الكمأة.. أكلة الأغنياء وحلم الفقراء

في سورية.. إيجادها صعب واستنساخها يستغرق 10 سنوات

TT

تعتبر ثمار الكمأة التي تنمو بشكل طبيعي كفطر في أراضي البادية السورية من ألذ وأثمن أنواع الفطريات الصحراوية التي يقبل عليها السوريون ويتناولونها في موسم ظهورها وحصادها والذي يبدأ عادة مع بداية شهر يناير (كانون الثاني) ويستمر حتى أواخر فصل الربيع، وعلى الرغم من ارتفاع أسعارها (حيث يسميها البعض فطر الأغنياء وطعام الميسورين وحلم الفقراء) إلا أنها تعتبر وجبة لا غنى عنها للدمشقيين ولو لمرة واحدة في العام يتناولونها مسلوقة أو مقلية أو مطبوخة مع لحم الغنم البلدي. ويتم تناول الكمأة إما شيّاً مع البصل ودهن الخروف البلدي وعلى الفحم المشتعل، أو مسلوقة بعد هرسها مع الزبدة البقرية أو الغنمية أو تحمص مع قطع لحم الخروف البلدي وتضاف لها البهارات للنكهة اللذيذة. ويقبلون على شرائها من أسواق الخضار كالشعلان وباب سريجة والجابية والمرجة، والتي تأتيهم من سكان البادية السورية الذين يعتبرون جنيها كل عام مصدر دخل جيد لهم رغم صعوبة البحث عنها بين التربة الرملية في البادية التدمرية والبحث الطويل عنها حتى يحالفهم الحظ بالحصول على بعض ثمارها ويبيعونها بأسعار جيدة، حتى أن مشاريع دعم سكان البادية وحمايتها كمشروع محمية التليلة في بادية تدمر شجعت السكان في البادية ووفرت لهم الوسائل لجمع الكمأة من خلال حماية آلاف الهكتارات في البادية التدمرية كونها تشكل لهم تحسيناً لوضعهم المعيشي والحياتي، لكن وكما هو معروف فإن الكمأة لا تعطي إنتاجاً وفيراً إلا في السنوات التي تهطل فيها أمطار غزيرة مع رعد وبرق في البادية، حيث تظهر الكمأة عادة مع أواخر فصل الشتاء بعد الأمطار والرعد والبرق و«تفقع» بين تشققات التربة الرملية ولذلك يسميها أهل الخليج بـ (الفقع) في حين يسميها أهل الشام بالكمي وهي باللغة الفصحى الكمأة. والعام الحالي خيب آمال سكان البادية السورية الذين كانوا يأملون بموسم حصاد وفير للكمأة، كما خيب بالمقابل أمال الدمشقيين بالحصول على الكمأة بسعر منخفض، حيث إن قلتها في الأسواق ترفع أسعارها بشكل كبير. والسبب هو الجفاف وانحباس الأمطار الذي حل بالبادية السورية لموسم هذا العام. فلم تهطل كميات كبيرة من الأمطار كما هو الحال في المواسم السابقة ولم تحصل عواصف رعدية وبرق وغيره ليساعد على إخراج الكمأة بشكل واسع من أراضي البادية ولذلك يتوقع العديد من المهتمين أن يكون موسم الكمأة لهذا العام في سورية قليلاً وأسعارها مرتفعة مما سيجعل الكثير من أصحاب الدخل المحدود يعزفون عن تناولها وستبقى حصراً على الأثرياء، ويقول هؤلاء أن سعر الكيلو غرام منها قد يصل إلى أكثر من ألف ليرة سورية (حوالي 22 دولارا أمريكيا) في حين أنه في مواسم وفرتها لا يزيد السعر على 500 ليرة سورية ومع غلاء لحوم أغنام العواس البلدي أيضاً فستكون وجبة واحدة من الكمأة مرهقة مادياً وقد تنسف (نصف راتب) الموظف إذا كان لديه أولاد ـ يعلق أحدهم ضاحكاً ـ ولذلك لن يتاح لهؤلاء تناول وجبة (كمي) ليوم واحد فيعيشون باقي أيام الشهر بنصف راتب فقط... والكمأة هي هبة الطبيعة للإنسان ولها أنواع وأحجام وأشكال فإن هناك الكمأة السوداء وهي الأجود وهناك البيضاء وفي سوريا تنتشر أنواع ذات تسميات معروفة مثل: الزبيدي والخلاسي والحبيبية والهوبيري، والزبيدي يميل لونها إلى البياض وهي خفيفة على جهاز الهضم، أما الجبا (الحبيبية) فلونها أحمر قرميدي أو بني وتتميز بنكهتها القوية ورائحتها مميزة، وإن طريقة جني الكمأة صعبة وتحتاج لفترة طويلة ولذلك فإن سكان البادية والمناطق المجاورة لها يذهبون مجموعات أو أفراداً ليبحثوا عن الكمأة وقد يبقون يوماً كاملاً دون أن يحصلوا على هدفهم، حيث يبحثون في التشققات الظاهرة على سطح أرض البادية ويقومون بالحفر السطحي ضمن هذه التشققات وإذا ظفروا بثمرة من الكمأة يستمرون في البحث بنفس المنطقة، حيث تعتبر دليلاً على توفرها فيها والمحظوظ من يستطيع جمع عدة ثمرات فهي غلة وفيرة. وقد أصبح لدى سكان البادية خبرة بالاستدلال عليها. وبسبب تباين موسم الكمأة بين عام وآخر مع تباين نسبة هطول المطر والرعد القوية وبالتالي تباين سعرها وتوفرها في الأسواق فإن البعض من عشاق تناولها يلجأ إلى تجميدها بالثلاجة بعد سلقها (نصف سلقة) ليأكلوها في غير مواسمها. كما ان إحدى شركات التعليب في منطقة الجزيرة السورية (الحسكة) عملت قبل سنوات على تعليبها وبيعها معلبة للمستهلكين بحيث تستفيد من مواسم الوفرة لتعرضها معلبة بمواسم القلة.

ويتداول السوريون عادة أخبار العثور على الكمأة المميزة والنادرة، خاصة في هذه الأيام، حيث ذكر أن مزارعاً سورياً من قرية بمحافظة الرقة شمال شرق سورية عثر وهو يفلح أرضه على كمأة كبيرة نادرة معمرة من نوع الزبيدي وصل وزنها إلى حوالي 3.300 كيلوغرام وقد بقيت هذه الكمأة مدة طويلة ضمن مسيل مائي بينما أسهمت رطوبة التربة في الحفاظ عليها ومنع تجففها. وكون الكمأة تظهر بشكل طبيعي كفطر صحراوي لا يمكن زراعته، ولعشق السوريين لتناوله حاول أحد الاختصاصيين بعلوم الفطر في كلية الزراعة بمحافظة دير الزور السورية قبل سنتين استزراع الكمأة بعد أن جمعها من أماكن تواجدها من الطبيعة، وصل هذا الاختصاصي بعد استزراعه لجريد الكمأة إلى نتيجة أنه لا يمكن الحصول على إنتاج من الكمأة إلا بعد مضي حوالي 8 ـ 10 سنوات من بدء التجربة وبالطبع فلن ينتظر عشاق تناول الكمأة هذه الفترة ليحصلوا عليها منتجة زراعياً وليس طبيعياً.