«العسلية».. عالم من الذكريات بطعم العسل والسمسم

عرفها المصريون من مئات السنين

TT

عسلية، نداغة، نبوت الغفير، ثلاثة مسميات لحلوى تربت عليها أجيال من كافة طبقات الشعب المصري. فالأغنياء والفقراء يعرفون تلك الحلوى التي لم يفارق مذاقها أفواههم رغم بعد المسافة الزمنية بينهم وبينها. فعلى الرغم من قلة وجودها في زمن باتت فيه حلوى الأطفال على كل شكل ولون، إلا أن العسلية لا تزال ترتبط في وجدان المصريين بتفاصيل زمن جميل مضى. بشكل يدفعهم بين الحين والاخر الى البحث عنها وشرائها والتلذذ بطعمها سواء كانت بمكسرات أو سوداني أو من دونهما، وسواء أيضاً كانت مغطاة بالسمسم أو من دونه، المهم هو الحصول على تلك النكهة المفعمة بذكريات الماضي. البحث عن صانع العسلية في قاهرة المعز الآن بات كالبحث عن إبرة في كومة من القش، فالمدينة تكاد تخلو من تلك الورش أمام زحف مصانع الحلوى وتشديد الرقابة على نظافة الاغذية المصنعة للأطفال. الا أن وائل سمير (40 عاما) واحد من القلائل الذين ما زالوا يقدمون العسلية لمحبيها من خلال ورشة صغيرة لا تتجاوز مساحتها الأمتار التسعة في أحد أزقة ضواحي الجيزة، وقد تناقل هذه المهنة وورثها أبا عن سابع جد، ويعتز بمهنته التي تكاد تندثر في ظل وجود مصانع الحلوى، وقال وائل لـ«الشرق الأوسط» إنه على الرغم من ضآلة العائد المادي لتصنيع العسلية، إلا أنه لا يستطيع ترك مهنته التي ورثها عن جدوده وجعلت من اسم عائلته أشهر من صنع العسلية في مصر. وأضاف: كان للعسلية في الماضي مذاق خاص ومختلف، حيث كانت تصنع من العسل الأسود الخالص الذي يحتل مكانة خاصة في الثقافة الغذائية للمصريين إلى جانب اعتقاد البعض في قدرته على معالجة بعض الأمراض وبخاصة الامراض الصدرية حيث اعتقدوا أنها تغسل الصدر، وتمنح الانسان الطاقة. ولهذا أسموها العسلية نسبة الى العسل، وكان لونها غامقا جدا بلون العسل الأسود ولكن ومع ارتفاع الأسعار أصبحنا نصنعها من السكر الذي أكسبها اللون الفاتح الذي تتداول به العسلية اليوم، وتقتصر صناعة العسلية بالعسل على عدد محدود من الزبائن الذين يطلبونها فتصنع بالطلب لهم. وكان جدي يحكي لي أن كبار المسؤولين المصريين كانوا يعشقون العسلية دون فرق ببن البشوات أو الطبقة الوسطى والفقراء، وكانت محال بيعها ملحقة في الغالب بورش تصنيعها، أما تسميتها «بالمضاغة» فيعود إلى مكوناتها التي جعلتها تلوك في الفم كاللبان حتى تتلاشى. وقد حرفت المضداغة إلى النداغة بمرور الوقت، أما اسم نبوت الغفير فيعود الى الشبه بين العسلية السادة التي تصنع من غير سمسم، وعصا الغفير الذي كان يطلق عليه اسم نبوت في الماضي حيث كان غليظاً وطويلاً». كانت العسلية تلف في الماضي في ورق السيلوفان بمختلف الالوان، فذاك أصفر، وهذا أزرق، أو أحمر، أو أخضر، أما الان فكلها في ورق من السيلوفان الشفاف. وتتلخص مراحل تصنيع العسلية في 5 خطوات أساسية، في مقدمتها مرحلة وضعها على المسمار التي تعد أساس عملية تصنيع العسلية كلها كما تميز بين نوعية وأخرى كما يقول وائل، الذي اضاف: «تبدأ صناعة العسلية بغلي العسل أو السكر في أوان كبيرة، وتترك إلى أن يبدأ قوامها في التماسك، ثم تلقى بعدها العجينة على قطعة رخام كبيرة مفروشة بالنشا والزيت لكي لا تلتصق وتفرد على شكل عجين متماسك. وبعد ذلك تؤخذ العجينة بالطول ويوضع طرفها على مسمار قوي معلق على الحائط ويقوم الصانع بضرب العجينة وسحبها بالطول وإعادة لفها على المسمار بشكل متكرر لا يقل عن 50 مرة حتى يفتح لونها. وهنا تكمن مهارة الصانع في إدخال كمية الهواء المناسبة للعجين فتعطيها القوام المطلوب. بعد ذلك تؤخذ العجينة وتشكل على شكل شرائط رفيعة وتحشى أو تزين بالسمسم ثم تقص هذه الشرائط الرفيعة إلى قياسات متناسبة بمقص كبير، وقد تقطع إلى مكعبات، ثم تترك لكي تجف في الهواء مدة لا تقل عن يومين وتعبأ لاحقا».

وللعسلية أكثر من نوع وإن كان الشائع من تلك الأنواع هي العسلية المغطاة بالسمسم، هناك أيضا السادة والمحشوة بالمكسرات بالإضافة الى نوع جديد يتم تغطيته بالشيكولاته إرضاء لرغبات الزبائن. ويضيف وائل: قد نكون نحن الوحيدين الذين ما زلنا نصنع العسلية بالمسمار، فهناك بعض المصانع اليوم رغم قلتها أدخلت آلة كهربائية لسحب العجينة وإدخال الهواء بها، إلا أن الطريقة التقليدية هي الأصح لأنها تعطي لها مذاقا مختلفا عن مثيلتها المصنعة بالماكينة، ورغم كثرة المعروض من انواع الحلوى، إلا أن الكثير من الناس يأتون لي خصيصا لكي أصنع لهم عسلية بمواصفات خاصة، وبعضهم في مراكز عليا في المجتمع، كما أن العديد من محلات الحلوى تطلب مني إنتاجا أسبوعيا من العسلية لعرضها في واجهات محلات الحلوى، فالعسلية موروث مصري ارتبط عندنا كما كان يحكي لي جدي بأشياء أخرى جميلة. أما أسعار العسلية فقد شهدت بالطبع هي الاخرى بعض التغيير غير المثير للدهشة، فبعد أن كان الكيس الكبير ذي الستة عشر قطعة يباع في الماضي بقرشين، بات ثمنه الآن جنيه ونصف الجنيه فقط، لتبقى العسلية حلوى رخيصة الثمن ولكنها تحمل في طعمها كما هائلا من السعادة.