العسل «الحر».. عملة نادرة في المغرب

حلاوة لا يستغنى عنها

TT

العسل مادة غذائية غنية ولذيذة لا يمكن تعويضها، يحبه الصغار والكبار، فهو مرتبط بالفرح والاعياد والمناسبات، ومن اجل ذلك صار البحث عن العسل الطبيعي او «الحر» كما يسميه المغاربة، كالبحث عن شيء مفقود ونادر، فالعسل الحر لا يباع في أي مكان، وحتى ان وجد، فهناك دائما من سيشكك في جودته ويؤكد لك بأنه مغشوش.

اما الطريق الآمن للحصول على عسل النحل الصافي هو ان تكلف احد الاشخاص ممن تثق فيهم جيدا ليجلبه لك مباشرة من القرى من أي منطقة من مناطق المغرب، ومع ذلك تظل نسبة الشك قائمة، ولا بد من إخضاعه للاختبار، بمساعدة بعض ممن لهم خبرة وتجربة في هذا المجال،ونتيجة لذلك،تضاعف سعر العسل حتى وصل الى 40 دولارا فما فوق للكيلو غرام الواحد.

وتعد منطقة الغرب احد اهم المناطق المغربية المعروفة بانتاج العسل الطبيعي، الا انه وكغيره من المنتجات الطبيعية يتأثر بعوامل الطقس، فالجفاف يؤثر بشكل كبير في الانتاج الذي توفره ثلاث فصائل من النحل الموجود في المغرب. وتوجد انواع كثيرة من العسل تتميز حسب المذاق، واللون الذي يتدرج من الابيض الصافي الى اللون الاسود القاتم.

ويختلف مذاق العسل حسب نوع الرحيق الذي امتصه النحل،وان كان قد اقتصر على زهرة واحدة او عدة ازهار.

اما انواع العسل المتوفرة في المغرب فهي عسل البرتقال، والليمون، والكاليبتوس، والخزامى،وعسل الجبل، بالاضافة الى عسل الاركان، نسبة الى شجرة الاركان التي تنبت في الجنوب، وهو من النوع الغني جدا والنادر.

والعسل هو الغذاء الوحيد الذي لا يتعرض للتلف،يمكن الاحتفاظ به في مكان بارد او جاف، فهو يصبح سائلا عند تعرضه للحرارة، كما يتجمد ويصبح بلوريا في درجة حرارة منخفضة، عند وضعه في الثلاجة،ويتغير لون العسل ايضا اذا ما تعرض للضوء او العكس.

وتشير البحوث العلمية الى انه لانتاج نصف كيلو غرام من العسل،يحتاج النحل للقيام بـ17 الف رحلة،وامتصاص رحيق حوالي 9 ملايين زهرة،لذلك لا يستحق أي منتج مشابه ان يحمل اسم العسل، خصوصا العسل المصنوع من السكر،المعروض للبيع في المحلات التجارية معبأ في قنينات من الزجاج او البلاستيك،والذي يستهلك بكثرة بسبب ارتفاع سعر العسل الطبيعي. علاقة العسل بالطبخ المغربي معروفة، فهو ذو مكانة خاصة على الموائد، يقدم كعربون للترحيب بالضيوف،ومن يملك «عسلا حرا» في بيته كمن يملك شيئا ثمينا،فهو غذاء ودواء.

يؤكل العسل وحده برفقة الخبز، كما يدهن مع الزبد او السمن، وهذا المزيج يصلح ايضا لدهن انواع من الفطائر اللذيذة واشهرها، البغرير (القطايف)، والمسمن، والمخمار، وهو خبز طري يطهى فوق مقلاة، وكلها لا تستغني عن العسل،الذي يعطيها مذاقا لذيذا وشهيا،سواء عند تناولها في الفطور او كوجبة خفيفة مساء، مع الشاي او القهوة.

ويدخل العسل في تحضير عدد من الحلويات التقليدية الشهيرة،التي تحضر في المناسبات والاعياد، وعلى رأسها «الشباكية» المرتبطة بشهر رمضان،والتي يتم تناولها مع حساء الحريرة، وتصنع من الدقيق والزيت والسمسم ،وبعض الاعشاب المنسمة،حيث يشكل العجين اللين على شكل وردة، وتقلى في الزيت ومن ثم تغمس في العسل. اما حلوى «البريوات»، فهي عبارة عن لوز مطحون ومنسم بالزبد او السمن، والقرفة والسكر، يلف في ورق الجلاش على شكل مثلثات صغيرة، تقلى في الزيت ثم تغمس في العسل فتغدو حلوة وشهية، وهناك «المحنشة»، التي تحضر بنفس طريقة البريوات، الا انها تتخد شكلا لولبيا.

لا يقتصر استخدام العسل في الطبخ المغربي على الحلويات فقط، بل هناك انواع من الاكلات التقليدية التي يضاف اليها العسل، من بينها «المروزية»، وهو طبق متميز ولذيذ، مرتبط بعيد الاضحى، ويتكون من قطع اللحم التي يضاف اليها مزيج من البرقوق المجفف والزبيب المعسلين، وحبات من اللوز المسلوق والمحمر.

ويعرف المطبخ المغربي بمزجه للمذاقين الحلو والمالح في عدة وصفات، لذلك يتم «تعسيل» عدد من الخضر او الفواكه المجففة واضافتها الى طاجين اللحم او الدجاج،من بينها، البرقوق، والمشمش، والتين، والسفرجل.

كما يضاف العسل الى طبق الكسكس التقليدي،لكن ليس كسكس الخضر، وانما كسكس «التفاية»، الحلو المذاق، وتحضر «التفاية» بالبصل والزبيب والسمن، والقرفة والمنسمات، ثم يضاف العسل حتى تتمازج العناصر وتصبح لزجة وحلوة، فتوضع «التفاية» على اللحم او الدجاج في طبق الكسكس وتزين باللوز المسلوق والمحمر.

ولمعرفة ما إذا كان العسل طبيعيا، او مغشوشا يمكن اللجوء الى بعض الاختبارات البسيطة التي يقال عنها انها مجربة، من بينها ان العسل الطبيعي عند صبه في انية اخرى برفع اليد، يسكب كالخيط الرفيع ولا يتقطع. والعسل المغشوش عند تعريضه لدرجة حرارة منخفضة يصبح هشا تكسوه حبيبات من السكر، الا ان تذوق العسل يبقى الاكثر ضمانة فلا مادة اخرى تعادل مذاق العسل الاصلي، وطعمه المتميز،مهما اضيفت اليه من نكهات صناعية. وللعسل خصائص علاجية معروفة منذ القدم،والقرآن الكريم اكد على قدرة العسل على الشفاء في قوله تعالى في سورة النحل: «وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ». ويتوفر العسل على مجموعة من الاملاح المعدنية مثل الحديد، والنحاس، والفوسفور، والماغنيزيوم، والكالسيوم، بالاضافة الى الفيتامينات، ويساعد العسل في علاج اضطرابات الجهاز الهضمي، والجهاز التنفسي،مثل السعال والربو.

كما يصلح لمعالجة الارق والتمتع بالنوم الهادئ.