النعمة» هي مصدر الغذاء الأساسي للإنسان، ويجب عدم التعامل معها باستهتار مثل رميها في النفايات، لأن مَن يفعل ذلك سيحاسب عليها من طرف صاحب هذه النعمة،أي الله سبحانه وتعالى. ولتجنب ذلك جرت العادة إذا صادف شخص قطعة خبز مرمية في الشارع، ينحني ويلتقطها ثم يقبلها قبل أن يضعها جانبا على نافذة قريبة او زاوية في جدار، حتى لا تدوسها الأقدام.

يرافق الخبز معظم الأطباق المغربية وعلى رأسها الطاجين بمختلف مكوناته من خضر ولحوم، وإذا غاب تتوقف حركة الأكل إلى أن يحضر، ويتناول الخبز بأصابع اليد، بعد غمسه في المرق، ويطلق المغاربة على هذه العملية «التغماس»، ومَن تعوّد عليها لا يقبل بديلا عنها مثل استعمال الشوكة والسكين لأن بها يصبح الاكل ألذ وأطيب.

ما زالت معظم البيوت المغربية تحضر الخبز في المنزل، خصوصا إذا كان عدد أفراد الأسرة كبيرا، لان شراءه جاهزا من المخابز يصبح عملية مكلفة آنذاك.

في الماضي كان الخبز بعد تحضيره في البيت، يطهى في الأفران التقليدية المنتشرة في الأحياء، إلا أن عددها تقلص بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ولم يعد موجودا إلا في الأحياء الشعبية بعد توفر معظم المنازل على أفران الغاز، بالرغم من أن الكل يُجمع على أن الخبز المطهو على موقد الخشب في الفرن التقليدي أشهى وألذ، وتفوح منه رائحة شهية، خصوصا إذا تناولته طازجا مدهونا بالزبد، ومرفوقا بكأس من الشاي بالنعناع، وإن كان هذا الثنائي الغذائي، أي الخبز والشاي، يستعمل أيضا كرمز للدلالة على غذاء الفقراء الذين يعتمدون عليه كوجبة رئيسية.

توجد أنواع كثيرة من الخبز، تختلف باختلاف المناطق الموجود فيها، إلا أن أشهرها هو الخبز المغربي العادي الذي يتميز بسمكه خلافا للخبز او العيش الشرقي الرقيق جدا، ويستعمل فيه الدقيق والملح والخميرة، ويخلط بماء دافئ، وبعد الحصول على عجين متماسك تصنع منه كرات متوسطة الحجم، ثم تبسط باليد لتتخذ شكلا دائريا وترش بالدقيق، وبعد ان تختمر، تطهى في الفرن إلى ان يصبح لونها بنيا من الوجهين. وللتنويع تستعمل أنواع أخرى من الدقيق مثل دقيق القمح الكامل أو الشوفان أو البرغل.

وفي الماضي كان الخبز المصنوع من الدقيق الأبيض الناصع، دليلا على الثراء، إذ كان ثمنه مرتفعا ولم يكن في متناول جميع الأسر، لذا كان الأطفال يفضلونه ويتناولونه من دون أي شيء معه بسبب لونه وليونته، خلافا للخبز الأسمر الصلب الذي يبلع بصعوبة، قبل ان يكتشف العالم حاليا أهمية الخبز الأسمر وفوائده الصحية والغذائية، في إطار عودة الاهتمام بالغذاء الطبيعي الخالي من أي تدخل صناعي.

ومن أشهر أنواع الخبز المغربي أيضا هناك «البطبوط» وهو لذيذ جدا، ولا تختلف طريقة تحضيره كثيرا عن الخبز العادي سوى أن عجينه يكون لينا ورخوا، وبدل طهيه في الفرن، يطهى فوق مقلاة حديدية أو طينية توضع على النار، فتكسو وجهه بقعا ذهبية مع احتفاظه بليونته وطراوته، وهو المفضل في وجبة الفطور مع القهوة بالحليب او الشاي، بعد دهنه بزيت الزيتون او الزبد والعسل.

وفي المناطق الجنوبية يحضرون نوعا من الخبز المتميز يطلقون عليه اسم «المدفونة»، إلا ان مكوناتها قد ترتقي بها إلى صنف الأكل او الوجبة الكاملة، وليست مجرد خبز كما هي في نظر أصحابها. وتحضر «المدفونة» مثل الخبز العادي، إلا أن تميزها يكمن في الحشوة، فهي تحشى بقطع اللحم والبصل والبيض المسلوق، والتوابل، ثم تبسط على شكل خبزة واحدة كبيرة الحجم، وشكلها الخارجي لا يكشف عن محتواها، لان الحشوة «دفنت» بداخلها، وهذا النوع من الخبز لا يحضّر في الأيام العادية، بل في بعض المناسبات أو للضيوف.

وتشتهر منطقة سوس بنوع من الخبز اللذيذ أيضا يسمى «تونيرت» بالامازيغية المشتقة من التنور، ويحضر من عجين لين جدا، وطريقة طهيه هي التي تمنحه تلك الخصوصية، إذ يطهى فوق حصى موضوعة داخل التنور، وعند نضجه تترك الحصى حفرا صغيرة فوقه، ولتذوق طعم هذا الخبز الشهي، لا يتطلب السفر إلى تلك المناطق الجنوبية، بل هناك بعض المطاعم التي تقدم لزبائنها هذا الخبز برفقة الأطباق المغربية، حيث يطهى بنفس الطريقة. ولقيت هذه المطاعم إقبالا كبيرا وجلبت إليها العديد من الزبائن بسبب خبز «التونيرت».

أما «الحرشة»، وهي من عائلة الخبز أيضا، فتصنع من السميد والزيت والملح والخميرة، وتطهى فوق مقلاة ساخنة أيضا، وتحظى بشهرة واسعة جدا بعد انتقالها من البوادي الى جميع مدن المغرب،حيث أصبحت تباع في كل مكان، في المحلبات وفي الدكاكين والمقاهي وحتى في المخابز العصرية، وأينما ذهبت تشاهد امرأة أو فتاة تحضر «الحرشة» أمام المارة بالقرب من المحلات المذكورة، حيث انتشرت طريقة تحضيرها بـ «المباشر»، أي تحت أعين الزبائن ليتأكدوا من طزاجتها، وتعد «الحرشة»، «قاهرة الجوع» بامتياز، فتناولها صباحا مدهونة بالجبن أو الزبد أو زيت الزيتون، يجعلك تنسى الجوع لساعات طويلة.

وإذا كان المغاربة يحضرون أطباقا خاصة ومميزة في المناسبات والأعياد تليق بها، فالخبز لا يستثنى من ذلك، ففي الأعياد لا يحضر الخبز بالطريقة المعروفة، بل يعجن بعناية وتضاف إليه الأعشاب المنسمة مثل النافع وحبة الحلاوة، وماء الزهر، ويدهن وجهه بالبيض ويرش بالسمسم، فخبز العيد يلبس بدوره لباسا جديدا ليصير أشهى وألذ.

أما مَن لا يعجبه الخبز المحلي، فالمخابز العصرية توفر لزبائنها الخبز الأوروبي المستورد أو المصنوع محليا على الطريقة الفرنسية أو الايطالية.