طوكيو تتربع على عرش نجوم ميشلان

تتحدى فرنسا بمطبخها

TT

اعلن دليل ميشلان ان طوكيو هي المدينة الاولى في العالم من حيث الطعام. ويوضح يوم العمل الذي يمتد 19 ساعة في حياة الطاهي الياباني ايشيرو اوزاكي ذلك التميز.

فقد استيقظ اوزاكي في يوم الخميس الساعة الخامسة والنصف صباحا وبدأ عمله باستخدام الهاتف، بحثا عن سلحفاة حية وسرطان بحر. ولم يكن قد عاد لزوجته وابنته البالغة من العمر سنة واحدة، فقط ظل يطهو حتى بعد منتصف الليل ونام في شقة صغيرة للغاية بالقرب من المطعم الذي يحمل اسمه.

وكان المطعم قد فاز بنجمة في شهر نوفمبر الماضي في اول نسخة يابانية لدليل ميشلان، الذي اذهل قضاته الفرنسيين - وحازوا على إعجاب اليابانيين – بالعثور على مزيد من المطاعم التي تستحق الحصول على نجمة في طوكيو اكثر من تلك الموجودة في العاصمة الفرنسية.

واكد دليل المطاعم الشهير ومقره باريس، الذي يوصف عادة بأنه اكثر الادلة في مجال الطعام نفوذا في العالم، ما يعرفه الزائر لليابان: اشياء غير عادية تقدم في العديد من المطاعم العظيمة في طوكيو.

وقال ماسوشيرو ياماموتو الكاتب والناقد في مجال الطعام الياباني «لقد غمرت النوعية الجديدة قضاة ميشلان». وهو ما ينطبق على السياح الاجانب في اليابان. فسبعة من بين كل عشرة يقولون إن الطعام هو السبب الرئيسي لزيارتهم، طبقا لاستطلاع حكومي ياباني.

ولا يتعلق الامر بالنوعية الجيدة فقط، لكن بإعداد المطاعم في طوكيو التي تثير الخيال. فقد بلغ عدد المطاعم في طوكيو طبقا لميشلان 160 الف مطعم، بالمقارنة بـ 20 الف مطعم في باريس و23 الف مطعم في نيويورك.

ثقافة السمك: وبعدما عثر اوزاكي على سرطان البحر والسلاحف، ارتدى ملابسه. وفي الساعة السابعة والنصف صباحا اتجه الى تسوكيجي اكبر سوق سمك في العالم.

والسوق هو السبب الرئيسي لوجود 191 مطعما تحمل نجمة ميشلان في طوكيو، طبقا لما ذكره ياماموتو ناقد الطعام الذي قضى سنوات يدرس فنون استخدام السمك في الطعام التي وصلت الى قمتها في تسوكيجي (يوجد في باريس 98 مطعما تحمل نجمة ميشلان وفي نيويورك 54 مطعما فقط).

ويحافظ الصيادون على الاسماك طازجة بسحب الدماء منها في لحظة صيدها من البحر. ويتم وضع الاسماك في مياه تماثل درجة حرارة وملوحة البحر في المنطقة التي تم اصطيادها فيها، ثم يتم نقلها في شاحنات الى سوق تسوكيجي وكأنها تعوم في المياه لمنع اصابتها بكدمات.

ويتنقل اوزاكي بسرعة عبر الفوضى والضوضاء في السوق، حيث يشتري احتياجاته يوميا. ويحتفظ التجار بأفضل أنواع الأسماك له.

واشترى العديد من انواع السمك التي سيبدأ تقديمها في مطعمه بعد 10 ساعات.

وتجدر الاشارة الى ان اوزاكي البالغ من العمر 38 سنة هو ابن طاهي سوشي، وقضى 17 سنة كمتدرب في مطاعم الاسماك في طوكيو وحولها. وقضى الاربع سنوات الاولى من حياته كمتدرب في تقطيع الخضار. وقال انه لم يسمح له على الاطلاق بلمس السمك الذي سيقدم للزبائن. ثم قضى ثلاث سنوات يعمل ويتدرب على طريقة طهي السوشي.

وقد فتح مطعمه منذ عامين ويديره بمساعدة اثنين من المتدربين ونادل. ويوجد به مقاعد لـ 16 زبونا فقط، ويقدم السوشي واطباق الاسماك الفاخرة.

ولكي يقدم احسن امكاناته في طهي السوشي بأفضل طريقة يظل جائعا طوال الوقت الذي يقضيه في الطهي.

وقبل فترة وصفه زبون بأنه ساموراي، وهو وصف يثير اعجاب اوزاكي. فالساموراي هم ابناء طبقة المحاربين في مرحلة ما قبل الصناعة في اليابان.

روح الساموراي: وفكرة التضحية الذاتية من اجل طعام فاخر تناسب الكثير من الطهاة في اليابان، حتى عندما يخصصون حياتهم لطعام لا يعرفه الساموراي.

فثلاثة من ثمانية مطاعم حصلت على ثلاث نجوم، وهي اعلى درجات التكريم من ميشلان، تقدم الطعام الفرنسي، وباقي المطاعم تقدم طعاما يابانيا. وحصل الطهاة على نجوم ايضا لطهي طعام ايطالي واسباني وصيني.

وفي مطعم «لو مانج - تو» وهو واحد من 25 مطعما في طوكيو حصل على نجمتين من ميشلان، لا يذهب الطاهي وصاحب المطعم نوبورو تاني الى اسرته إلا مرة في الاسبوع. ويصف مطعمه بالسجن. وينام في صندرة فوق المطعم.

ويقول تاني البالغ من العمر 55 سنة إن روح الساموراي لا تزال بداخله. والشخصية اليابانية هي متابعة امر ما بإخلاص وحماس. وبالنسبة له كان الموضوع هو فرنسا.

ومنذ كان في الثامنة عشرة خصص نفسه لدراسة الثقافة والتاريخ والطهي الفرنسي.

وقال تاني إن المنافسة بين المطاعم اليابانية «صعبة بطريقة لا يمكن تخيلها» ولا يمكن لطاه صاحب مطعم الاستمرار إلا اذا كان راغبا في التضحية بطريقة «تؤدي الى استخلاص جوهر ذاته واضافته الى ما يطهيه».

ولكي تتذوق روح الساموراي في لو مانجي توت في طوكيو عليك حجز مائدتك قبل شهر على الاقل، ثم دفع حد ادنى يصل الى 200 دولار.

الا ان النوعية الجيدة في مطاعم طوكيو لا تتطلب دائما دفع اسعار مرتفعة - او نجمة ميشلان. فهناك على سبيل المثال الذي يعتبر تخصص فيه بيسترو كيراكوتي وهو مطعم للكاري.

وكعكة الكاري هي حلوى «دونوت» محاطة بكاري خفيف على الطريقة الانجليزية. ويجري تحمير البصل الموجود في الكاري على نار هادئة لمدة اربع ساعات. وبعد طهيه يترك الكاري لمدة يوم واحد لكي «يستقر» قبل خلطه بـ «الدونوت». ويعد المطعم منه 400 قطعة يوميا فقط.

ويقول هيدكي اوكوبو الذي اجرى العديد من التجارب باستخدام انواع مختلفة من التوابل والكاري لمدة 6 اشهر حتى توصل الى النتيجة التي ترضيه «لقد وجدت التوازن الممتاز بين الكاري والعجين».

كان ذلك قبل 24 سنة، واصبحت كعكة الكاري اسطورة في طوكيو. وقال انه تلقى عروضا ضخمة لبيعها على نطاق تجاري، لكنه لم يفكر في ذلك على الاطلاق.

وقال ياماموتو الكاتب والناقد في مجال الطعام الذي تذوق كعكة الكاري التي يصل ثمنها الى 2.5 دولار وتناول الطعام في مطعم لو مانج تو الغالي إنه يعتقد ان ما يربط بين الطاهيين هو «عدم قناعتهم ان النجاح يرتبط بالمال، بل بإسعاد الآخرين» وبعد فترة طويلة قضاها في اعداد الاسماك وتخليتها من الشوك رحب اوزاكي بأول الزبائن في الساعة السادسة.

وظل اوزاكي واقفا على قدميه لمدة خمس ساعات، فهو يعد بنفسه كل اطباق الوجبة التي تضم 15 طبقا. وكل طبق يتم التهامه في قضمة واحدة او قضمتين. ويعمل اوزاكي بسرعة. ومنذ أن حصل على نجمة ميشلان اصبح يستقبل المزيد من الزبائن اكثر من قدرته على خدمتهم. وقد رفع اسعار الوجبة. لتصل الآن الى 150 دولارا.

وينتهي آخر زبون من تناول طعامه بعد منتصف الليل. وينتهي من تنظيف المطعم في الساعة الواحدة. ومرة اخرى لا يتمكن من العودة الى مسكنه وينام في الشقة القريبة.

* شارك اكيكو ياماموتو في اعداد هذا التقرير خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»