«لو بيرناردين».. تذوق نكهة النجاح

السعي وراء التفوق داخل مطعم 4 نجوم

كريس مولير يظهر الطريقة المثلى لتقطيع الفطر («الشرق الأوسط»)
TT

تجولت عبر أرجاء المطبخ الخاص بمطعم «لو بيرناردين» الحاصل على تصنيف 4 نجوم، بينما كان العرق يبلل السترة التي استعرتها من أحد كبار الطهاة بالمطعم. وبلغت درجة الحرارة المنبعثة من الموقدين الضخمين 1.000 درجة. وكانت عقارب الساعة المعلقة على الجدار تشير إلى الثامنة وعشر دقائق مساءً. وكنت قد التحقت بالمطعم للتدريب على أن أكون رئيس الطهاة في صنع الصوص. وأثناء تجولي شاهدت «إيريك ريبرت»، 43 عاماً، وهو رئيس الطهاة الأول في «لو بيرناردين» وكذلك أحد الشركاء في الملكية. ويتميز بقوامه الفارع وشعره الفضي وعينيه الزرقاوين، وكان في تلك الأثناء يتفقد الجزء المخصص لتقديم الطلبات وهو يرتدي السترة البيضاء المميزة للطهاة وسروالا من الجينز، وبدا وكأنه أحد الجنرالات الفرنسيين. وفي حديثه معي، شدد «إيريك» على أنه: «في هذه المهنة، يجب أن تعمل بشكل ملموس. من أجل أن تكون رئيساً للطهاة، يجب أن تبدو بالصورة الملائمة لذلك».

يأتي في المرتبة الثانية في رئاسة الطهاة داخل المطعم بعد «إيريك»، «كريس مولر»، 40 عاماً. ووقفت أثناء تلقي الإرشادات حول كيفية عمل الصوص إلى جانب ثلاثة من الطهاة الآخرين داخل المطعم الذي يضم 16 طاهياً منظمين طبقاً للترتيب الهرمي المتبع داخل المطاعم الفرنسية. وأصدر «كريس» أوامره بأن يتم تدريبي على صنع طبق تونة بيضاء مشوية. وأخبرني أحد الطهاة وهو «إيدي دولنجر»، 25 عاماً، بأن أقوم بمسح الإناء المخصص للشواء بقطعة قماش مليئة بزيت الكانولا. وبعد بضع ثوان، قام «إيدي» بوضع قطعة من التونة البيضاء داخل إناء الشواء. في البداية، كان لدي اعتقاد بأنني على استعداد للاضطلاع بهذه المهمة البسيطة نسبياً التي كلفت بها، لكن في خضم العمل وجدت نفسي أقف متجمداً بلا حراك. من المعروف أن «لو بيرناردين» يعد واحداً من أشهر المطاعم وأغلاها على مستوى العالم. ويقع داخل مبنى تجاري في 155 بشارع 51 في مانهاتن ويقدم المطعم خدماته منذ فترة تتجاوز 20 عاماً. ومنحته صحيفة «نيويورك تايمز» تصنيف أربعة نجوم. ويتخصص المطعم في تقديم أطباق المأكولات البحرية والتي يغلب عليها الطابع الفرنسي والآسيوي. وتجري الإشارة إلى هذه المأكولات في قائمة الطعام الخاصة بالمطعم باعتبار أنها «تكاد تكون نيئة» و«لمستها الأيدي بالكاد». ويبلغ ثمن الوجبة محددة السعر والتي تتألف من ثلاثة أطباق 109 دولارات للفرد، دون حساب الخمور. أما الوجبة المتميزة المكونة من ثمانية أطباق يتم تحديدها بناءً على ذوق واختيار رئيس الطهاة فتصل تكلفتها إلى 320 دولاراً للفرد، بما في ذلك المشروبات الكحولية. يذكر أن تاريخ افتتاح «لو بيرناردين» Le Bernardin يعود إلى عام 1986 على يد كل من «جيلبرت» و«ماجي لو كوز». أما «إيريك ريبرت» فقد نشأ في فرنسا وأسبانيا وتعلم فنون الطهي على يد جدته. عام 1991، انضم إلى صفوف العاملين لدى «لو بيرناردين»، بعد أن عمل لفترة محدودة في مطعمين باريسيين هما «لا تور درجنت»، الذي يبلغ عمره 400 عام، و«جامان» الذي يملكه «جويل روبوشون»، إضافة إلى مطعم «جان لويس» في واشنطن. وتولى منصب رئيس الطهاة الأول داخل «لو بيرناردين» في أعقاب وفاة «جيلبرت لو كوز» عام 1994. ويمكن القول بأن أحد الأسباب الجوهرية وراء النجاح المستمر الذي يتميز به «لو بيرناردين» يتمثل في إصرار «إيريك» على الالتزام بمستوى الجودة اللائق بتصنيف أربعة نجوم في جميع مراحل العمل داخل المطعم. في هذا الصدد، أكد «إيريك» أن: «يدفع عملاؤنا الكثير من المال، لذا يجب أن يكون الطعام ممتازاً. ليس لدينا أعذار تعفينا من ذلك». وبناءً على طلبي، اتخذ «إيريك» و«كريس مولر» الترتيبات اللازمة كي أطلع بصورة مباشرة على كيفية اهتمام «لو بيرناردين» بالتفاصيل الدقيقة خلال فترتي تقديم الغداء والعشاء التي تمتد كل منها لسبع ساعات. بدأت وجودي في فترة العمل الأولى في السابعة صباحاً صباح يوم الثلاثاء تحت إشراف رئيس طهاة الصوص، «روب سيسكا»، 27 عاماً. وراقبنا معاً الجزار وهو يقطع سمكة هلبوت يبلغ وزنها 24 رطلا للتأكد من أنها طازجة. ثم قمنا بتفحص الصندوق الذي يضم الخضروات داخل جهاز التبريد وصندوق المعجنات. بصورة عامة، يتألف المطبخ داخل «لو بيرناردين» من قرابة اثني عشر جزءا مقسما على امتداد أربعة أقسام رئيسة. وتتراوح رواتب الطهاة بين 550 دولاراً و1.000 دولار أسبوعياً. ويقدم «لو بيرناردين» ما بين 20 و30 نوعاً مختلفاً من الصوص. وقد ساعدت في صنع صوص من الثوم المقطع إلى شرائح والقفلوط (الكراث الأندلسي) والليمون وحب الفلفل الأخضر. بمرور الوقت، بدأ المطبخ يعتمل بحركة شديدة، لكنه لم يصبح فوضوياً قط. وبخلاف الأصوات التي تعلن عن طلب جديد من وقت لآخر، لم يكن به صراخ كثير. وفي نهاية اليوم، خلعت ملابس الطاهي التي كنت أرتديها وألقيت التحية على «إيريك» وفريق العمل المعاون له من الطهاة وخرجت من المطعم تسيطر علي أحداث مطعم أربعة نجوم.

* خدمة «نيويورك تايمز»