من مجرد خبز إلى رمز للثقافة الفرنسية

الباغيت أو العصا السحرية

TT

كيف تنظر الى الفرنسي؟ هل هي النظرة ذاتها التي فيها الكثير من التخيل، والتي تكرست منذ حوالي القرن من الزمن، أم أنها نظرة خاصة فيها الكثير من الأبعاد الثقافية والخصوصية التي يمتاز بها الفرنسي وفرنسا في العالم في هذا المضمار، ماذا تعرف عن فرنسا، الثقافة الفرنسية، أسلوب العيش، وكيفية بناء الأمثلة التي تمثل فرنسا في العالم. أو من هو الفرنسي وكيف تراه؟.

نشاهد النموذج المعمم للفرنسي طوال القرن العشرين، انه شخص يلبس البيريه فوق رأسه وسيجارة الجيتان في فمه ويحمل الباغيت تحت إبطه وفي قبضة يده زجاجة الشراب. غير أن الفرنسي في فرنسا قد يكون مختلفاً عن هذه الصورة الرومانسية. مع ذلك، فهذه النظرة لا تبارح الذهنية العالمية عن الفرنسي وطريقة حياته. لكن، لا يمكن ومنذ قرن من الزمن فصل الفرنسي عن خبز الباغيت بسهولة. فالباغيت يتربع يومياً وفي كل وقت على مائدة كل بيت في فرنسا، وهو موجود في كل أفران العالم ومخابزه كونه يمثل القيمة الغذائية لفرنسا، كما أنه يشكل أحد أبرز معالم فرنسا الثقافية ورموزها، بالإضافة الى رموز ثقافية أخرى لا تقل أهمية. وهو رسول فرنسا الغذائي حول العالم.

لكن للباغيت قصة، لا ليس واحدة على الإطلاق، بل قصص كثيرة وشائعات تدور حول أصله وفصله وكيف بدأت صناعته ولماذا. تقول الشائعة الأكثر شهرة بين الشائعات، ان نابليون وأثناء تجهيز حملته العسكرية الشهيرة على روسيا في القرن التاسع عشر أمر بابتكار رغيف خبز يكون شكله مستطيلاً لكي يسهل على الجنود وضعه في جيوب سراويلهم. ورغم أنها قصة فكاهية لكنها القصة التي تذكرها معظم المصادر التاريخية التي تدور حكاياتها حول رغيف الخبز الفرنسي الأكثر شهرة. ثمة مصادر أخرى، أيضاً، ورغم تأكيدها على قصة نابليون وحكايته مع هذه العصا السحرية. إلا أنها تروي بأن منشأ هذه العصا يعود الى عام 1830 في باريس، وقد استلهم حينذاك من خبز فيينا الشهير أيضاً. وتقول الحكاية بأن هذا الخبز كان في ذلك الوقت حكراً على طبقة النبلاء وأصحاب الأملاك الكبيرة، فقد كان يعجن باستعمال الحليب والقمح الكامل والسكر ويخرج بلون داكن أقرب الى السواد منه الى اللون الذهبي ذي القشرة المقرمشة. لكنهم بعد ذلك استبدلوا الحليب الطازج بالماء والحليب الناشف لكي ينقص سعره ويكون بمتناول العامة من الناس. مع ذلك فإن خبز الحليب بالحجم الصغير عادة لا يزال موجوداً حتى اليوم. ويتم تناوله مع الزبدة وأنواع عديدة من المربات أشهرها في فرنسا مربى الخوخ (Pruneaux Crème de) والـ (Murtille) وغيرها بالطبع من مكونات الفطور الفرنسي. فبعد أن فقد الحليب كعنصر أساسي في مكونات الباغيت فقد الكثير من نوعيته ومميزاته وأصبح متداولاً بكثرة. لكن الباغيت شهد فترات صعبة في تاريخه، إذ فقد من الأسواق كلياً في الحرب العالمية الأولى وكانت عودة للخبز الأسود لكنه عاد بعد الحرب بقوة ليسيطر على الواجهة الإعلامية في موضوعات الغذاء في فرنسا.

شهدت بداية القرن العشرين تكريس الباغيت كجزء مكون للكليشيه الفرنسية، فبالإضافة الى صورة برج إيفل والمقاهي الباريسية العريقة في قدمها، والتي كان لها، دائماً، التأثير المهم في سياق الأحداث التي صنعت مجد فرنسا في العالم من خلال استخدام المثقفين والمفكرين الطليعيين لها. بالإضافة الى هذا العمق التاريخي والأنا المنتشرة فإننا نجد هذه العصا متغلغلة في كل هذا الكم من الثقافة الفرنسية وواحدة من مكوناته الكبيرة والمؤثرة. في عام 1920 تم البدء فعلياً في تحديد الطريقة التي بدأ الباغيت فيها بالانتشار والوجود اليومي على المائدة، بدل تحضيره في المنازل وبقائه صالحاً للاستعمال عدة أيام. فقد جرى في ذلك العام تشريع قانون تم بموجبه تحديد أوقات العمل في الأفران، وتحديد مكونات الباغيت الأساسية. وتفيد المصادر التاريخية التي تقصت هذه الفترة، بأن هذا القانون كان مساهما بشكل فعال في إيجاد علاقة عضوية ويومية ما بين الشعب والرغيف، فتحديد موعد فتح الأفران من الساعة الرابعة صباحاً كرس وجود الباغيت يومياً في الحياة العامة، إذ أصبح بوسع المواطن شراء الباغيت يومياً دون الخوف من غيابه عن المائدة. كما أن تحديد مكوناته وطريقة تحضيره وصنعه التي لم تعد منزلية، أجبرت الفرنسي على استهلاكه يومياً كمادة يتم شراؤها طازجة. إذ إن الباغيت لا يمكن له أن يستمر صالحاً للأكل وطرياً أكثر من يوم واحد بعدها يتحجر ويصبح تناوله أمراً صعباً للغاية. لكن، تفيد المصادر القليلة في هذا المضمار بأن هذا القانون قد ساهم في وجود الباغيت يومياً لكنه لم يعد يخرج كما كان من قبل. ومنذ ذلك الوقت بدأت صناعته كرمز من خلال التركيز عليه في الإعلام. وفي الفترة التي تليت الحرب العالمية الثانية سنت قوانين جديدة وبدأ التعامل مع الباغيت كصناعة كبيرة وتم تجهيز الأفران بالآلات الحديثة التي ترفد السوق بكميات كبيرة جداً. ويفضل الفرنسيون في الغالب شراء الخبز من المخابز الصغيرة التي تنتشر في الأحياء في كل المدن الفرنسية، كما أنه لا تخلو قرية حتى لو كانت صغيرة جداً من مخبز خاص بسكانها. وفي حين يعتبر الباغيت هو الأشهر وهو الكليشيه وكذلك رمز الثقافة. إلا أن الخبز في فرنسا أنواع كثيرة جداً، تماماً كما هي عليه الجبنة الفرنسية الشهيرة التي يبلغ تعداد أنواعها حوالي 371 نوعاً. ورغم أن الخبز لا يصل الى هذا الرقم، إلا أن الأنواع الأخرى المتفرعة عن الباغيت تضاهيه جودة ومذاقاً في كثير من الأحيان، إلا أن معظم الفرنسيين يفضلون تناول الباغيت.

طريقة تحضير رغيف الباغيت (baguette) بحسب الطريقة التقليدية في فرنسا: مدة التحضير: 3 ساعات ونصف الساعة مدة الوجود في الفرن: 25 دقيقة المكونات:

4 كاسات من الطحين (1 طحين أبيض 3 طحين القمح الكامل) 1 ملعقة كبيرة خميرة جافة.

نصف ملعقة صغيرة ملح.

كأسا ماء دافئ.

كيفية التحضير: يخلط الطحين والملح في وعاء منفرد، ويوضع الماء والخميرة في وعاء آخر حتى تذوب الخميرة كلياً. بعد ذلك يضاف نصف كمية الطحين المخلوط بالملح. ثم تضاف الكمية الأخرى من الطحين رويداً رويداً حتى تخلط الكمية كاملة. تدعك العجينة باليد جيداً وببطء حتى تبقى مرتاحة وتتماسك ثم يغطى الوعاء بقطعة من القماش ويوضع جانباً بحسب درجة حرارة المكان لمدة ثلاث ساعات. بعد فترة الترييح يفترض أن يتضاعف حجم العجينة. يسخن الفرن الى درجة حرارة لا تقل عن 400 درجة فهرنهايت ويوضع بداخله وعاء ماء صغير حتى يمتلئ الفرن أثناء الخبز ببخار الماء. وفي هذه الأثناء يتم تقطيع العجينة الى ثلاث قطع (بحسب الكمية) وتفرك كل قطعة باليد حتى تستطيل وتجرح بالسكين من وجهها. ثم توضع بالفرن لمدة 20 الى 25 دقيقة بعد أن يكون الفرن مملوءاً ببخار الماء الذي يعالج القشرة الخارجية للباغيت ويجعلها جافة ومقرمشة.