«لاس تاباس» فخر المائدة الإسبانية

مقبلات بألوان قوس قزح

TT

لاس تاباس (las tapas)، جمع (la tapa) للمطبخ الإسباني هي تقريبا كالمقبلات للمطعم اللبناني، وهي تمثل جزءا لا يتجزأ من الثقافة الإسبانية، وتعني باللغة العربية «الأغطية» جمع «غطاء». وهي عبارة عن أطباق صغيرة تقدم عادة مع الشراب كمقبلات أو وجبات خفيفة بين الوجبات الرئيسية لتخفف من وطأة الجوع. ومع أن مصدرها ليس واضحا، هناك الكثير من النظريات التي تحاول أن تشرح كيف وصلت إلى هذه الأهمية في المطبخ الإسباني. ولكن النظرية التي يعتبرها الإسبان أكثر مصداقية هي التالية:

يقال إن الملك الإسباني ألفونسو الثالث عشر، جد الملك الحالي خوان كارلوس الأول، كان يوما في زيارة رسمية لمدينة قادش الأندلسية في أوائل القرن الماضي، وتوقف للراحة في مطعم صغير يدعى Ventorrillo del Chato، وطلب كأسا من الشراب. ولكن عندما حضر صاحب المطعم بنفسه ليقدم الشراب للملك، قيل له إن جلالته غاب وسيعود بعد لحظة صغيرة. وبما أن باحة المطعم توجد في منطقة تكثر فيها الرياح وبالتالي الرمال والغبار، أخذ الرجل شريحة من اللحم المجفف كانت بالقرب منه ووضعها فوق الكأس لحمايتها من الغبار. وعندما عاد الملك وتحقق من سبب وضع الشريحة فوق كأسه، أكلها وتناول الشراب ثم طلب كأسا ثانية مشترطا وضع شريحة من اللحم المجفف فوقها. وعندها قام الجميع وحذوا حذو الملك. يذكر أن المطعم/ الفندق المذكور لا يزال قائما حتى الآن منذ افتتاحه في عام 1870.

قبل الحديث عن لاس تاباس، ولنكون حريصين على أصالة هذه الظاهرة السائدة في التقاليد والعادات الإسبانية، من الضروري أن نلقي نظرة على الميزات والخصائص التي جعلت منها عادة مترسخة في الثقافة الإسبانية وهدفا للسائح في معظم المناطق والاقاليم الإسبانية، لا سيما إقليم الأندلس والذي يقصده من أبعد بقاع الارض. أولى هذه الميزات أن لاس تاباس لا يجوز أن تكون من الحلوى، ويجب أن تقدم دائما بكميات صغيرة جدا، وهي عبارة عن وجبة خفيفة برفقة الزملاء والأصدقاء بين الوجبات الرئيسية من شأنها أن تسمح للجسم بالتحمل إلى حين موعد الغداء أو العشاء، وأحيانا تحل مكان هاتين الوجبتين.

تختلف أنواع لاس تاباس وفقا للعادات والتقاليد السائدة في كل إقليم، وللمنتجات المحلية التي تشتهر فيها المناطق. من بينها نجد الزيتون على مختلف أنواعه وأحجامه وطريقة تتبيله، والمكسرات العديدة واللحوم المجففة على أنواعها. ولكن مع الوقت تعددت أصنافها وأصبح من شبه المستحيل حصر هذه الاصناف. فمع مرور السنين بدأت مأكولات أخرى كاللحوم والاسماك والخضار والحبوب والبيض وأي منتج حيواني أو زراعي آخر، تدخل في المنتجات الرئيسية التي تستعمل لإعداد هذه المقبلات. وتحولت لاس تاباس من شريحة اللحم المجفف التي تحمي الكأس إلى أطباق صغيرة تقدم بكميات قليلة أشهر الوصفات التقليدية الصعبة الإعداد والتي تكلف عناء ووقتا طويلا وخبرة أطول في تحضيرها. وانتشرت المطاعم في كافة المناطق الإسبانية وحتى في الخارج المخصصة فقط في هذا الفن الخاص بالمطبخ الإسباني.

وصلت شعبية وفن إعداد لاس تاباس إلى الحد الذي جعل العديد من الاقاليم الإسبانية يحتفل بمعارض سنوية خاصة بها تستمر عدة أيام يقدم خلالها أشهر الطباخين الاسبان آخر مبتكراتهم ثم تقوم لجنة تحكيم باختيار الفائزين الذين تمتعوا بتذوق أفخر ما توصل إليه المطبخ الإسباني في فن لاس تاباس. ومن أشهر هذه المعارض هو الذي يقام سنويا في مدريد في أوائل الصيف الذي تقصده أعداد هائلة من المحليين والسياح يتذوقون خلاله لاس تاباس، ثمن الواحدة منها يورو واحد ويورو آخر ثمن الشراب. زار هذا المعرض في الصيف الماضي حوالي 100 الف نسمة ويتوقع المنظمون أن يزداد هذا العدد في الصيف المقبل، وهكذا، بعد سنتين فقط، تحول إلى احد الموارد السياحية الرئيسية بالنسبة للعاصمة الإسبانية.

لكن، وفقا للعارفين، يعتبر إقليم الأندلس، خاصة مدينة إشبيليا، من أهم المناطق الإسبانية في تقديم أفخر وألذ أنواع وأصناف لاس تاباس. ولذلك، عزيزي القارئ، فقد اخترنا لك هذه المدينة كي نقوم بجولة فيها ولكن شرط أن تكون سيرا على الاقدام وبصحبة عدد غير قليل من الاصحاب والزملاء كي تتمتع بسهرة لطيفة تتذوق خلالها أشهى الأطباق التقليدية المحلية وتعيش تجربة فريدة تقدمها فقط هذه المدينة، وبالتحديد حي La Triana الشهير على ضفاف نهر الوادي الكبير. ولكن قبل أن نبدأ جولتنا سنستعرض بعض الأسماء والعبارات التي ستساعدنا لاحقا على اختيار ما نود تذوقه.

الذ المقبلات وأشهر المطاعم

* كلمة Adobo تعني السمك المقلي المنقوع مسبقا في الخل والصعتر والثوم والفلفل الأحمر المطحون.

Cazon a la marinera، السمك المطبوخ مع البطاطا والزعفران.

Rabo de toro، ذنب الثور المطبوخ مع البصل والطماطم والفلفل الأحمر المطحون.

Gambas al ajillo، الجمبري الصغير الحجم مع الثوم المقلي بزيت الزيتون والفلفل الحار.

Gambas rebozadas، الجمبري بالطحين والبيض المقلي بزيت الزيتون.

Urta a la roteoa، السمك المطبوخ بالبصل والطماطم والفلفل الأحمر المطحون.

Tortilla، اي العجة الإسبانية، أشهرها وأكثرها رواجا هي عجة البطاطا.

Tortilla de camaron، عبارة عن عجينة مقلية أعدت مع البصل والبقدونس وبرغوث البحر (الجمبري الصغير جدا) مقلية بزيت الزيتون.

Migas، الخبز المبروش المنقوع المقلي مع الثوم بزيت الزيتون، بالإمكان الإضافة إليه أي نوع من المأكولات التي تختارها من اللحوم والاسماك والخضروات وحتى الفاكهة.

Coquinas، نوع من الصدف الفاخر بزيت الزيتون البكر الممتاز والثوم والبقدونس.

Ajoblanco، حساء باردة من الخبز المبروش والخل والثوم وزيت الزيتون واللوز المطحون.

Pisto، طبق من الباذنجان والكوسى والطماطم وبعض الخضروات الأخرى مقلي ومطبوخ بالزيت.

تبدأ جولتنا في حي La Triana عند المغيب ومع زقزقات الجوع الأولى، وهو حي يعج بالمقاهي والمطاعم المختصة بلاس تاباس، لا تتردد في دخول أي منها تتذوق فيه طبقا أو طبقين صغيرين، كي تنتقل بعد ذلك إلى المقهى أو المطعم التالي حسبما تختار، وهكذا حتى تزور أكبر عدد ممكن منها إلى حين منتصف الليل، أو حتى الفجر إذا تحملت قدماك، ومعدتك بالطبع. فإذا كنت مثلا من محبي السمك، فما عليك إلا زيارة مطعم Casa Manolo المختص بالسمك المقلي، أو مطعم Los Dos Hermanos إذا أردت أن تتمتع بأفخر والذ الثمار البحرية. إما إذا كنت من محبي اللحوم والأجبان فخيارك سيكون حتما مطعم Sol y Sombra. وإلى محبي العجة الإسبانية La Tortilla على جميع أنواعها وأصنافها فما عليهم إلا تذوقها في مطعم Bodega La Esperanza وسيكونون لي من الشاكرين. أما الذين يفضلون السمك المطبوخ والصدف، بإمكانهم أن يجدوا أفضل الأنواع في مطعم Casa Maera. والذين يقررون تذوق Las Migas، أي الخبز المبروش على مختلف أصنافه وطرق تحضيره وإعداده فما عليهم إلا التمتع به في مطعم El Marinero. الحي الإشبيلي La Triana ليس بالكبير، وبالإمكان زيارته بأكمله سيرا دون الشعور بالتعب، وجميع المطاعم المذكورة توجد في هذا الحي وقريبة بعضها إلى البعض. بالطبع هناك عدد هائل من المطاعم الأخرى ولكننا اخترنا نخبة منها تسمح للزائر بالتمتع بأفضل ما في هذه المدينة من لاس تاباس التقليدية. واسمح لي هنا عزيزي القارئ أن أعلمك أنه وفقا لإحصاءات الاتحاد الأوروبي الأخيرة، نجد أن عدد المقاهي الموجودة في إسبانيا هو أكثر من عددها الموجود في كل بلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعة.

إشبيليا ليست المدينة الوحيدة التي بالإمكان أن نتمتع فيها بلاس تاباس، فأي مدينة إسبانية تقدم أشهى ما لديها من أطباق تقليدية بهذه الطريقة. فإذا اردت أن تعرف المزيد عن هذه الظاهرة فهناك العديد من الكتب ومواقع الانترنت التي تختص بها. www.atapear.com هو أحد المواقع الذي اخترناه (باللغة الإسبانية) حيث تجد فيه الكثير من المعلومات الإضافية، كما وتجد فيه أيضا دليلا مفصلا ولائحة بأكثر من ألفي مقهى ومطعم منتشرة في كافة أرجاء إسبانيا مختصة فقط بلاس تاباس. فأينما كنت في إسبانيا، أو عند زيارتك، بإمكانك أن تستعين بهذا الدليل لتذوق اشهى ما توصل إليه المطبخ الإسباني من لاس تاباس. لاس تاباس، ويل لبعضنا من لاس تاباس، من هذا الاختراع الإسباني، فإذا كنت من الزائرين، عند مغادرتك هذا البلد المضياف وبعد تمتعك بربوعه ولطافة وطيبة أهله، أنا كفيل لك بأنك ستغادره ومعك بعض الكيلوغرامات الإضافية من الوزن، ولكني لا أستطيع أن اكفل بأن يكون هذا الوزن الإضافي في عداد حقائبك. فهذه المرة «الحق مش عالطليان» وإنما على الإسبان.