القهوة تركية .. والبن برازيلي

مذاق وقراءة في الفنجان

القهوة التركية جزء لا يتجزأ من حياة العرب
TT

كما هو الحال في كثير من دول العالم، فإن احتساء القهوة، لا يزال في بلغاريا من الأنشطة اليومية المتكررة، سواء داخل المنازل او في المقاهي والمطاعم، بالرغم من هجمة الشاي وولوج أنواع منه الى العادات والتقاليد المتبعة في اللقاءات وجلسات العمل او السمر.

لكن إذا طلب الضيف او احد الزبائن فنجان قهوة، فإن عليه تحديد نوع القهوة.. وغالبا ما يقع الاختيار على «القهوة التركية»، والمقصود هنا فنجان قهوة على الطريقة التركية. ولعل هذه الطريقة في إعداد القهوة تسمى بالتركية، لأنها جاءت الى بلغاريا من تركيا إبان حكمها للبلاد، الذي استمر مدة خمسة قرون. يتم تحضير هذه القهوة بوضع البن مع الماء والسكر، دفعة واحدة، في وعاء خاص او دلة، ثم يتم غلي الخليط حتى ظهور رغوة او قشدة تستقر فوق الوعاء، وكلما كانت (الرغوة) اكثر كثافة، كان مذاق القهوة أفضل، وكلما كان احترام المضيف للضيف اكبر. ثم تسكب القهوة في فناجين خاصة وتقدم الى الزبائن او الضيوف معا مع قدح من الماء وقطعة من الحلوى يفضل أن تكون بيضاء اللون «كي تكسر اللون الغامق للقهوة نفسها»، وبالمناسبة فإن مثل هذا الشيء صار تقليدا متبعا ليس في بلغاريا وحدها، بل في دول البلقان عموما، وحتى خارج هذه المنطقة. وفي بعض المناطق ذات الأغلبية السكانية في جنوب بلغاريا، يعمد البعض الى إعداد مثل هذه القهوة بعد غليها على رمال ساخنة.

ويرتبط احتساء فنجان قهوة على هذه الطريقة بقراءة الفنجان أيضا، إذ ان فناجين الأنواع الأخرى من القهوة لا تترك الترسبات في قعر الفنجان. لذا فإن جلسات السمر وبالأخص بين الصديقات، واحتساء فنجان من القهوة يرتبطان في العادة بقراءة البخت والفنجان. ومن جهة أخرى، فإن ترسبات البن في القهوة المعمولة على الطريقة التركية، تهمل ولا يتم استهلاكها، لذا فإن العارفين يقولون إن هذا النوع من القهوة هو الأكثر صحية من الأنواع الأخرى.

من المتعارف عليه في بلغاريا ان البن والقهوة، بل وحتى المقاهي ترجع جذورها الى شبه الجزيرة العربية، وأنها انتقلت خلال القرن الميلادي السادس عشر الى عاصمة الدولة العثمانية، ومن هناك الى بلغاريا، ثم بقية أنحاء أوروبا. وبالمناسبة فإن المقاهي كانت تتربع مكانة مهمة في الدولة العثمانية، التي ظلت بلغاريا تابعة لها طيلة خمسة قرون. ففي بلغاريا مثلا كان البلغار والأتراك والأرمن واليهود، يلتقون في المقاهي، ليس فقط لاحتساء فنجان من القهوة، إنما أيضا لتبادل أطراف الحديث بشأن مواضيع سياسية وتجارية واجتماعية وثقافية، لذا فإن احتساء القهوة ووجود المقاهي أديا دورا في التقريب بين هذه الملل والأديان، إذ كانت هذه المقاهي التي حصلت بدورها أيضا على تسمية «المقاهي التركية»، تسودها قواعد مهذبة للسلوك وتبادل الحديث، وذلك على حد قول البروفيسورة البلغارية يوردانكا بابينا، التي تطرقت في أكثر من مناسبة الى القهوة والمقاهي إبان الحكم العثماني لبلغاريا. وكانت هذه المقاهي في كثير من الأحيان مكانا لتسوية مشاكل حياتية ويومية تنشأ بين أبناء الحي الذي يقع فيه المقهى. وظلت هذه المقاهي، في بلغاريا، حكرا على الرجال وتستقبل في بعض الأحيان الأطفال أيضا، حتى منتصف القرن التاسع عشر عندما اتخذت هذه المقاهي «الطابع الأوروبي» بالسماح للنساء بولوج هذه المقاهي، ولأول مرة، ولهذا السبب صارت توصف بأنها «مقاه أوروبية»، وشهدت مدينة روسا (شمال بلغاريا على نهر الدانوب)، مثل هذا التطور قبل غيرها من مدن بلغاريا الأخرى، نظرا لأن الميناء النهري لهذه المدينة كان يستقبل باستمرار مواطني دول أوروبية أخرى كانوا يزورون بلغاريا باستخدام نهر الدانوب.

وتبقى «القهوة التركية» محتفظة بمكانتها، في بلغاريا، على الرغم من المنافسة الشديدة من قِبل أنواع القهوة الأخرى «الكابوتشينو» على سبيل المثال، او الشاي بكل أنواعه.

وأخيرا، لا بد ان نأتي على ذكر ما تعودنا على مشاهدته من كتابات على أبواب ونوافذ المقاهي في بلغاريا: «قهوتنا التركية هي برازيلية» وذلك في التفاتة لجذب أنظار الزبائن بأن القهوة التي يجري إعدادها في هذا المقهى على الطريقة التركية، هي من البن المستورد من البرازيل.