مطعم «باب الحارة» في بيروت.. همزة وصل بين الماضي والحاضر

طقوس خاصة للعرسان واستعادة للتقاليد الدمشقية العريقة

الدبكة الشامية مظهر من مظاهر مطعم «باب الحارة» («الشرق الأوسط»)
TT

أقفل مسلسل «باب الحارة» جزأه الثالث على غموض لن يتبدد الا في الموسم التلفزيوني لشهر رمضان المقبل مع الجزء الرابع الذي سيحمل مفاجآته. لكن المسلسل بأجوائه الاجتماعية ونكهة الحارات الدمشقية القديمة لا يزال، وللعام الثاني على التوالي، يستقطب روادا من مختلف المناطق اللبنانية، وذلك بعد ان اتخذ له مكانا على ارض الواقع في مطعم يحمل الاسم ذاته في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت. هناك تأخذك «حارة الضبع» الى تفاصيلها. فقد حرصت ادارة المطعم على أن يكون المكان مشابها لما هو عليه في البرنامج الرمضاني. تدخل بابا كبيرا لتصبح في عمق المرحلة. تفتش عن الحارس أبو فارس. تحسب أن صوته يردد المواويل الشامية العتيقة بلهجة حزينة. تتابع فتصل الى ساحة تتوزع في أنحائها دكاكين وبسطات وعربات تتماهى مع تلك الموجودة في المسلسل. فمقهى أبو حاتم يقدم للزائرين الشاي في أكواب من طراز زمن المسلسل، ويتفنن في نكهات تبغ النارجيلة وطريقة تنسيقها. ولمن يريد ان يبّل ذقنه ويحلق لحيته ويرتب شاربيه ليشبه قبضايات «حارة الضبع»، يكفيه ان يسلم رأسه الى عصام الحاضر لخدمته في صالون الحلاقة الشامي كما تركه أبو عصام، الذي انتقل بعدَّته وعطوره الى «باب الحارة» البيروتي. وبالطبع لا حارة من دون حمام، لذا لا بد من المرور الى «حمام أبو قاسم» والحصول على خدمات عبدو الذي يقود الزبائن الى الحمام «الجوّاني» ليتمتعوا برائحة الصابون الغار، ومن ثم يسترخوا ويسلموا عضلاتهم المتشنجة الى اختصاصيين يتولون مهمة التدليك على الطريقة الشامية القديمة. لوهلة يشعر الزبون بأنه يعيش في المسلسل، لا سيما عندما ينتهي عمل «الجواني» ويتم الانتقال الى «البراني» حيث «ديوانية» الزعيم التي تتوسطها بركة شامية تقليدية.

السيوف المعلقة على الجدران والشبريات (السكاكين التي تستخدم في العراك) والطبنجات القديمة تذكرك بالأسلحة التي كانت تتنقل بين حارات الشام وصولا الى ثوار الغوطة للدفاع عن بلادهم ضد المحتلين، ما يعيد الى ذاكرة الزائر القوة والشهامة اللتين شكلتا خصائص قبضايات «باب الحارة»، من دون أن ننسى «خيزرانة القبضاي معتز» التي يتسابق الرواد الى حملها قبل ان يستريحوا على الكراسي التي تتميز بطرازها القديم ويتأملوا النقوش والتحف القديمة كلها، ما يضفي على المكان صيغة تراثية جميلة. ولتكتمل الجلسة الشرقية حرصت ادارة المطعم على تحضير الأطباق الدمشقية التي تتلاءم مع كل الأذواق. ولكن قبل مغادرة «الحارة»، لا بد من لقاء عابر مع أبو مرزوق لإلقاء التحية وسؤاله عن أسعار ما تحمله عربته من فاكهة وخضار. ويبقى ان نتذكر ان الاسعار لا تتناسب وأيام الحارة القديمة حين كانت البركة تسود، فالدفع هو بعملة هذه الايام. لكن عليك الانتباه الى غضب شباب الحارة اذا حدثتك نفسك باستراق النظر او السمع الى مجسمات البيوت القديمة تلك تلمح وجه خيرية ودموعها او تسمع القابلة (الداية) أم زكي وهي تنهر فريال لطباعها السيئة وتصرفاتها الرعناء واهاناتها المستمرة لسعاد، حماة ابنتها الوحيدة لطفية. ولأن ادارة المطعم حريصة على استمراريته وعدم تقييد رواده بمسلسل «باب الحارة» دون سواه، فقد عمدت الى إرضاء الأشخاص الذين لا يجدون تسليتهم في التراث والجلسات العربية، فخصصت لهم الطبقة العليا من المكان بعد ان صممتها بهندسة غربية مختلفة كل الاختلاف عن هندسة الطبقة السفلى، ما يمّكن الزائرين من الانتقال من جو الى آخر، وكأنهم بذلك يسافرون عبر الزمن من حقبة قديمة الى الايام الحالية، وخلال وقت قصير ومن دون تكبد عناء المسافات الطويلة.

سامي، أحد العاملين في المطعم، قال لـ«الشرق الأوسط»: غالبا ما يحدثنا الزبائن بلهجة شامية كتلك المستخدمة في المسلسل. ويطلقون عليّ كنية بعض الشخصيات اذا ما أرادوا أن يطلبوا شيئا. كذلك أكد بعض الشباب الموجودين في المطعم ان اسم المكان جذبهم للدخول إليه وتناول الطعام فيه، حتى بعض انقضاء شهر رمضان المبارك، كونهم من متابعي المسلسل، وقد أرادوا استطلاع ما بداخله وتأمل التصميم المتبع فيه والذي أثار إعجابهم.

ويقول فؤاد دبوق، مدير العلاقات الدولية في المطعم: خلال شهر رمضان كنا نقدم افطارات متنوعة فيأتي الزبائن من جميع المناطق اللبنانية. الحجوزات تأتينا من صور والنبطية وطرابلس وغيرها. وقد وضعنا برنامجا يسمح للرواد بتقضية سهرتهم في المطعم ليتابعوا تفاصيل الحلقة اليومية. حينها تصبح الجلسة أحلى. ويضيف: اساس الفكرة كانت الحمام العربي الموجود في الأسفل. ثم تطورت مع الأيام وقررنا توسيع الحمام وإضافة المطعمين الشرقي والغربي، وذلك اكراما للأذواق عامة وسعيا الى الاستمرار. لكن من دون ان نغفل أهمية التسمية التي روجت للمكان. فعبارة باب الحارة ترّد الزبائن الى الحقبة القديمة وتجعلهم يحنون اليها. ويستعيدون أجواء الحارات التي كانت معروفة منذ زمن بعيد، والتي كانت تمنح المدن العربية خصوصية من خلال العلاقات الودية التي ينسجها سكانها في ما بينهم ليصبحوا كالأهل ويحفظوا مصالح كل واحد منهم وكرامته وحقوقه ويتعاونوا عند الشدة. وهذه العلاقات لا تزال موجودة حتى اليوم في بعض القرى والبلدات اللبنانية والعربية.

ويوضح دبوق: نقلنا الديكور الموجود في مسلسل باب الحارة بأمانة الى الطبقة السفلية من المحل حيث يوجد الحمام. جميع الشباب العاملين في هذا القسم هم من الاختصاصيين. وقد جاؤوا من سورية، وهم يرتدون الملابس التي نراها في المسلسل، وذلك لجعل الزبائن يشعرون فعلا بأنهم يعيشون اجواء الحارة. وقد جذبت مهارتهم العديد من الرواد، حتى أن الكثير من الشباب أتوا وتحضروا لليلة الفرح في الحمام وعلى الطريقة القديمة. كانت فرقة الزفة تنتظرهم عند باب الحمام فيقوم العريس بحلاقة شعره في صالون أبو عصام ثم يأخذ حمامه وتقوم فرقة الزفة بمرافقته الى الخارج حيث تنتظره سيارة تقله الى مكان الاحتفال. وينهي دبوق فيقول: الرواد يحبون التمتع بكل ما هو جديد. الا انهم يحنون من حين الى آخر الى العادات والتقاليد القديمة، لذا يقصدون مطعم باب الحارة حيث يستمتعون بالماضي والحاضر.

ويبقى أنّ أصداء نجاح مسلسل «باب الحارة» قد انعكست إيجاباً على الأجواء الرمضانية هذا العام، وتواصلت الى ما بعد الشهر الفضيل. وتكفي زيارة المطعم في الضاحية الجنوبية لبيروت في اي وقت حتى يتأكد من يرتاده ان بإمكانه الاستمتاع بأطباق لذيذة وبأمسيات لن تزول من الذاكرة، لذا سيكرر الزيارة كلما سنحت له الفرصة. وقد يتحول الى زبون دائم له طاولته ونارجيلته وطبقه المفضل.