«صايكوك» بالكسكس واللبن الزبادي

ينافس الآيس كريم في المغرب

شاب مغربي يشتري «صايكوك» للانتعاش به في أجواء القيظ (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

يشتكي معظم الناس من ضعف شهيتهم للأكل خلال فصل الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة، لذلك يبحثون عن اكلات خفيفة بديلة عن الوجبات «الثقيلة» التي يتناولونها في الايام العادية،حتى ان بعض الاكلات يرتبط بمواسم وفصول معينة.

«صايكوك» اسم رشيق لاكلة مغربية تقليدية لا يوجد اخف منها، البعض يعتبرها بمثابة سندويش، ربما وجبة رئيسية ان اقتضى الحال.

وكما يدل اسمها، فهي اكلة امازيغية في الاصل، الا انها منتشرة في جميع مناطق المغرب، بعد ان انتقلت من القرى الى المدن. و«صايكوك» عبارة عن كسكس باللبن، والمقصود باللبن عند المغاربة هو اللبن الزبادي، وليس الحليب.

ويحضر «صايكوك» اما بالكسكس الجاهز المصنوع من دقيق القمح، او دقيق الذرة، او الشعير، ويسمى «البلبلة» اي البرغل الخشن، وكل صنف يعطي للاكلة مذاقا مختلفا، اما طريقة الطهي فهي سهلة وبسيطة، اذ يتم تبخير كمية من الكسكس او البرغل في إناء التبخير حتى ينضج ثم يترك ليبرد، وبعدها يصب فوقه اللبن الزبادي البارد، ويحرك، فيقدم في أقداح صغيرة من الخزف، مع إضافة قليل من الملح حسب الاختيار، ويتناول باستعمال الملاعق.

اكلة «صايكوك» مرتبطة ايضا بطبق الكسكس بالخضر واللحم الذي يحضره المغاربة يوم الجمعة من كل أسبوع، ويتناول بطريقتين، إما بمزج ما تبقى من الكسكس باللبن في نفس الاناء، أو تقديمه منفصلا في اقداح صغيرة، لأنه يساعد على الهضم.

لا يقتصر تحضير «صايكوك» على البيوت، بل هي اكلة معروفة تجدها في الاسواق الشعبية، يبيعها النساء كما الرجال، وبائعو «صايكوك» الجائلون، الرجال يخرجون الى العمل بمظهر متميز يشبه مظهر الاطباء، فهم يرتدون بلوزة بلون ابيض، ويقفون وراء عربتهم المغلفة ببلاستيك ابيض كذلك، فيبدو لباسهم متناغما مع لون اللبن، اما النساء فهن غالبا قرويات يلبسن لباسهن التقليدي المعروف حسب المنطقة التي يأتين منها، وهي علامة تجذب الزبائن، وتعطي مصداقية للاكلة على اعتبار ان كل مكونات «صايكوك» ستكون طبيعية واصلية، بنظرهم، مصدرها هو المزرعة، حيث اللبن الصافي، ودقيق الذرة او الشعير الصحي. وفي بعض الاحياء يباع «صايكوك» في عربات متجولة، لتقديم هذه الوجبة الرخيصة للمارة، كما يباع في المتنزهات الموجودة في ضواحي المدن، اذ لا يتعدى ثمن القدح ثلاثة دراهم. ويمكن تناول هذه الوجبة في أي وقت من النهار.

في فصل الصيف، ينتقل الباعة المتجولون من الاحياء والاسواق الى الشواطئ في المدن الساحلية، حيث تصبح «تجارة» مربحة لكثيرين، فـ«صايكوك»، هذه الاكلة التقليدية البسيطة والباردة، تصبح مع ارتفاع درجات الحرارة، منافسة لمحلات بيع الآيس كريم، والعصائر، والمشروبات الغازية، ويقبل على تناولها المصطافون على شواطئ البحر كوجبة خفيفة تسكت مغص الجوع، او يتم تناولها بعد الوجبات.

ويعد المهاجرون المغاربة الذين يأتون لقضاء إجازتهم الصيفية في البلد، من بين الزبائن الدائمين لهؤلاء الباعة، لأنهم يحنون الى الاكلات التقليدية التي كانت تحضرها لهم أمهاتهم في البيت، حتى تنسيهم طعم الوجبات الاوروبية السريعة التي يشتكون من ان لا طعم ولا مذاق لها.

وبما ان «صايكوك» اكلة باردة، يحرص الباعة على حفظ اللبن في ثلاجات صغيرة، بل منهم من يضعها في قربة مصنوعة من جلد الماعز، بنفس الطريقة الشائعة في القرى، وهي وسيلة ايضا لجذب الزبائن والتأكيد على ان اللبن الزبادي تم تحضيره على الطريقة القروية، باستعمال اللبن الطري والصافي، وليس اللبن الجاهز الذي يباع معبأ في أكياس من البلاستيك أو الورق المقوى، حيث يوجد في السوق المغربي عدة انواع منه، وتتنافس الشركات التجارية فيما بينها لانتاج لبن بمواصفات جيدة اقرب الى الطعم الاصلي والطبيعي الذي يتميز بمذاقه الحلو، دليل الطزاجة، لان مذاق اللبن الحامض غير مستحب.

ويتوفر اللبن الزبادي على قيمة غذائية عالية، فهو غني بالكالسيوم، ومفيد جدا لمن يشتكون من مشاكل الهضم، لذلك لم يعد مشروبا خاصا بأهل القرى كما كان من قبل، حيث يعتمدون عليه كأحد المواد الغذائية الأساسية في حياتهم اليومية، ويمكن الاكتفاء بشرب اللبن مرفوقا بالخبز، اذا لم يوجد ما يؤكل، اذ تعتبر وجبة قائمة بذاتها يمكن اللجوء اليها «اضطرارا»، في بعض الاحيان.

لا يتشبث المغاربة بأطباقهم التقليدية الدسمة فحسب، مثل الطاجين الذي لا يتصورون العيش من دونه، بل حتى الاكلات البسيطة، استطاعت المقاومة والصمود امام الوجبات العصرية السريعة التي تقدمها المطاعم في كل مكان، و«صايكوك» احداها، وربما يتم تسويق «صايكوك» مستقبلا كعلامة تجارية لأكلة مغربية سريعة بكل ما تعنيه الكلمة، فهي سريعة التحضير والاكل ايضا.