البوظة العربية

بكل النكهات والألوان

TT

ما أن يحل فصل الصيف بشمسه الساطعة وجوّه الحار، حتى يتهافت الناس صغاراً وكباراً على تناول المثلجات على أنواعها. وتحتل البوظة أو «الآيس كريم» المرتبة الأولى في قائمة الحلويات الصيفية، إذ انها لا تنعش حرارة الجو فحسب، وإنما تنعش القلوب أيضاً وتضفي عليها شعوراً بالسرور وتثلج الصدور. فهي تحل ضيفاً لذيذاً في كل الأماكن التي تحلو فيها الجلسات الصيفية، خصوصاً على شاطئ البحر وفي المقاهي والملاهي وحدائق الأطفال.. فيصعب على الحاضرين من كل الأعمار مقاومة شكلها الشهي وطعمها اللذيذ، فيطلبها الأهل أحياناً قبل الأولاد.

وصحيح ان المثلجات تبرز بقوة خلال موسم الصيف والحر، إنما تظل حاضرة أيضاً على مدار السنة، ولا تتوقف محلات البوظة عن صناعتها وإن بكميات محدودة. فهناك بعض الناس الذين يعشقون البوظة، يواظبون على تناولها صيفاً وشتاءً. فلا عجب إذاً أن تجد شخصاً يتذوّق البوظة في طقس شتوي بارد، بدلاً من احتساء كوب من الشاي الساخن.

يُعتقد أن المثلجات هي من ابتكار الصينيين، ونقلها عنهم الهنود ثم الفرس فالعرب، وبذلك انتشرت صناعة البوظة في العالم العربي عن طريقة مزج الثلج الطبيعي مع الفاكهة أو الزهور أو حتى العطور. ومن المعروف عن فلاحينا أنهم اعتادوا جمع الثلوج في كهوف جبلية رطبة لا تدخلها أشعة الشمس، فيغطونها بطبقة كثيفة من القش أو التبن، لا تسمح لحرارة الجو بالنفاذ إليها، فيحفظونها بهذه الطريقة الى الصيف، ويمزجونها بالعسل وغيره من المواد السكرية. وتطورت صناعة البوظة العربية مما كان يعرف بـ«البوظة الدق» التي كانت تصنع بطرق بدائية، بحيث كانت توضع كل مكوناتها من الثلج والفواكه والشوكولاته والحليب وغيرها، في أجران كبيرة ويتم دقها يدوياً لتمتزج جيداً بعضها بعضا. وبذلك كانت تحافظ على نكهاتها الطبيعية المنوّعة التي تنعش الجسم والروح معاً، لكن مع التطوّر الصناعي الذي غزا كل المجالات، كان لا بدّ لصناعة البوظة من الاستعانة ببعض الآلات الحديثة المتخصصة لتسهيل عملها وتطويره من حيث النوعية والكمية.

فكثرت بالتالي الشركات المصنعة للبوظة وانتشرت في الأسواق اللبنانية والعربية بأسماء تجارية عديدة، وهي تتشابه من حيث الشكل واللون وتختلف من حيث النوعية والنكهة. فبعض الشركات اتجهت الى الصناعة الترويجية للبوظة، وأدخلت عليها المواد الملونة مع المحافطة طبعاً على المواصفات الغذائية الصحية، فكانت النتيجة مزيجاً من الثلج والسكر والفواكه المصنعة أو الشوكولاته والحليب.. بينما حافظت شركات أخرى على تقديم مادة طبيعية مائة في المائة، لا تختلف كثيراً عن «البوظة الدق» التي سبق ان تحدثنا عنها. بوظة «القزيلي» واحد من الأسماء الكبيرة الرائدة في صناعة البوظة العربية. تاريخها عريق جداً في هذا المجال، ويعود الى الستينات مع المؤسس الكبير فؤاد القزيلي، الذي اشتهر منذ انطلاقته ببوظته الطبيعية اللذيذة التي حافظت على جودتها وتقدّمها مع ابنيه أنطوان وايلي القزيلي. وهما اليوم يشرفان بنفسيهما على معمل البوظة ويصنعان بأيديهما الخلطة السرية، بالتعاون مع مجموعة من الموظفين المدرّبين وبالاستعانة ببعض الآلات الحديثة. ويقع محل القزيلي بفرعه الرئيسي في منطقة زوق مكايل شمال بيروت ويفتح أبوابه صيفاً وشتاءً 24/24 ساعة. وله فرع ثانٍ في منطقة جونية ويفتح صيفاً فقط، بالإضافة الى فرع ثالث في منطقة عجلتون الجبلية.

وتتميز بوظة القزيلي بأنها طبيعية مائة في المائة، كما أشارت لمى القزيلي، ابنة أنطوان القزيلي، التي تحدثت الى «الشرق الأوسط» عن تاريخ عائلتها العريق في صناعة البوظة العربية، وتطرقت الى مختلف النكهات المتوافرة لديهم والمواصفات التي تميّزها. واللافت أن بوظة الفاكهة مصنوعة فقط من الفاكهة نفسها من دون إضافة الحليب أو القشدة إليها، ما يجعلها طبيعية وصحية جداً. وتتنوّع الفاكهة المثلجة بين الفراولة (الفريز)، التوت، المانغا، الشمام، المشمش، الأفوكا، والموز، بالإضافة إلى الورد والحامض. أما البوظة بنكهات الشوكولاته، الفانيلا، القشدة، اللوز، الفستق، والكريم كاراميل، فيضاف إليها مادة الحليب الذي يغنيها بالكالسيوم المفيد للصحة. واللافت أن البوظة لم تعد مادة ممنوعة على الأشخاص الذين يتّبعون حمية غذائية، وذلك بوجود بوظة «دايت»، خالية من السكر والمواد الدسمة. وقد كان القزيلي أوّل من روّج لهذا النوع من البوظة، مستخدماً مواد أولية من ايطاليا. وتتوفر البوظة الدايت بنكهات محددة هي الشوكولاته، الحليب، المانغا، والفراولة (الفريز). وتُقدّم البوظة الى الزبائن في أشكال عدة منها «قرن» البوظة المصنوع من البسكويت الطازج، وكوب البوظة بأحجام مختلفة. أما بوظة القشدة فتقدم في قالب خاص من البسكويت وتغطى بالفستق الحلبي الأخضر.

وبالانتقال الى عنوان آخر للبوظة العربية، استوقفنا محل «بوظة بار» الواقع في منطقة زوق مكايل أيضاً، الذي يشهد منذ خمس سنوات تقريباً حركة إقبال ناشطة جداً على مدار الساعة، خصوصاً خلال موسم الصيف، بحيث تخف الحركة نسبياً خلال الشتاء وتقتصر على عشاق البوظة. ويجري التحضير اليوم لافتتاح فرعين جديدين للمحل نفسه، أحدهما في مجمع الـ«سيتي مول» قرب بيروت والآخر في منطقة الأشرفية في قلب العاصمة. ويقدم «بوظة بار» الى زبائنه أطيب قرن بوظة على الإطلاق، بحيث يختار كل واحد بنفسه نكهته المفضلة من بين 28 نكهة مختلفة وجديدة، نادراً ما نجدها في صناعة المثلجات. انها بوظة عربية تقدم على الطريقة الايطالية، أي على شكل كرات صغيرة ملونة. ويمكن للزبون أن يطلب كرة واحدة الى أربع كرات في قرن البسكويت الواحد أو الكوب الواحد. وبالنسبة الى بوظة الفاكهة فهي طبيعية مائة في المائة، ولا يدخل فيها الحليب، وتضم نكهات لذيذة جداً لا تغيب على مدار السنة، وهي الفراولة، المانغا، جوز الهند، الشمام، الموز، الماندارين، التفاح، والبطيخ الأحمر. بالإضافة الى الشوكولاته، الفانيلا، الكاراميل، التيراميسو، البندق، اللوز، الورد، الحلاوة، القشدة والعسل، والنعناع.. وقد يستغرب البعض وجود نكهات جديدة مثل اللبن (الزبادي) مع المشمش، واللبن مع الكرز. أما البوظة الدايت فيخصص لها «بوظة بار» حصة لا بأس بها، ويقدمها بأربع نكهات مختلفة هي الفانيلا، الشوكولاته، الفراولة، والمانغا. وتتقيد هذه البوظة بالمواصفات الغذائية الصحية، بحيث تستعيض عن السكر بمواد أخرى خاصة بالريجيم. ويشير أحد الموظفين في المحل الى أن كل كرة من بوظة الشوكولاته والفانيلا الدايت تحتوي على 35 سعرة حرارية، وكل كرة فراولة دايت أو مانغا دايت تحتوي على 15 سعرة.

ولا شك أن للبوظة العربية بعض الفوائد الغذائية، إلا أن الإفراط في تناولها قد يضر بالصحة ويسبب زيادة سريعة في الوزن عند الصغار والكبار. هذا ما أشارت إليه اختصاصية التغذية غادة أبو جودة في حديثها الى «الشرق الأوسط»، مشددة على ضرورة تناول البوظة الطبيعية الخالية من المواد المصنعة وبكمية معتدلة جداً. أما فوائد المثلجات فتختلف باختلاف المواد الأولية المستخدمة في صنعها، بحيث تحتوي بوظة الفاكهة الطبيعية مثلاً على الفيتامينات نفسها الموجودة في حبات الفاكهة المستعملة. كما أن الحليب الذي يدخل في صناعة بعض أنواع البوظة يحتوي على عنصر الكالسيوم الذي يساعد الجسم في إذابة الدهون المتراكمة. لذلك يُسمح بتناول البوظة خلال فترة الحمية، لكن بمقدار كرة واحدة في اليوم، على أن تكون البوظة مصنوعة من مواد طبيعية مائة في المائة، وأن تكون وجبة بديلة عن قطعة حلوى أو أي نوع آخر من السكريات. ويستحسن في هذه الحالة أن تكون البوظة دايت أي خالية من السكر مع حليب قليل الدسم. كما ينبغي على كل شخص متابعة نظامه الغذائي مع اختصاصي التغذية الذي يحدد له نسبة الوحدات الحرارية المسموح له بتناولها في اليوم الواحد، إذ ان الإفراط في تناول البوظة أو أي نوع آخر من الحلويات يرفع نسبة السكر في الدم ويمنح الجسم وحدات حرارية عالية، وقد يسبب على المدى البعيد أمراضا خطيرة مثل السكري والكولسترول والتريغليسيريد.

ولا ننسى أن للبوظة والمشروبات الباردة مفعولا عكسيا على حرارة الجسم، فهي تشعره بالبرودة في المرحلة الأولى، إلا أنها عندما تلتقي جدار المعدة تعمل على قبض الأوعية الدموية وتقليل نسبة الدم فيها، فيتجه الدم إلى بقية أعضاء الجسم والأطراف مسببا تمدد الأوعية الدموية فيعمل على تدفئتها. ومن جهة أخرى، لفت بعض خبراء التغذية في بريطانيا إلى أن للـ«آيس كريم» فوائد كثيرة، أهمها أنه يساعد على تقوية العظام، وحرق الدهون، وخفض ضغط الدم، وزيادة النشاط العام للجسم. وكشفت دراسة بريطانية سر فعالية الـ«آيس كريم» والمثلجات في تحسين مزاج الإنسان وزيادة شعوره بالسرور، بعدما أثبتت أنها تنشط مراكز السرور والسعادة في الدماغ. فقد وجد الباحثون في مركز علوم التصوير العصبي في معهد الطب النفسي في لندن، أن الحلويات المثلجة تثير المناطق الدماغية المسؤولة عن مشاعر السرور والبهجة، وتؤثر بصورة فورية ومباشرة في أجزاء الدماغ المتحكمة في المزاج.