الشاي.. بترول سري لانكا

من الحقل إلى الفنجان

TT

في عام 1867، حمل اللورد البريطاني جيمس تايلور بذورا لشجرة الشاي من الصين إلى المستعمرة سري لانكا، وكأنه حمل سحرا في جيبه لتتحول أراضيها إلى مزارع للشاي بكثافة، فقد زرعها على مساحة 19 فداناً في مقاطعة لوليكونديرا السري لانكية، ثم اتسعت المساحة المزروعة لتزيد حاليا على مائتين وعشرين ألف هكتار، وليحوز الشاي ربع الموارد التصديرية لسري لانكا، كما أن عادة ما يتفاخر أهالي هذه الجزيرة بأن هنا يقصدون أرضهم هبط أبونا آدم عليه السلام جالبا معه بعضا من بركات السماء وشيئا من نعيم الجنة يقصدون «الشاي»، إذ يوجد في أعلى قمة في سري لانكا اليوم ما يعتقد أنه خطوة النبي آدم التي يصل طولها إلى نحو ذراعين.

تشتهر جزيرة سري لانكا «سيلان»، بمزارع الشاي المنتشرة في وسطها وبكثافة على سفوح جبالها وتزداد كلما اقتربت صعودا من مدينة نوريليا، وتنتشر مصانع الشاي الحكومية بين الحقول، فالشاي يعد في سري لانكا بمثابة البترول حتى أنهم يقولون عنه إنه أغلى من الذهب الأسود.

قصة الشاي تبدأ بعد زراعته وارتفاع شجرته مترا في الحقول مترامية الأطراف بشكل جميل، وذلك بخروج أسراب من فتيات التاميليات «ذوات الأصابع الذهبية» في الصباح الباكر لقطف أوراقه، وفتيات التاميليات جلبت أجيالهن الأولى من الهند قبل نحو قرنين على أيدي البريطانيين لقطف أوراق الشاي وفقاً لتقليد قديم معمول به في الجزيرة منذ عدة قرون، وتقطف الواحدة منهن يومياً ما معدله 20 كغم في سلة تحملها على ظهرها، ويتم إفراغ الحمولة في المصنع لتتلقى الأجيرة أجرها بشكل يومي.

وفي المصنع بشكله البدائي تبدأ حلقة أخرى من قصة الشاي ـ وعادة ما تخصص الرحلات السياحية يوما للتجول في احد مصانع الشاي ـ تبدأ بفرز الورق واستخلاص أفضله، فالوريقات الثلاثة التي تعلوها تعد الأفضل والأغلى وكلما ارتفعت مزارع الشاي عن سطح البحر كلما كانت الأفضل والأغلى ثمنا وبالطبع الألذ طعما، ثم توضع في أحواض مستطيلة الشكل طويلة جدا تصل إلى عشرات الأمتار من أجل تجفيفها وغربلتها للتخلص من الشوائب ويعلوها مراوح لتساعد في تجفيفها، وبعدها تنتقل إلى ماكينة الفرم الشبيهة بشكلها البدائي الرحى إلا أنها كبيرة الحجم، وبعد فرمها تنتقل إلى آلة الفرز حيث يتم فرزها حسب حجمها وذلك بتخصيص صناديق خاصة بكل حجم على حدى، وبعدها يتم فرزها حسب نوع الشاي، فإذا كان المطلوب شاي اخضر اللون فيتم انتقاله إلى جهاز خاص بتجفيفه بالحرارة ليتحول إلى اخضر اللون، أما الشاي الأسود ينتقل هو الآخر إلى مكان خاص في المصنع لتتم أكسدته مع مرور الوقت فيتحول إلى الأسود، ثم تنقى مرة أخرى من الشوائب كما يتم فرزها حسب حجمها لتوضع بعدها في أكياس خاصة لتصديرها أو وضعها في علب وما طحن منها بشكل ناعم كالبودرة يكون صالحا لتعبئته داخل أكياس خاصة توضع في فنجان مع الماء الساخن.

ويعد أفخر أنواعها المستخرج من ساق ورقة الشاي ويسمى الشاي الفضي، ويتم تجفيف ورقه بواسطة ضوء الشمس وليس بواسطة المراوح والأفران، وتصل قيمة هذا النوع إلى ألف روبية للكيلو الواحد أي ما يعادل دولاراً أميركياً واحداً، أما النوع الثاني فيعرف برمز (P.O.F) وعادة ما يقدم مع الحليب يليه النوع الذي يعرف بـ(B.O.B) ويقدم من دون نكهات، أما النوع الثالث فيعرف بلونه الغامق وهذا الذي يستخدم في إنتاج شاي الأكياس.

بعد رحلة شاقة مع الشاي بزراعته وصناعته، يستطيع الزائر أن يجلس في مكان شبيه بالكوفي شوب، ليشرب قدحا من الشاي في دقائق معدودة مع قطعة من البسكويت أو البيتيفور الإنجليزي، وقد يختار الشاي الأخضر بخلوه من السكر أو الأسود بشيء من قطع السكر، كما يستطيع أن يشتري كما يحلو له أنواعا من الشاي بدء بالأقل ثمنا وصولا إلى الأغلى ثمنا، ومعروف أن هناك أنواعا من الشاي غالية الثمن تصل إلى آلاف الدولارات والسبب يعود ليس فقط في مكان زراعته وطريقة قطف أوراقه بل لأنه خزن واحتفظ به لسنوات طويلة فكلما كان عمر الشاي قديما كان غالي الثمن. ويتنافس سماسرة الشاي في مزادات الشاي السنوية التي تقام في العاصمة كولومبو، فترتفع الأسهم وتنخفض حسب جودة المحصول وكميته، ومن الجدير ذكره أن شركة بروك بوند العملاقة كانت الأكثر انتشارا وثقافة وسيطرة في صناعة الشاي خلال فترة الاستعمار البريطاني حتى عام 1972 وهو تاريخ تأميم صناعة الشاي في سري لانكا من قبل الحكومة في الجزيرة.

وللشاي الأخضر فوائد صحية لا تحصى، يحمي عند وضعه على الجلد من التقرحات والبثور وانقسام الخلايا غير الطبيعي الذي يظهر بسبب أشعة الشمس المؤذية، يساعد في تقليل مستويات البروتين الشحمي LDL والذي يعرف بالكولسترول السيء السمعة، فيقي من الإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين، ويحمي الأسنان من التسوس لاحتوائه على الفلورايد ويحافظ على اللثة، ويقاوم البكتيريا الضارة علاوة على أنه يقاوم رائحة الفم الكريهة. كما أنه مفيد للكلى ووظائفها فيقاوم الفشل الكلوي، كما يقلل من فرص الإصابة بالقرحة وينظم حركة الأمعاء، بالإضافة إلى أنه يقاوم ارتفاع مستوى السكر بالدم، ويساعد على إنقاص الوزن إذا شُرب بعد الوجبات.

* خطوات طريقة تحضير الشاي السيلاني يمكنك تحضير فنجان من الشاي السيلاني الأحمر والأخضر باتباع الخطوات الآتية: 1 ـ استخدم ماء نقيا ومفلترا، واحرص على أن يكون خاليا من الشوائب حتى لا يتغير طعم الشاي. 2 ـ سخن الماء لدرجة الغليان، فالماء الفاتر لا يظهر نكهة الشاي المعروفة. 3 ـ ضع ملعقة صغيرة من الشاي لكل فنجان شاي ويفضل تغطية فنجان الشاي بغطاء خاص (عادة ما تباع في بلدان الشاي كسيلان والصين فناجين بغطاء للشاي)، مع إضافة السكر إذا أحببت ذلك.

4 ـ اترك الشاي في الماء لمدة 3 دقائق قبل شربه.