سر نكهة المشاوي في رائحة الحطب

يبقى الدجاج المشوي على الفحم.. الأفضل

TT

تستحق بعض المطاعم ان يهجرها زبائنها، كعقاب جماعي ضدها، لانها ببساطة تقدم لهم اطباقا ومأكولات من دون أي مذاق او طعم. فعندما تتناول فيها بيتزا على سبيل المثال، تشعر وكأنك تأكل قطعة اسفنج، لا توابل ولا بهارات، اذ يتم طهيها في افران «المايكروويف» او الكهرباء فتصبح جاهزة في رمشة عين، لتجد نفسك مجبرا على التهامها على عجل قبل ان تبرد وتتحول الى قطعة من المطاط. ونفس الشيء يحصل لك إذا طلبت قطعة من الدجاج المشوي، حتى انك تشك إن كان ما تأكله له علاقة باللحوم أم انه شيء آخر تجهله.

وبسبب ذلك، حصلت ثورة وانقلاب على أساليب الطهي العصرية السريعة، وأعيد الاعتبار الى الفحم والحطب، الذي انتقل من البيوت في القرى، الى المطاعم العصرية، التي اكتشفت انها الوصفة السحرية، التي تجلب لها الزبائن، وبالفعل كلما وجدت مطعما يعلن على واجهة المحل ان اطباقه مطهوة على الفحم، إلا وكان مزدحما بالناس، حتى ان من بينهم من يفضل تحمل الجوع والانتظار في الخارج الى ان تفرغ إحدى الطاولات، ليتناول اكلته المفضلة.

في مدينة الرباط وكسائر المدن المغربية، انتشر عدد لا بأس به من المطاعم التي تقدم الاطباق المشوية على الفحم، وعلى رأسها الدجاج، ثم اسياخ اللحم، والبيتزا، من بينها مطعم يحمل اسم «كوك ماجيك» بحي حسان، وقد افتتح قبل ثلاث سنوات، وما يميز هذا المطعم عن غيره هو انه متخصص في هذا المجال ولا يوجد منافس له.

استورد مدير هذا المطعم، وهو شاب اسمه نبيل كريشة، خبرة المشاوي على الفحم من السعودية، حيث قال إنه لم يكن يفكر في دخول هذا المجال قبل زيارته السعودية عام 1997 لأداء مناسك العمرة، حيث اكتشف ان جل المطاعم العصرية هناك تستعمل الفحم لشواء الدجاج واللحم، والنتيجة هي الحصول على مذاق لذيذ جدا، الا ان العبرة لا تكمن في الفحم فقط، لان الدجاج يتم نقعه في 24 نوعا من التوابل والاعشاب المنسمة، مثل «البسيبيسة» و«قاع قلة»، و«دار الفلفل»، و«الكوزة الصحرواية»، وغيرها من البهارات التي يستورد جلها من السعودية نظرا لجودتها العالية، حيث مصدرها الاصلي هو الهند.

ولم ينس كريشة، وهو طباخ ايضا، الاشارة في اللوحات المعلقة على واجهة المحل، وكذا المطويات التي تتضمن قائمة المأكولات، الى الـ 24 نوعا من التوابل التي يستعملها، وهو ما يثير فضول الزبائن لتذوق نكهتها.

يقول كريشة: الطهي على الفحم، طريقة تقليدية معروفة عند المغاربة منذ القدم، وما زالت منتشرة الى الآن، خصوصا في أيام عيد الأضحى، حيث لا يخلو منزل من موقد فحم يستعمل لغرض الشواء. اما مزايا هذه الطريقة فهي عديدة من بينها، انها تنقص كمية الدهون الموجودة في اللحوم، ويصبح الأكل صحيا اكثر، بالإضافة الى المذاق اللذيذ الذي تمنحه للأكل. الا ان معظم البيوت تخلت عن استعمال الفحم وتم استبداله بمواقد الغاز نظرا للحاجة الى السرعة في طهي الطعام.

وتستغرق عملية شواء الدجاج في المطعم نصف ساعة، وتبدأ من الساعة 11 والنصف صباحا، قبل قدوم الزبائن الذين يبدأون بالتوافد على المطعم الساعة 12 ظهرا، ويستعمل الفحم المستخرج من شجر الاوكالبيتوس، او شجر اللوز.

عند افتتاح المطعم استعان كريشة بطباخ سعودي تعاقد معه مدة عام، حيث تعلم على يديه سر المهنة، ونقل إليه الخبرة، ثم بعد ذلك نقلها هو بدوره إلى الطباخين الذين يعملون عنده حاليا.

ولدى كريشة خبرة سابقة في الطبخ وإدارة المطاعم، حيث تملك عائلته مطعمين، واحد في القنيطرة (شمال الرباط)، وآخر في مكناس (وسط)، الا انها مطاعم عادية لا تحمل عبارة «مشوي على الفحم».

ويقدم المطعم بالإضافة الى الدجاج، الخروف المشوي على الطريقة المغربية «البلدية»، الى جانب سلطات متنوعة، ويعتزم صاحبه إضافة الطاجين المطهو على الفحم، ضمن قائمة الطعام، حيث يتوقع اقبالا كبيرا عليه، كما قال، لان هذا النوع من الطاجين اللذيذ لن تجده الا في المطاعم الموجودة في ضواحي المدينة، وهو بذلك يريد تحويل هذه الخدمة الى قلب الرباط.

يستقبل المطعم حوالي 300 زبون في اليوم، وأسعاره مناسبة جدا، ويتوقع كريشة ان تتحول جل المطاعم الى استعمال الفحم، لان العديد من المطاعم العادية تأثرت بالفعل من هذا الوافد الجديد القديم، وهجرها زبائنها، لان الاكل الصحي والمذاق اللذيذ هو مبتغى كل الناس.

بالإضافة الى المطاعم المتخصصة في المشاوي، افتتحت ايضا مطاعم «البيتزا» المطهوة على الحطب، حيث تلقى بدورها اقبالا كبيرا من طرف عشاق «البيتزا» بمختلف انواعها، وتعتمد هذه المطاعم على طريقة طهي تقليدية، اذ تتوفر على افران صغيرة تشبه تلك المخصصة لطهي الخبز الموجودة في الاحياء الشعبية، حيث تنضج على مهل بجانب نار الحطب المشتعل، وهو ما يمنحها ذلك المذاق المتميز والرائحة الشهية، التي تصدر عن امتزاج مكونات البيتزا مع رائحة الحطب المحترق. وبطبيعة الحال هذه الطريقة ليست اختراعا مغربيا، بل مأخوذة من موطن «البيتزا» الاصلي، أي ايطاليا، حيث حافظ العديد من المطاعم على الطريقة القديمة في طهي البيتزا اعتمادا على الحطب بدل الافران الكهربائية.

ولا يكمن سر نكهة البيتزا في انها تنضج على مهل في فرن الحطب وحسب، بل في المواد الغذائية الطبيعية التي تضاف اليها مثل الزعتر وزيت الزيتون والحبق، وغيرها من الاعشاب المنسمة، خلافا للبيتزا العادية التي تجدها خالية من أي مذاق او نكهة. وبسبب ذلك فقد العديد من المطاعم الشهيرة في الرباط زبائنها، ولم يعد الاقبال عليها كما كان في السابق، رغم التجديد والاصلاحات المتتالية التي قام بها اصحابها على ديكورها الداخلي في محاولة لاسترجاع الزبائن الذين «هربوا» منها بحثا عن مذاقات أشهى وألذ.