سباق الحلوى في سورية

من هو الاصل والمبتكر؟

TT

مع انتشار ثقافة الاستهلاك والتسوق والانتقاء الجيد للخدمات الاستهلاكية بين السوريين ومع الانفتاح الاقتصادي واستقطاب السياح والزوار بكثرة، انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة وهي إعلان العديد من أصحاب المنتجات الغذائية والاستهلاكية على أنه هو الأصل والأول في إدخال هذه المهنة أو المنتج إلى دمشق، وغالباً ما تكون ساحات التنافس هي الصحف الاعلانية المجانية التي توزع بدمشق بمئات آلاف النسخ وبشكل أسبوعي أو الاعلانات الطرقية أو الصور المعبرة وغيرها من الوسائل ومن أشهر المتنافسين هنا، مصنعو الحلويات الشامية الشهيرة، حيث يتنافسون في الأسبقية على ابتكار أشكال البقلاوة واسوارة الست والمبرومة وغيرها... ففي ساحة المرجة الشهيرة أكد لنا أحد هؤلاء وينتمي لعائلة مهنّا أن جدّه أول من افتتح محل حلويات شامية بدمشق وأنهم الأصل والأوائل، حيث أطلقوا العمل بالحلويات سنة 1930. وليس بعيداً عن مهنا بل بجواره تماماً قال لنا صاحب محل حلويات( أسدية وسمان) إنهم هم الأوائل، وهم من أول من افتتح محلاً لتصنيع الحلويات الشامية بدمشق ويدلل على ذلك أن محلهم كان في سوق الحميدية المعروف بدمشق وافتتحوه بداية القرن العشرين الماضي وفي أوائل الثلاثينات انتقلوا إلى ساحة المرجة. وفي السياق ذاته وليس بعيداً عن مهنة الحلويات وساحة المرجة إذا ذهبنا باتجاه بوابة الصالحية وفي بداية سوقها التفتنا يساراً فوجدنا أحد أشهر باعة حلويات( الكنافة النابلسية) والتي يحبها الدمشقيون كثيراً، خاصة الناعمة منها وعندما ندخل المحل سنشاهد عدداً من الصور القديمة( بالأبيض والأسود) المحفوظة بالزجاج وذات الإطار الخشبي الأنيق وفيها صور المحل وصاحبه الأساسي مع صواني النابلسية وكلمات بالخط العريض تحتها تقول:(مؤسس الحلويات النابلسية بدمشق واصف أباظة سنة 1950) وأسأل البائع ووريث المالك للمحل فيؤكد لي أن والده وجدّه هم أول من أدخلوا هذا النوع من الحلويات إلى دمشق وبعد ذلك قلدّه الكثيرون.

وإذا عدنا إلى سوق الحميدية فسنشاهد في منتصف القسم الثاني من السوق قبل الجامع الأموي طوابير من الناس تقف بمواجهة محل لبيع الأيس كريم (البوظة) ومع (التدفيش وكأننا أمام فرن لبيع الخبز في أوقات الأزمات الاقتصادية) نتمكن من الدخول ليؤكد لنا صاحب المحل (هشام بكداش) ان والده هو أول من أدخل مهنة صناعة البوظة اليدوية والمسماة (الإيما) إلى دمشق وكان ذلك سنة 1895أي قبل أكثر من مائة عام وهذا النوع من الآيس كريم المحلي يصنع بطريقة الدق اليدوي، لذلك فهو يمتلك نكهة وطعما خاصا ومن هنا يرغب الكثيرون في تناوله، ويؤكد بكداش على ذلك من خلال صور لزعماء وأمراء ومسؤولين معلقة في صدر الدكان (ومنها صورة للملك عبد الله الثاني ملك الأردن الذي تذوق الإيما في محل بكداش عند زيارته لدمشق في أواخر تسعينات القرن الماضي) زاروا هذا المحل المستمر ببيع الإيما منذ تأسيسه وتذوقوا الإيما فيه. وإذا ذهبنا باتجاه حي العمارة في دمشق القديمة سنشاهد العديد من أصحاب محلات بيع البوظة (الإيما) والذين يقولون أيضاً انهم هم الأصل وانهم ورثوا المهنة من آبائهم وأجدادهم ولكنهم لم يحصلوا على شهرة بكداش لوجود الأخير في أشهر أسواق دمشق وأكثرها شعبية بينما هم موجودون في أسواق بسيطة وغير معروفة كثيراً.

والطريف هنا أن هذا التنافس بين أصحاب المهن والخدمات الاستهلاكية انتقل من دمشق إلى المدن السورية الأخرى، حتى أن هناك تنافساً مثلاً بين مدينتي حمص وحماة (وسط سورية) المتجاورتين في أسبقية وجودة صناعة (حلاوة الجبن) وهي من الحلويات اللذيذة التي تصنع بطريقة خاصة وبعدة أشكال من الدقيق والقشطة البلدية وتضاف لها المكسرات، ويؤكد العديد من المهتمين أن أول من أدخل هذه الحلويات عائلة سلورة بمدينة حماة ومن ثم أخذها مصنعو حلويات من حمص وطوروها وأضافوا لها بعض الإضافات اللذيذة فأخذت شهرة أيضاً بين العابرين من مدينة حمص إلى دمشق أو المدن الأخرى، حيث تعتبر حلاوة الجبن من أفضل هدايا المسافر لأصحابه أو لأسرته. كذلك الحال مع الهريسة( النمورة) وهي حلويات شعبية معروفة بين السوريين حيث احتلت مدينة النبك في ريف دمشق المرتبة الأولى في الشهرة، والكثيرون يقدمون (النمورة النبكية) هدية ثمينة لأصحابهم وأقاربهم وكذلك الحال مع الراحة الدرعاوية، حيث تنافس مدينة درعا (جنوب دمشق) باقي المدن السورية في صناعة الراحة ويصنعها (الدرعاويون) بشكل مميز وبعشرات الأنواع، وفي مدينة حلب يتنافس العديد من أصحاب المهن فيها على الأسبقية في افتتاح محلات المشاوي والكبب وتصنيع الزعتر وحلويات (الكرابيج)، فيما يفتخر حلاونجية اللاذقية بأن الكنافة الخشنة والمسماة الجبلاوية هي الأشهر بين من يصنعها في المحافظات السورية ويتنافس مصنعوها على الأسبقية في افتتاح محلات بيعها وتصنيعها في ساحة الشيخ ضاهر، وهي الساحة الأقدم في المدينة، كما يتباهون بأنهم الوحيدون الذين يصنعون (الجزرية والقرع وهي من الحلويات المجففة اللذيذة الطعم)، ويفتخر أهل محافظة ادلب المجاورة لمدينة حلب بأن (الشعيبيات: وهي أيضاً نوع من الحلويات تحضر بعدة أشكال وأنواع) التي تصنعها محلات محافظتهم هي الأكثر شهرة من الشعيبيات التي يصنعها الحمويون أو الحماصنة أو حتى الشوام.